صناعة التفاهة سياسة ممنهجة.. إذا لم تستطع إبهار الناس بنجاحك فأبهرهم بتفاهتك
هوية بريس – عبد القادر حيضر (أشرف)
√ وقفات مع الفيلسوف الكندي ألان دونو Alain Deneault صاحب كتاب (الميديوقراطية La Médiocratie) والكاتب الألماني گيدو گرانت Grandt Guido صاحب كتاب (الكتاب الأسود: الماسونية).
√ نظام التفاهة أو الميديوقراطية، نظرية فلسفية سياسية جديدة، وقد يُختصر معناها في استحضار الجاهل، التافه، المزيف، المهمَّش، المغيَّب، المهمل، المقصي، المستبعد… ليكون مُهِمَّا وجزءا ضروريا في المجتمع بسبب بعض الممارسات والأفعال اللاأخلاقية والخارجة عن العادة.
حتى أصبحنا نرى هذه التفاهة على المستوى الدولي، وقد وصل صغار العقول والحمقى وقليلي الموهبة إلى رئاسة دول عظمى يتشاتمون على مواقع التواصل وأمام الكاميرا و الملأ. ويرى ألان أن التفاهة أصبحت تقنية من تقنيات الأنظمة السياسية، وهي نفسها تشرعن التفاهة وتسمح بها رغم أنها قادرة على محاربتها.
وتتلخص فلسفته أنه لكي تلفت الأنظار يجب ألا تقدّم أي فكرة أو نظرية جيدة، وإلا ستصبح عرضة للنقد، ووسع عينيك وأرخ شفتيك، وفكر بميوعة. (وهذا من باب السخرية فقط).
ومن تأمل في مجتمعاتنا و غيرها وجد أن التافهين هم من أنارت عليهم الأضواء وأحيطت بهم الميكروفونات بدون أن تكون لهم كفاءة أو إنجاز، والجو الملائم والأرض الخصبة التي تسمح بتزايد التفاهة والرفع من قدر التافهين هي تخلف المجتمعات في أهم الميادين، وعلى رأسها الدين والتوحيد ومحاربته من طرف أذناب بعر نسا وبني علمان عن طريق الخرافات والإباحية فيتفرع منها تغييب دور المرأة في المجتمع، ثم العلم والتعليم ومحاربته بتكريم التافهين و تتفيه المقررات المدرسية، ثم التقليل من شأن العلماء الربانيين ومحاربتهم بالمفكرين الإسلاميين، وزعزعة العقيدة الصحيحة ومحاربتها بالأفكار الإلحادية، وقس على ذلك.
√ وباختصار: إنها مخططات مدروسة من منظمات خبيثة تمرر سمها تحت ظل الحرية الشخصية، وحقوق الإنسان، واحترام الخصوصية، وعدم التعدي على الذاتية، وجعل الشواذ و التافهين طبقة عصرية، راقية، وأن يكونوا هم النخبة المختارة، وتشجيع الآخرين على اتباعهم، وتقليدهم لإحداث الفوضى، وتدمير المجتمعات، وتهميش الأخلاق الدينية، واضمحلال الأسرة باعتبارها كيان رجعي لا قيمة له وحصر التقدم و التفتح في إباحة الزنا.
√ وإن من أخطر و أخبث ما وقفت عليه هو محاولة تتفيه الدين و السخرية منه عن طريق النكت عن شرائعه الطاهرة متسترين وراء “نمزح و نضحك”، وهذا الباب سده ربنا {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}.
ومن أهم ركائز نظام أو سياسة التفاهة:
√ تشجيع التافهين و تخصيب الجو لهم لبث أقوالهم و أعمالهم التافهة.
√ التقليل من شأن أهل العلم و الكفاءة والخبرة؛ لأن هؤلاء هم العدو الأول، فوجب إخلاء الساحة منهم، فإذا خلت منه ظهر التافهون.
√ نشر اللامعيارية (مصطلح لدايفيد إميل دوركايم)، فمثلا عدم التمييز بين الأفكار و الكفاءات، حتى أصبحنا نسمع “بحال الشيخة بحال الطبيبة”، بل وأشر منه هو قول “نحن رجال و هم رجال” في حق صحابة سيد الخلق صلى الله عليه و سلم.
فأصبح العرض الحالي: “إذا لم تستطع إبهار الناس بنجاحك فأبهرهم بتفاهتك”.
√ استهداف الأطفال وتحبيب التافهين وجعلهم هم القدوة لهم.
وقس على ذلك.
ولنعلم أن التافه يقول عند تسليط الضوء عليه: “أن الجمهور يريد كذا وهو الذي أوصلني إلى هنا”، إما بحضور تفاهتهم والتصفيق لهم أو كثرة المشاهدات.
واعلم أن الأتفه من التافه هو من دفعه إلى ذلك المقام الذي يستعرض فيه التافه تفاهته.
وإن كان للتفاهة مكان ومدة من الزمن وجيزة في عصرنا الحاضر فإنها لن تطول ومآلها إلى الزوال و التلاشي.
وأختم بقول ربنا {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
والله تعالى أعلم، ونسأله سبحانه أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.