ضياع البوصلة بين الجد واللعب.. ضاع العز والكرامة
هوية بريس – د.أحمد اللويزة
إن أمة الإسلام أريد لها أن ترقى بعد أن تقرى، وكلما قرأت ارتقت، ولم يكن سبيل الرقي فيها باللهو واللعب والعبث وضياع الأوقات في متابعة اللهو واللعب.
إن أول لحظة بزغ فيها فجر الإسلام، وأول قطرة نزلت من السماء وحياً من الله إيذانا بعالم جديد تقوده أمة عربية كانت تعيش على الهامش، وتسبح في قاع التخلف وتهيم في صحراء الهمجية والجهالة، كانت هي تلك الكلمة الصادحة الناطقة بالحقيقة الكاشفة لسر الرقي والترقي في هذه الأمة، إنها كلمة “اقرأ”، تخيلها وهي أول شعاع يبزغ وسط ظلام دامس بعد ليل حالك مدلهم يبشر بنور ساطع يضيء الدنيا.
اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ ثلاثا، بعدها “باسم ربك الذي خلق”، إنه إعلان لتحول تاريخي تقوده أمة بالعلم والشرع المنزل وحيا من الله، ثم يتكرر بعد كلمة “اقرأ” كل ما يحيل على العلم والمعرفة، من تكرارا للفظة اقرأ وعلم، ثم ذكر القلم أداة التعلم.
هنا يتوقف الوحي حتى ترتج هذه المعاني في أرجاء الكون الفسيح ويستوعبها النبي الفصيح محمد بن عبد الله عليه صلوات بي وسلامه. مدة من الزمن لم ينزل شيء من الوحي حتى نزل قوله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر…) صادحا بالحقيقة الأخرى الدالة على الجد والعزم، والنهوض بحزم لبدء عملية التغيير في عالم فقد البوصلة وتاه عن سواء السبيل، وإخراج أمة من قاع الذل والهوان والتبعية إلى قمة العز والرقي والقيادة.
من حينها تحمل النبي الأكرم المهمة وتولى القيادة يصنع جيل التغيير بالعلم الذي لم يكن سوى ذاك الوحي الناطق بكلمة الله، انه الكتاب العزيز مصدر عز الامة وفخرها، ومنبع سؤددها ومجدها، وصانع الرجال الأفذاذ والمجاهدين الابطال؛ رهبان الليل وفرسان النهار. رباهم على الجد والحزم والصبر والتضحية من أجل هدف سام وغاية راقية، فتحملوا في سبيل ذلك ما لا تتحمله الجبال الرواسي، حتى بلغوا المنشود وحققوا العز المفقود، وتربعوا على عرش الدنيا يسوسونها بالحق والعدل والحب والخير. كل ذلك تحقق في ظرف وجيز وزمن قياسي أشبه بالخيال ولكنها الحقيقة.
كان ما كان حين تبع الصحابة رضوان الله عليهم خطة القائد، وسلكوا ما رسم لهم من سبيل، وكانوا خلفه أمة جادة لا لاهية، تؤمن بالمعالي، وتكفر بالملاهي، حتى وهم في قمة نشوة الانتصارات، إلا ما كان من ساعة وساعة، بما يرفع المعنويات ويقوي العزائم في مواصلة مسيرة التغيير والانتصار على قيم الظلم والشرك والطغيان والاستبداد.
ثم إن هذا العز والمجد استمر لقرون عديدة، وشمس الإسلام ساطعة ورايته خفاقة، حتى تسرب إلى الأمة ريح اللهو، واستهوتها لذة الطرب، وشاع فيها العبث واللعب، واستحكمت فيها الشهوات والأهواء وإن كان بعضها مغلفا بالشرع، فضاع عزها واستلبت كرامتها. وإن هذه الامة لما طال عليها ليل الهوان واشتد عليها خناق الاستغلال والطغيان، ولم تعد تفلح في شيء من الجد والمعقول، ولم ترد أن تسلك سبيل الرسول الذي رسمه في الزمن الغابر لأمة انتشلها من قاع القاع وأوحال الأوحال، فكان منها ما كان.
فكان أن ضيعت الأمة اليوم البوصلة، وتاهت الطريق ودخلت مرحلة التيه حتى تغشاها الوهم الزكام، فظنت أنها تحقق كرامتها وتسترد مجدها التليد وعزها السليب باللهو واللعب، والتهتك والتحلل، ولقد كان لتوالي الهزائم وموت العزائم سبب بيِّن في تمسك الأمة بقشة تظنها نصرا، أو أنها تجلب لها كرامة وعزا، ودخلت الأمة في فتنة جعلت الحليم حيران. فمتى كان للعز سبيل وللرقي طريق يمر عبر العبث والغفلة والإعراض عن الوحي، والتهاون بالشرع والتساهل في المحرمات والمنكرات، وتبذير الأموال في التفاهات…؟؟؟
وأنت تتأمل هذا الواقع وتتساءل هل هي طريق سالكة فعلا، وقد سلكها من يظن فيه الوعي وسلامة النظر وعمق التأمل، حتى إن الحيرة قد أرخت بظلالها، والصدمة أجلبت بخيلها، وصار الفاه فاغرا والعقل شاردا، كيف وصل الحال بهذه الأمة وبعض أعيانها وزمرة من وجهائها وفضلائها أن تنساق مع العامة، وغدا في النظر أن تحقيق نصر في لعبة ضاعت معه الأوقات والصلوات، وانتهكت فيه الحرمات، وقارنه الناس بنصر المعارك في الأيام الخوالي الغابرات؛ من قبيل معركة الزلاقة وواد المخازن، حيث النصر الذي جلب العز والكرامة برجال لا يعرفون إلا الجد والحزم، ودام عزهم قرونا يهابهم البعيد ويرجوا فضلهم القريب، فشتان شتان، بين من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ومن قاتل من أجل نصر متوهم كنشوة عابرة، أن حققت مجدا دنيويا فرَضا، لن تحقق مجدا دينيا وهو سر الكرامة والعزة، التي تجعل الأمة متربعة على عرش الدنيا، تسود الأمم وتقود الدول.
ويكفيني قول أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ذلك الرجل العربي الجلد القاسي، الذي كان في الجاهلية لا يعرف معنى للحياة والمدنية، فصار بالإسلام حزما وعزما سيدا يسوس بلدانا وأمصارا، وخضعت له دول وإمبراطوريات عظمى (الفرس والروم)، وضرب في السياسة الراقية القدح المعلى بالعدل والحق والمساواة، والحنكة والفطنة والنباهة، حتى غدا أحد عظماء التاريخ الذي يشهد له بالعبقرية العدو قبل الصديق. ومن لا يعرف عمر الفاروق رضي الله عنه فليرجع إلى سيرته ليرى الحزم والجد لو كان رجلا، ولو كان لاهيا لاعبا مضيعا، ما وصل هذه المنزلة ولا بلغ هذه المكانة.
هذا هو الفاروق الذي ترك للأمة مقولته الخالدة الصادقة البالغة لتكون لهم عبرة ودليلا نحو العزة والكرامة التي تحلم بها الأمة من المحيط إلى الخليج، وذلك في قولته الذهبية (لقد كان أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). فلتتأملها أمة غمرتها الفرحة وتحدثت عن بلوغ الأماني وصعود العوالي، وتحقيق المعجزة في لعبة ما وضعت إلا لتصد الأمة عن المعالي، وتبقى تائهة في الملاهي والمهاوي، فمتى نسترجع البوصلة لنطلب العز من سبيله المسلوك، ونسترد الكرامة من طريقها الذي رسمه لنا نبينا الكريم ذاك الذي صنع المجد لأصحابه، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام (….سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا الى دينكم)، نعم حتى نرجع إلى ديننا الذي ليس فيه تضييع الصلوات، ولا اختلاط الذكور بالإناث متبرجات وعاريات، ولا استهتار بالاحاديث والآيات، ولا تبدير للدراهم والدولارات، ولا استغراق في متابعة اللعب واللهو والمباحات، على حساب الجد والعمل، والتمسك بالشرع المنزل على الوجه الذي صار عليه الرسول الاكرم وجيله المعظم الذي ساد وللظلم أباد، وللكرامة أعاد، كل ذلك بالإسلام ولا شيء غير الإسلام عقيدة وشريعة ومعاملات وقيما.
يقول عبد الله بن رواحة للصحابة الكرام لما كانوا متوجهين لمواجهة الروم في غزة مؤتة حين توقفوا عن المسير لما علموا بعدد العدو الهائل، وهم قلة قليلة جدا، قال رضي الله عنه: (وَاَللَّهِ إنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ، لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ، الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ) سيرة بن هشام.
فتأمل هذا وتأمل وصية النبي الكريم لامته حين ينزل بها الذل الهوان كيف تخرج منه وذلك (حتى ترجعوا الى دينكم)، هذا ما قال عليه الصلاة والسلام، والسلام.
الكثيرون يعتقدون ان العرب لم يكونوا يقرأوون ولم تكن لهم حضارة وأنهم كانوا غارقين في الجهالة وفي فيافي الصحاري قبل ان يبزغ فجر الاسلام بأمره المدوي “إقرأ” وهذا غير صحيح بالمرة لأن االحكمة والحصافة والتعلم و….. الذي كان في فترة ماقبل الاسلام كان عظيما ورحبا إلى حد كبير بالرغم من عدم تدوين اغلب الادب والشعر الجاهلي وانماط عيشهم وكان العرب مكتفين بصحراءهم ولايعتدون على الدول المجاورة وليس في قاموسهم الغزو وكذلك يكفي الكنائس والمعابد ومدينة البتراء الاسطورية التي يصعب على اي كان تشييد مثلها حتى ونحن في القرن 21م وتوفير الأدوات المتطورة وهل هناك يجوز قتل العرب قبل 14قرن من طرف جهة لايعرف اصلها او منبعها لحد الان بذريعة إخراجهم من عدم الايمان إلى داءرة اعتناق الدين الجديد الذي سيطر على شبه الجزيرة العربية وقضى على عشاءرها ونظامها الاجتماعي منذ ذلك الزمن ؟
مقال فائق رائق في بابه؛ وفيه تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
جعله الله في ميزان حسناتك.