فتح الله كولن كاتب صوفي نورسي روحاني صاحب فكر براغماتي يتماهى إلى أقصى الحدود مع علمانية الدولة..، كان من المؤيدين لانقلاب 1980 في تركيا وهو التأييد الذي أتاح له إطلاق يده في البلد للعمل في الميدان الاجتماعي والسياسي.
أنشأ كولن في بداية الأمر جماعة تسمى “الخدمة” تمتلك هذه الجماعة أهم رؤوس المال في تركيا وتمتلك أهم الجامعات والصحف والمدارس والتلفزيونات تعتمد الجماعة في مرجعيتها على الفكر والقائد معا وأهم ما يطبعها أنها جماعة اجتماعية وقومية تركز بالأساس على مسلمي تركيا وتنزوي عن باقي الهويات الإسلامية ولديها انفتاح على الغرب خاصة وتدعو في خطابها الى نزع حالة “العداء الديني” في عالمنا العربي والاسلامي للمشروع الصهيوني وأمريكا وتعميم “التطبيع” مع المحتل تحت ذريعة ان الوقت غير مناسب لمواجهته واستعدائه ويهدف كولن في مجمل تحركاته الى الوقوف في وجه أردوغان الذي يطمع في اعادة احياء أمجاد العثمانيين على حساب القومية التركية الأتاتوركية التي يبشر بها فتح الله كولن.
كولن رجل فاحش الثراء.. وتنظيمه متغلغل في جل مفاصل الدولة التركية.. أنشأ مدارس وجامعات أطلق عليها “ايشق”، وأخرى أطلق عليها “الفاتح”.
نقل التجربة الى خارج تركيا وأنشأ مؤسسات تعليمية في معظم بلدان العالم.. له في المغرب سلسلة مدارس ومراكز في كل من طنجة والدار البيضاء وفاس ومراكش.. ويمتلك مجلة اسلامية شهيرة “حراء” تدعو في خطها التحريري الى تكريس اسلام وديع مسالم ينبذ العنف ويدعو الى التعايش مع الأمر الواقع والرضوخ له على مرارته.
الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله أطنب في تزكية فتح الله كولن لما بدا له يومها من حسنات ومن كان مستنا فليستن بمن مات فان الحي لا تؤمن عليه الفتنة.. حتى أن الأنصاري رحمه الله خصص مؤلفا يسرد فيه مناقب كولن أسماه “فتح الله كولن عودة الفرسان”.
رأت المراكز الأمريكية المتخصصة في دراسات الإسلام السياسي أن نموذج جماعة الخدمة وكولن هو الأفضل من حيث توافقه مع نموذج الدولة الحديثة.. كما أنه من الممكن توظيفه لمواجهة الخطاب الديني والسياسي ‘المتطرف”.
في بدايات الحملة على “القاعدة” وبدء حركة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ومن ثم العراق.. كانت المخابرات المركزية الأمريكية قد دفعت نحو تقارب بين “كولن” المقرب من الغرب وأمريكا وبين أردوغان الذي كان يمثل وقتها “البديل الإسلامي” وفقا لنموذج مركز “راند” لتصنيف الإسلاميين.. وهو المركز الذي أوصى بالتعامل مع الصوفية والمداخلة والتمكين لهم باعتبارهم نموذجين مسالمين ينبذان العنف كما أوصى المركز بضرورة حث سائر المسلمين على الاقتداء بتعاليم الصوفية والمداخلة والانتساب اليهما.
لا تكاد تسمع في زماننا هذا عن جهادي مدخلي أو جهادي متصوف أو جهادي أشعري.. لأن الصوفية والمداخلة والأشاعرة عموما مروضون من لدن الحكومات العربية ذات الطابع العسكري.. وهم أبعد ما يكون عن مقاومة ومدافعة جور الحكام.. الصوفية مثلا هم الممثلون الرسميون للإسلام السني لهذه الحكومات.. والمداخلة هم رؤوس الحربة في الهجوم على من يقض مضاجع هذه الحكومات.
