صورة منقبات القصر الكبير والرسائل الأربع
هوية بريس – إلياس طلحة
إلى حدود الأمس كنت أعتقد أننا في دولة يضمن دستورها حرية المعتقد كما يقول بأن دين الدولة هو الإسلام إلا أنني وبعد أن شاهدت كما شاهد معظم القصريين والقصريات ذالك المشهد المؤسف والمؤلم في حد ذاته، حينما رأيت تلك الصورة التي يساق فيها -إلى حيث لا أدري- أطفال صغار ألبسوا لباس شرطة يسوقون بنات صغار ألبسن النقاب وهن مصفدات بالأصفاد وكأنهن إرهابيات متطرفات، هذا المشهد جعلني أطرح على نفسي أكثر من سؤال كان أولها ماهي الأدوار التي يلعبها التعليم في بلدنا المغرب وهل فعلا تعليمنا ينتج مواطنا يؤمن بأن الدين الإسلامي هو دين الدولة في المغرب ويؤمن بالاختلاف وحرية الفكر والحوار البناء والمناقشة بالتي هي أحسن، ثم ألا يمكن لهذا المشهد أن ينشأ جيلا متطرفا ويغرس فيهم أفكارا عدوانية إقصائية متعصبة للرأي غير مؤمنة بالرأي الآخر وأدبية الحوار و المناقشة؟ وأنا أتساءل كل هذه التساؤلات وغيرها خلصت إلى سؤال رئيس قادني إلى كتابة هذه الأسطر وهو: ما الرسائل التي يمكن إيصالها من ذلك المشهد للمواطن القصري ولتلك المنقبة ولذلك الملتحي وغيرهم؟
– الرسالة الأولى: إلى أولئك الأطفال الصغار الذين مثلوا ذالك المشهد المخزي المليء بالكراهية الذي من شأنه أن يغرس فيهم معاني العدوانية تجاه لباس إسلامي اتفق العلماء (المالكية منهم والمغاربة) على مشروعيته وإن أختلف في درجة حكمه من حيث الوجوب والإستحباب، وهو ما يتعارض مع الأهداف والغايات الكبرى للتربية والتعليم التي ترمي إلى إنشاء مواطن صالح متزن في نفسه وعقله ومنفتح على غيره ومنسجم في مجتمعه يقبل بالرأي والرأي الآخر.
– الرسالة الثانية: إلى عموم المتفرجين الذين لن تكون لهم القدرة جميعا على التمييز بين كون المشهد يستحق الإشادة والتنويه وبين أن يكون المشهد مدعاة للإ ستنكار والتنديد والأكثر من هذا خطورة قد يلقى المشهد ترحابا وقبولا من بعض تلك الجماهير التي كانت حاضرة تشاهد هذه الفقرة من الكرنفال.
– الرسالة الثالثة: إلى المنقبات و إلى الذين يعتبرون النقاب أصلا متأصلا في الدين هذه الرسالة المليئة بالكراهية والعدوانية والإقصاء ورفض الآخر والطرد والإعفاء ولا شك أنها سيكون لها ردود أفعال أقلها الشعور بالانتعاظ والإحتقار (الحكرة) وهو أمر قد يدفع إما لردة فعل سلبية قوية أو قد يؤدي إلى مظهر اجتماعي وانزوائي وانعزالي يجعل هذه الشريحة تشعر بالإقصاء و تتعامل مع المجتمع بالحذر بدل الإندماج والإنسجام.
-الرسالة الرابعة وليست الأخيرة: هي رسالة إعلامية خطيرة جدا مفادها أن القصريين يرفضون النقاب وهم ضد اللباس الإسلامي حيث هذا قد يعطي إنطباعا للرأي العام المغربي والعالمي على أن مدينة القصر الكبير هي مدينة بعيدة عن تقاليدها وتراثها الإسلامي وهو ما يعاكس الواقع والحقيقة إذ أن هذه المدينة عرفت منذ زمن بعيد وإلى الآن بأنها مدينة محافظة يقصدها طلاب العلم من بلاد شتى -كانوا يأتونها من كل حدب ينسلون- وتاريخها ورجالتها يشهدون لها بذالك فقد أنجبت علماء كبار ورجال دين وتربية وتصوف ومجاهدين أبطال غيورين على دينهم ووطنهم… باختصار فهذا المشهد يمس بتاريخ هذه المدينة العامرة وبثقافتها الفاضلة وبتاريخها العميق ويمس كذلك بغيرة ساكنتها على دينهم الإسلامي.
هذه الرسائل الأربع ولا شك أن غيرها كثير تحتاج منا إلى وقفة صارمة صادمة أمام أصحاب هذا الإنفلات كي لا يتكرر في المستقبل من خلال إنشاء لجنة تراجع وتفحص وتراقب ما سيتم عرضه في الكرنفال تفاديا للوقوع في أية محاذير كالتي نتحدث عنها الآن. هذا وحتى لا نفسح المجال لأصحاب القلم الأحمر الذين يستغلون مثل هذه الفرص للطعن والإنتقاص كما هي عادتهم فإنني أعتقد أن المنظمين لهذا الكرنفال التربوي الثقافي لم يكونوا يقبلون بمثل هذه المشاهد وأن هذا الذي وقع فلتة يتحمل مسؤوليتها أصحابها وعلى الجهة المسؤولة أن تسائلهم وتستفسرهم في الموضوع حتى تبرأ ذمتها من ذالك.
وختاما الشكر موصول للجنة المنظمة لهذا الكرنفال الرائع الذي تضمن هذه الفقرة التي لا تنتقص من مكانته وقدره وهو فرصة جميلة لأهل مدينة القصر الكبير للخروج و الإبتكار والإبداع وللترويح عن النفس و للتعبير عن الفرحة والسرور أتمنى له الدوام والإستقرار وأن تتظافر جميع الجهود لإنجاحه أكثر فأكثر.