ضاعت الأمانة واقتربت الساعة.. فماذا تنتظرون؟

19 يناير 2024 08:58
فيديو.. العنف ضد المرأة.. رؤية شرعية ومقاربة اجتماعية - د. أحمد اللويزة

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

زماننا زمان العجائب والغرائب، زمن انهيار القيم، وانقلاب الموازين، وسيادة التفاهة وبزوغ نجم السفاهة، وأهم ما يميز هذا الزمن ضياع الأمانة بشكل فضيع، مما يؤكد أننا على موعد قريب مع نهاية الحياة الدنيا وإقبال على الاخرة، وأن هذا القضية بالنسبة للمؤمن الصادق الأمين تزيده يقينا بدينه وتشبتا به، وإقرارا بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ليس في هذه القضية فحسب، ولكن في كل ما أخبر به الصادق المصدوق من أمور آخر الزمان التي كانت عند السابقين في أكثرها أو بعضها غيبا وكلاما نظريا، بينما نحن اليوم نراها رأي عين في أكثرها ولم يبق منها إلا القليل من العظائم، مما يدل على صدق نبوته عليه السلام، ويفحم كل حاقد جاحد ناطق بالباطل.

ففي موضوع الأمانة التي فقدت في هذا الزمان بالمرة إلا ما نذر والناذر لا حكم له، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه -يعني: استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه-  فقال بعض القوم: سمع ما قاله فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة(، فتأمل هذا الحديث ثم تأمل الواقع من حولك وكيف تولى المهام في بلاد الدنيا من لا عهد لهم ولا أمان ولا وفاء، ولا كفاءة ولا استحقاق، كل شيء يدار في الكواليس، فتخرج منها الكوابيس، ويتوالى المهام من له الواسطة او الرابطة او القرابة او السلطة او المال…، بل أكثر من ذلك أن يتولاها المنحرفون والمجرمون والأميون والنصابون والمحتالون وأصحاب السوابق والبوائق، في حين يقصى أهل الكفاءة والاستحقاق، ويحارب الأمانة والوفاء.

قد يعترض البعض بأن الغرب وقومه أهل أمانة ووفاء واستحقاق، وإنه لعجب عجاب، فنحن نرى هذا الغرب الذي أخذ بزمام المبادرة وسطا على دفة القيادة في العالم، يمارس التنكيل والتقتيل والتهجير والاستغلال والقهر والسرقة والسطو باسم حقوق الانسان ومحاربة التطرف ونشر المساواة، مستعملا كل العبارات البراقة المدغدغة للمشاعر والمهيجة للعواطف، في أبشع أسلوب للمكر والخداع، وأجلى طرق الغدر والمراوغة، حتى إن الناس يغدقون عليهم من الثناء انبهارا واستيلابا من قوة التأثر بأسلوب المكر وترويج المغالطات، وتحوير الأفكار وتزوير الحقائق. فأي أمانة هذه؟ وأي وفاء هذا؟

إن انعدام الأمانة في هذا الزمان يهم البشر جميعا، وإن كان الوفاء بالأمانة من أهم خصال الإسلام، وأهل الإسلام أولى بذلك، لكن للأسف صار المسلمون اليوم أبعد عن التمثل بهذه القيمة العظمى في الإسلام، بل هي أساس الوجود الإنساني في علاقته بالخالق والمخلوق، لأن هذا الإنسان هو الذي تحمل الأمانة التي اعتذرت عنها سماوات وأراض وجبال على عظمتها وقوتها، قال جل شأنه: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان)، والذي عليه أن يتحملها بوفاء وإتقان وتفان واستحقاق.

ولكن للأسف ضاعت كل هذه المعاني، وصارت الأمانة يتيمة منبوذة تعاني الاقصاء والتهميش، وهذا ما يؤكده حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه.. إلى أن قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، قال حذيفة: ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت فيه، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا)، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

ففي هذا الحديث يشخص النبي عليه السلام حالنا مع الأمانة بعد زمنه بخمسة عشر قرن، ويؤكد ذلك الصحابي الجليل راوي الحديث وهو يبدي أسفه عن ضعف الأمانة بين الناس في زمانه وهو أفضل الأزمنة، أما اليوم فقد صليت الجنازة على خلق الأمانة.

بل إن الأمور انقلبت بشكل رهيب حيث صار الخونة أمناء والامناء خونة، وهو أيضا ما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّها ستَأتي على الناسِ سُنون خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ، ويؤتَمَنُ فيها الخائِنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ، قيل وما الرُّوَيبِضَةُ؟ قال السَّفِيهُ يتكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ). هكذا هو الواقع وأفقه المظلم، تضييع للأمانة التي تحملها الانسان مع خالقه وقد حذر من ذلك في كتابه الكريم في قوله جل شأنه:( يا أيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) ، وكذا تضييع للأمانة التي بينه وبين المخلوق والتي أمر الله بأدائها في قوله عز جاهه: ( إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها).

وهنا لا بد أن أسجل بعض المغالطات في خضم انقلاب الموازين، حيث أن الناس اليوم يمدحون بالأمانة والوفاء من يوفي بها مع المخلوق، وإن كان خائنا في عهده مع الله، لأنه في الحقيقة لا يمكن أن نجد أحدا ممن يوفي العهد الذي بينه وبين الله إلا وهو يوفي العهد الذي بينه وبين الإنسان، لأنه من صميم الوفاء مع الله الذي أمر بذلك كما في الآية السابقة، لكن نجد إنسانا يوفي مع المخلوق لكنه خائن لخالقه، ومثل هؤلاء لا يستحقون المدح لان وفاءه قد يكون لمصلحة أو جبلة او خوفا من عقاب، وليس لله تعالى ابتغاء مرضاته، ولو سولت له نفسه الغدر والمكر ما تردد لفقدانه للوازع الديني والأخلاقي.

وفي الختام فقد ضاعت الأمانة وأسندت الأمور إلى غير أهلها، وها هو الواقع خير دليل وأقوى شاهد، فها هي الساعة اقتربت فهل من تائب؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M