في سوريا كمثال.. أول من أفتى بشار الأسد بقتل الشعب السوري واعتبارهم خوارج مارقون كان الهالك محمد رمضان البوطي.. وحمل مشعل التطبيل من بعده تلميذ النصيرية النجيب محمد حسون.. بينما تفرغ المداخلة لشيطنة الثوار وتلميع بشار ودعوة السوريين الى العودة الى منازلهم والتقام أثداء الذل والرضى بالمتاح من جديد
نفس الحال بمصر.. أول عمامة قالت للسيسي “اضرب في المليان” باعتبارهم خوارج وإخوانيون هو الضلالي علي جمعة.. ويعتبر أسامة الأزهري أبرز مرشح لمواصلة التعريص من بعد الحبر علي جمعة ورأى العالم كله كيف انبرى المتطرف التجريحي الرضواني ورسلان لشيطنة الاخوان ومن يتعاطف معهم وتأليب الجيش والدهماء عليهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
التدين الصوفي الأشعري بشكل عام دونما استدعاء للاستثناءات كالفاضل الصبور حسن الشافعي والشهيد بإذن الله عماد عفت وغيرهم من الفضلاء هو تدين قائم على الارجاء والبدع الاعتقادية.. كدلك الشأن بالنسبة الى المداخلة الدين شربوا من كأس الارجاء حد الثمالة وما يثير الغرابة أننا نجد استثناءات في صفوف الصوفية والأشاعرة ولا نجد هذه الاستثناءات لدى المداخلة الذين يطبلون جميعا في طبلة واحدة ويرقصون على قلب رجل واحد.
ولعل الامارات العربية هي أبرز دولة عربية تدعو لهذا الدين الاستكاني الهجين.. وها هي مؤسسة “طابة” تسعى جاهدة لإشاعة الدين الكيوتي المنبطح واحلاله في الدول العربية بتعاون مع أمريكا واسهام من أكابر الرموز الصوفية الأشعرية في العالم الاسلامي أمثال عبد الله بن بيه والجفري وعلي جمعة والكبيسي.
نفس الكلام يقاس ويقال على المداخلة.. مراكز البحث الأمريكية تشدد في تقريراتها على اطلاق أيدي المداخلة للعمل بحرية تحت مظلة وحماية الحكومات العربية.. ولا يخفى عليكم توصية مركز “راند” بدعم ربيع المدخلي ومتعصبته من التجريحيين أمثال رسلان والحجوري والريس والطويل.
أمريكا تسعى الى تغيير المنظومة العقدية لدى عموم المسلمين وتطويعها بشكل يتناسب مع الخياط الأمريكي الذي يفصل اسلاما هجينا انبطاحيا لا يأبه بواقعه ولا لآماله ولا يسعى بالنهوض بحاله ولا نفض غبار الذل عن عاتقه.. وبطبيعة الحال فلن يجد الأمريكيون حميرا أطوع من المداخلة والصوفية لامتطائها والنفاذ من خلالها الى معاقل المسلمين وهذا ما يفسر تدخل أمريكا وفرنسا والغرب عموما في شؤون تركيا على اثر الانقلاب الأخير وتسويتهم بين الانقلابي والمنقلب عليه واتهام أردوغان بأنه يشن حملة تطهير للمناوئين الموالين للغرب.
كان تجاوز أردوغان لمقولات “الإسلام السياسي” التقليدية وانشقاقه عنها.. وتقاربه مع كولن وحركته الكبيرة وعلاقة الأخير بالولايات المتحدة والغرب وتوجه الغرب لترويج النماذج الديمقراطية “للإسلاميين المتجاوزين للخطاب الأصولي” فرصة كبيرة لتمكينه من الدولة “يقال أن أردوغان داهن حتى يتمكن”.
مكن أردوغان وصديقه المقرب عبد الله جول لجماعة “كولن” في بنية كل الأجهزة الأمنية.. ودخل أردوغان و “كولن” حربا على القيادات العسكرية في الجيش حيث ساعدت المخابرات التركية التي كان يسيطر عليها أتباع “كولن” في محاصرة القيادات العسكرية ومحاكمتها بتهمة محاولة الانقلاب.
