ضعف الموارد البشرية وفق تقرير النموذج التنموي الجديد
هوية بريس – خالد شهيم
في تكليفه للجنة المعهود إليها بوضع تقرير حول النموذج التنموي للمغرب، أبرز صاحب الجلالة عن رغبته في التوصل بحقيقة الأمر عندما قال في خطاب العرش: “وإننا ننتظر منها أن تباشر عملها، بكل تجرد و موضوعية، و أن ترفع لنا الحقيقة، و لو كانت قاسية أو مؤلمة، و أن تتحلى بالشجاعة و الابتكار في اقتراح الحلول”.
و مما جاء في هذا التقرير حول الإدارة و تفاقم سلبية صورتها لدى الجميع نذكر ما يلي: “… و يشكو مسؤولو الإدارة الذين تم الإنصات إليهم من ضعف الموارد البشرية و من القرارات المتناقضة لتنفيذ سياسات عمومية مفتقرة للوسائل اللازمة. و يقر هؤلاء بالمستوى الضعيف لروح المبادرة لدى الموظفين و المسؤولين؛ و هي الظاهرة التي لا يمكن فصلها عن منظومة تدبير الموارد البشرية المعمول بها، التي ترتكز على الأقدمية و على الحرص على الامتثال أكثر منه على حسن الأداء في العمل. و في اعتقادهم، فإن اتخاذ المبادرة قد يُعَرِّض صاحبها للجزاء في ظل ثقافة سائدة لا تعترف بالحق في الخطأ”.
وحتى نُوَفق بين تطلعات القيادة العليا في مناشدتها للحقيقة و بين عموميات التقرير على هذا المستوى، يكون من الجدير ملامسة الواقع لفهم الظاهرة و استخلاص الحلول، فنجد على سبيل المثال بعضاً من مديري الموارد البشرية قد عَمَّروا في مناصبهم مدة كبيرة جعلتهم يتحكمون في دواليب الإدارة مستغلين أحيانا نفوذهم بقصد طرح صفقات لم تُحقق ما كان مَرْجَوًّا منها، أو بغية فسح المجال لتفشي الفساد عبر خطط في التنقيل مُغلَّفة في ظاهرها بغطاء المصلحة العامة بغير داعٍ و من دون تورط الموظف في الخطأ أو المحظور، حيث يضيع تبعاً لذلك ما خَلُصَ إليه التقرير وما تم اعتباره جوهر الإخفاق، ألا و هو الشعور بالفخر والانتماء، ذلك أن مثل هذه الممارسات لا تصيب الموظف في نفسيته بعدم الاستقرار تجاه محيطه الأسري فحسب و إنما تتعدى ذلك إلى محيطه المهني بما لا يخدم مصلحة المواطنين و المرتفقين، فينشأ التذمر و السخط من كِلا الطرفين.
كما أن توغل مسؤول الموارد البشرية، من شأنه أن يقود إلى تكريس ثقافة المركزية في اتخاذ القرارات و معارضة مفهوم الجهوية مثلما جاء في التقرير- ضمن المعيقات الأربعة الأساسية التي تُعَدُّ مَصْدرَ تراخي دينامية التنمية- عندما أسفر المعوق الثالثعن وجود “تسيير من القمة إلى القاعدة، و عن ضعف استشارة المواطنين و إشراك المجالات الترابية”، حيث تتجلى مثل هذه الممارسات في تدخل الإدارة المركزية في صفقات و برامج الإدارات الجهوية و في الإجبار على مسايرة التكوين داخل معهد مركزي بدل المراكز الجهوية التي اسْتُحدِثَت لتفادي عناء التنقل وتفادي إهدار المال العام.
و يبقى تقويم ضعف الموارد البشرية رهينا بتفعيل رابطة الحساب بالمسؤولية، عن طريق كلاّ من المجلس الأعلى للحسابات و السلطة القضائية، الأول فيما يخص تدقيق حسابات المسؤولين من أموال و عقارات تقود إلى قرينة الفساد، و الثانية فيما يخص تكريس الأمن القضائي تجاه المستضعفين ضد ذوي النفوذ من مسؤولين و ما شابههم عن طريق تسهيل الولوج للقضاء ليس فقط من خلال مجانية دعوى الإلغاء، و إنما من خلال سن هذه المجانية في دعاوى التعويض عن مبالغ هزيلة حتى لا يطغى المسؤول المتسبب في الضرر و يُعاود الكَرَّة غير ما مرة، و ذلك حتى تَبْلُغ العدالة أهدافها. إذ كيف تستقيم المطالبة بعلاوة هزيلة مقتطعة بغير وجه حق في مقابلتأدية مصاريف قضائية وأتعاب محاماة تفوق الحق المهدور.
كما ينبغي الاهتمام من جهة أخرى بما تنقله المنابر الإعلامية بصفتها سلطة رابعة، من إفادات تستهدف فضح الممارسات الإدارية المشينة التي لا تعكس نُبْلَ الإدارة بقدر ما تعكس قُبْح المسؤول المتصرف باسمها، و هي مناسبة نقترح من خلالها إنشاء مؤسسة النيابة الإدارية العامة تتولى التحقيق في ما ينشر من اختلالات، إضافة إلى التحقيق في قضايا التأديب التي تطال الموظف في ظل انحياز ممثلي اللجنة المتساوية الأعضاء للمدير الذي يرأسها، إلى جانب مهام أخرى مثل جرائم اختلاسات الموظفين.
ولنا الأسوة فيما ينهجه ملك البلاد من إعفاء المسؤولين المقصرين، دأبا على سنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يتوان في عزل عماله المذنبين درءا للفساد ، وهو ما لا نكاد نجده لدىنهج رئيس الحكومة والوزراء المعنيون.
أعتقد بأن هناك أمرا واقعا مفروض يجب التعامل معه بذكاء بل و بدهاء و أخص بالذكر ما يصطلح عليه بجيوب المقاومة.
جميل أن تكون هناك استراتجية و أن يكون هناك نموذج تنموي.
و لا أشك في النوايا الحسنة لكل المشاركين في إخراج هذا النموذج إلى الوجود.
لكن ومع ذلك تبقى محاسبة المسؤولين على الوضع الحالي أمرًا ضروريا و على كل مسؤول تبث في حقه البقاء في نفس المنصب في المسؤولية لمدة تزيد عن أربع سنوات أن يُبْحَثَ في السبب الذي جعله يعمر طويلا في نفس المنصب
Personne n’est indispensable
و مسائلته،مسائلة نموذجية، عن السنين التي قضاها في تدبيره للقطاع الموكول إليه، قبل محاسبته عند الاقتضاء.
فلا يعقل مثلا أن يقضي مدير مركزي بإدارة ما، سنين أكثر مما يقضيه مدير عام بنفس الإدارة. هذا السلوك وحده كفيل بمنع كل تغيير منشود.
هل يعقل أن تعرف إدارة عامة ثلاث مديرين عامين و يبقى مدير مركزي في نفس المنصب من المسؤولية؟
لهذا، في رأيي المتواضع من أجل إنجاح هذا النموذج، يجب أن نبدأ بتغيير المسؤولين.
اللهم احفظ هذا البلد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك.