صيدنايا.. قصة عجيبة من قصص شهداء ثورة سوريا
هوية بريس – علا الفقير
قبل خمس عشرة سنة، في العام 2009، أخبرني أنه رأى رؤيا غريبة:
“رأيت نفسي عند الكعبة المشرّفة أحمل صحنا تأكل منه الملائكة”.
أذكر جيدا نظرته حين سألته عن تأويل رؤياه فأجابني: “صاحب الرؤيا يخرج من الدنيا شهيدا”.
يومها لم تكن فكرة الشهادة تطرق أذهاننا، ولم أكن لأتقبل مطلقا فكرة فقده، فقلت له ممازحة: أي ووين يعني بدك تموت شهيد.. على أبواب الأقصى..
فقال: ما بعرف بس أنا رح اطلع من الدنيا شهيد..
نسيت هذه الرؤيا تماما ولم أذكرها إلا حين وصلني نبأ استشهاده قبل سنوات في سجن صيدنايا الأحمر الشاهد على استشهاد عشرات الآلاف ممن كان حلمهم أن يستشهدوا على أبواب المسجد الأقصى..
أخفينا الأمر سنوات رأفة بقلب أمي، ولم نجد بدّا من إخبارها الآن، لتخبرني أنه سألها، حين أرادت العمرة في العام 2010، أن تدعو له في طوافها أن يبلّغه الله الشهادة، وكذا فعلت..
لكل من تواصل معي يسألني عنه:
أخي يمان شهيدّ بإذن الله..
استشهد قبل سنوات في سجن صيدنايا الأحمر، وامتنّ الله علينا فأرسل لنا من حكى تفاصيل لحظاته الأخيرة، وكيف امتلأت الزنزانة بعد وفاته برائحة مسك لم يعرفوا لها مثيلا..
تقبّله الله، نحتسبه شهيدا حيّا يرزق عند ربه إن شاء الله، طلب الشهادة وبلّغه الله تعالى إياها..
تقول أمي: إنها لا تريد أن تسمع كلمة عزاء..
إذ الشهيد حيُّ فلا يعزّى به، بل يهنّأ بمقامه عند ربه واصطفاء الله تعالى له، ويهنّأ أهله بشفاعته لهم..
كما أن هذه أيام فرح وتهليل وحمد، مسح الله فيها على قلوبنا بأن أشهدنا ذلّ قتلته في الدنيا قبل الآخرة، وعزاؤنا يقيننا أن عذاب الآخرة أشد وأبقى..
أما وصيّته على لساني، والعهد مني له:
فأن نكمل الطريق حتى نبلغ الغاية أو نموت دونها..
إذ أعلم يقينا أن أخي لم يخرج يوما ليسقط نظاما وحسب، ما كان ذاك هو مقصوده،
إنما خرج لتكون كلمة الله هي العليا، وما حدث ليس إلا خطوة في طريق طويل سنكمله بعده إن شاء الله مادام هذا النفس يتردد في صدورنا..
والحمد لله دائما وأبدا..