كما مكن أردوغان لجماعة الخدمة وأتباع “كولن” من الانتشار الموازي في البعثات الديبلوماسية التركية.. حيث تم تسليم مراكز الثقافة التركية التابعة للسفارات التركية في الدول الإسلامية لأتباع حركة الخدمة وأنصار “كولن”.
افترقت السبل بالرجلين بعد مواقف أردوغان من الثورة السورية..حيث تمت ترجمة الغضب الأمريكي من السلوك التركي هنالك إلى توتر بين “كولن” وأردوغان” بسبب توجه أردوغان “المغاير للخط الأمريكي” في سوريا والذي استدعى تحركا من قبل جماعة كولن التي تخترق المخابرات والقضاء والجيش بناء على تحالف قديم مع أردوغان كما سلف.
فتحت النيابات القضائية تحقيقات ضد حلفاء ودائرة أردوغان السياسية واتهامها بالفساد واعتقال بعضهم واتهام ابن أردوغان بالفساد بالتوازي مع حملة منظمة من إعلام الجماعة والتي تمتلك أهم وكالة أنباء في تركيا “جيهان” و6 تلفزيونات محلية وأهم الصحف التركية.
أردوغان تنبه الى أنها محاولة انقلاب تامة الأركان عليه بغية تقويضه والقبض على دوائره المقربة تحت غطاء النيابة والشرطة والإعلام تمهيدا لخلع مرتقب إما عسكريا أو انتخابيا.. وتحرك على الفور بعد تحقيق موسع وبما يمتلكه من معلومات عن الجماعة وتحالفه القديم معها ونفذ مجموعة اعتقالات واسعة اقتلعت جذر الجماعة في الدولة وسميت من يومها بـ”الكيان الموازي”.
استمرت المعركة بينه وبين الجماعة 3 سنوات.. استطاع فيها أردوغان تقليل مخاطر الجماعة فقط دون استئصالها حيث مازالت تسيطر على مساحاتها في المجال العام إلا أن أردوغان طهر قدرا لا بأس به من اختراقها للمخابرات والشرطة والنيابة.
الإنقلاب الذي حدث قبل يومين ربما يكون هو الفصل الأخير في المواجهة.. حيث أن التوافق الحاصل بين الأتاتوركيين المتطرفين في الجيش وضباط الجماعة والاتحاد حول خطر أردوغان عليهم والتوافق بين رؤيتهم والرؤية الأمريكية والأوروبية والروسية حول ضرورة وجود تركيا بلا أردوغان لتسريع الحل في سوريا .. كان هو الفرصة المناسبة للانقضاض عليه..
المحاولة نعم فشلت.. لكن القناعات الدولية والمحلية والعسكرية حول أردوغان والعداوة معه لازالت قائمة ما يعني أن الانقلاب لن يكون الفصل الأخير في محاولة استئصاله.. كما أن أردوغان سيوظف هذه الفرصة لامحالة للقضاء تماما على أدوات الغرب في تركيا وعلى رأسها جماعة فتح الله كولن والأتاتوركيين بالجيش.
مقال جيد أعقب فيه على نعت بعض الناس بالصوفية، و رأيي أنهم متصوفة، لأن السادة الصوفية الأوائل هم من صدع في وجه الطغاة أمثال عبد الله بن ياسين الأمير عبد القادر الجزائري عمر المختار الليبي….
رغم أني لا أحب كلمة صوفي لأني لم أجد لها أصلا في الكتاب ولا في السنة لكن الحق الذي مع الصوفية قليل ما تجده عند غيرهم …رحم الله الأستاذ عبد السلام ياسين على هذه الشهادة
مقال جيد أعقب فيه على نعت بعض الناس بالصوفية، و رأيي أنهم متصوفة، لأن السادة الصوفية الأوائل هم من صدع في وجه الطغاة أمثال عبد الله بن ياسين الأمير عبد القادر الجزائري عمر المختار الليبي….
رغم أني لا أحب كلمة صوفي لأني لم أجد لها أصلا في الكتاب ولا في السنة لكن الحق الذي مع الصوفية قليل ما تجده عند غيرهم …رحم الله الأستاذ عبد السلام ياسين على هذه الشهادة