صندوق كورونا إبداع لما بعد كورونا
هوية بريس – منير الحردول
أمام المتغيرات التي فرضتها قوة زحف جائحة كورونا على مجمل الأقطار والشعوب، وما خلفه هذا الفيروس من انعكاسات قد تكون هيكلية، مؤثرة مستقبلا على جميع القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية وحتى السياسية.
طفت على السطح عبقرية بعض المبادرات الخلاقة للإطمئنان في نفوس ملايين البشر، كما وقع في المغرب، إذ أظهرت الجرأة المنقطعة النظير، الذي هندسها قائد البلاد جلالة الملك محمد السادس، في استباق لردئ الخطر المحتمل، بعد زحف الفيروس القاتل، وذلك من خلال جملة من القرارات الصعبة، لكنها في نفس الوقت أنقذت البلاد من وحل خطير، كاد أن يهلك عشرات الآلاف من المغاربة، وقد يعصف بالنظام الصحي الوطني بكامله، ويرهق الجميع في آن واحد.
ولعل ذكاء، وعبقرية عاهل البلاد، أبانت عن مفعوليتها بمجرد الإعلان عن احداث صندوق، لتخفيف الآثار الناجمة عن التأثير الصحي والاقتصادي الاجتماعي لهذه الجائحة المستجدة.
بحبث كان هذا الصندوق غطاءا وقائيا للملايين، إذ بواسطته تم التخفيف من الصدمة الاجتماعية، لعشرات الآلاف من المستخدمين، والعمال الذين فقدوا وظائفهم أو مداخيلهم المؤقتة أو القارة، بسبب عارض من العوارض، كما تمكنت أسر كثيرة جدا من الاستفادة من هذا الصندوق، بهدف استمرار عجلة حياتهم المعيشية ولو في الحدود الدنيا، ناهيك عن استفادة مئات الآلاف من المعوزين الحاملين لبطائق ما يسمى راميد، أو غير الحاملين لها، كما مكن الصندوق في هذه الفترة من دعم قطاع الصحة، من خلال اقتناء الأسرة وتجهيز المستشفيات واحداث المراكز و المختبرات للكشف عن هذا الفيروس القاتل، علاوة على الاهتمام بالمصابين، من حيث التطبيب، والعلاج والتغدية والاقامة، سواء في المستشفيات أو الفنادق أو المراكز المخصصة لذلك.
فهذا الصندوق هو عبقرية جديدة، تضاف للملحمة التي أكدتها الدولة المغربية، المتجدرة في التاريخ، ومن تم فالعبرة لمن يعتبر دائما وأبدا، إذ يعد هذا الإبداع من صميم الحماية الاجتماعية، وعلى أصحاب القرار السياسي، أن يجعلوه تجربة ناجحة في اطار ديمومة السلامة الاجتماعية بصفة عامة، من خلال تثبيت هذا الصندوق في القوانين المالية السنوية، والبحث عن مصادر تموين له، بصفة ثابتة، من خلال ضرائب تفرض على الثروة، والواردات الفاخرة، والخمور والسجائر، والسيارات الفارهة، والفلاحة التسويقية، وفواتير الماء والكهرباء التي تستهلك النسب القياسية، وغيرها من المنابع التي تجني الأرباح، وتتهرب من التصريح بها خشية من الضرائب.
فهذا الصندوق، بعد أفول هذه الجائحة، عليه أن يرسم في السياسة الاجتماعية، بعيدا عن مايسمى السجل الاجتماعي، بحيث تقتصر مهمته على خلق تعويضات شهرية في حدود معقولة، تخالف منهج الاتكالية للعاطلين عن العمل، من حملة الشواهد التعليمية والمهنية، الذين تعذر عنهم ايجاد شغل، وفق نظام دقيق للمراقبة والتتبع، تتكفل به المؤسسات المختصة حتى لا تكون هناك تلاعبات في هذا المجال.
كما تخصص منح شهرية منه، للنساء من ربات البيوت لما لهن من ركيزة أساسية في استقرار الأسر، وتربية الأبناء، والنهوض بالتلاحم الأسري ككل، بالاضافة التدخل لتدعيم الأسر التي تتقاضى الحد الأدنى من الأجور، وذلك بمواد غذائية عينية، تخصص لها بطائق في حدود دقيقة للإستفادة فقط من المواد الغذائة الأساسية، بهدف تجنب الانعكاسات الجسمية على الأطفال من جراء سوء التعذية وغيرها. مع تمويل مستوصفات الأحياء، بالأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، أو التي تصيب الأطفال كالحمى والزكام والالتهابات الحلقية التنفسية وغيرها.
وهكذا يكون هذا الصندوق المبتكر، من قبل عاهل البلاد محمد السادس، قد نجح في توفير الحماية الاجتماعية للملايين، بطرق مباشرة منظمة، عجزت عنها الأحزاب والسياسات الحكومية في برامجها المتشعبة منذ أزيد من خمسين سنة من البرامج القطاعية المتفرقة غير النسقية.
فهذا الصندوق سيكون مرآة لجمالية المغرب، بحيث سيقضي نهائيا، بل سيجرم مجموعة من الظواهر المهينة، للحضارة المغربية أمام الأمم الأخرى، إذ سيضع حدا للتسول والاتكالية، واليأس والحقد الطبقيين، ويزرع الأمل في نفوس المغاربة، وينطلق الجميع في تحد جديد، اسمه رفع راية البلاد عاليا بغية اللحاق بمصاف الدول الصاعدة.
الصندوق المبدع، من قبل جلالة الملك محمد السادس جنة خضراء، وجب سقيها لتزداد نموا ويأكل من ثمارها الجميع.