طريقة عملية نافعة لدفع الخواطر الضارة أو المؤذية
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
هب أن بيتا تسكنه أسرة متدينة يحرص أعضاؤها على التمسك بالدين والتخلق بأخلاقه وآدابه. بيت يتلى فيه القرآن طرفي النهار وزلفا من الليل، ويتفقه أهله في الدين ويتبادلون النصيحة، ويتواصون بالحق والصبر، ويقومون بواجباتهم ومسؤولياتهم أحسن قيام. بيت لا كلب فيه ولا صورة، ولا موسيقى تصدح في أرجائه، ولا صياح ولا سباب. ولا محرمات أو منكرات..
أبيت هذا وصفه وحاله ترده الشياطين وتتخذه مأوى لها؟
لا أبدا، إنه لا يصلح لها بل لا تستطيع المكوث فيه برهة من الزمن، إنه مزعج ïوقد يخنق أنفاسها إن قصدته وأرادته بسوء.
إن مثل هذا البيت كمثل قلب المؤمن في طهارته وعبوديته. فكما أن الشياطين لا تجرؤ على السكن في بيوت المؤمنين بله أن تفسدها، فكذلك لا قدرة لها على إفساد قلب المؤمن التقي اليقظان. وإذا هم شيطان بسوء أو أذى يلحقه بقلب ذلك المؤمن، فإن كيده ينقلب عليه. قال تعالى: “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان” (الحجر 42). وقال أيضا: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون“. (الأعراف 201).
ندرك،انطلاقا من هذا المثل،أن الخواطر النفسية المؤذية التي يبتلى بها الإنسان، يدفعها ويردها قلب المؤمن الطاهر القوي، كما تمنع طهارة بيته دخول الشياطين.
إن المؤمن التقي القوي ذا القلب الطاهر النقي، يشق طريقه في حياته الدنيوية مستعملا بوصلة العبادة والعبودية. إن هذه البوصلة الربانية هي التي ترشده وتوجه حياته. إن برنامجه الإيماني اليومي مستوحى منها. ذلك أنه حريص كل يوم على أداء صلاة الصبح في وقتها وفي جماعة إلا لعذر، وكذلك باقي الصلوات. ويحرص على قراءة ورده القرآني اليومي، كما يواظب على قراءة أذكار الصباح والمساء المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إنه وهو في طريقه إلى عمله، يذكر الله مسبحا أو مهللا أو مستغفرا. ويغض بصره عن المحرمات ويلجم لسانه عنها. كما يجتهد في اجتناب فضول الكلام والنظر، وكذلك يكون حاله أثناء عمله. ويحرص على بذل النصيحة للمسلمين ومساعدتهم قدر الاستطاعة. ويتواصل مع أقربائه وأصدقائه. ويعامل جيرانه بالمودة والإحسان. كما يهتم قبل هذا وذاك بتربية ابنائه وتوجيههم الوجهة الربانية.
والخلاصة ان حياة المؤمن الصالح مليئة بأعمال الخير والبر. كما أنه لا يفتر ذاكرا أو واعظا أو متفقها أو متدبرا آيات القرآن أو الكون. أو متفكرا في أمر من أمور الدنيا والحياة مسترشدا بدينه وإيمانه.
إن المسلم إذا كانت حياته خاضعة لبرنامج يومي يجمع بين العبادة الصحيحة والحياة الاجتماعية كما أمر الله، وكان قلبه موصولا علة الدوام بالذكر والتدبر والتفقه، والتفكر فيما يجلب له الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فإنه لا يخشى الخواطر النفسية المؤذية او الخواطر الشيطانية، بل إنها تندفع عن قلبه وتبتعد عنه مخافة أن تحترق بنوره.
وكما توجد قلوب هي مقصد الخواطر الضارة ومأوى الشياطين المفسدة بحيث لا مكان فيها للخير، فكذلك توجد قلوب لا تقبل عليها، لطهارتها واستقامتها وتقواها، إلا خواطر الخير والفلاح وإلهامات الملائكة والإشراقات الربانية. ولهذه القلوب من القوة والمناعة الإيمانية ما به تدفع وتطرد الخواطر الضارة والشيطانية، التي هي أصل الأفكار الفاسدة المفسدة المؤسسة بدورها للأعمال والأفعال والسلوكات الفاسدة والمنحرفة.
وقد يقول قائل من ذوي القلوب الضعيفة: كيف يمكن للمسلم في هذا الزمان أن يكون له قلب موصولا بذكر الله مع المحافظة على الورد القرآني اليومي، مشغولا بالتفكر في عظمة الله وآلائه وآياته، قلب يجتنب الفحش والغيبة والكبر والحسد والعجب والرياء وسائر الرذائل.؟
أقول كيف يتعجب هذا اﻹنسان الغافل ويستغرب لوجود مسلم له قلب متصف بأوصاف حميدة لها صلة وثيقة بالفطرة والحنفية السمحاء، ولا يستغرب لوجود قلوب غافلة او ظالمة عاكفة على الشر وممارسة الرذائل والمنكرات مما هو منافي للفطرة؟
والخلاصة أن المسألة مردها إلى الإرادة والممارسة لا غير. فكما أن الإنسان المؤمن صاحب القلب النقي أراد الخير والفلاح لنفسه، فاجتهد وشق طريقه مستعملا البوصلة الربانية، إلى أن ظفر بالإيمان الذي يطرد ويدفع الخواطر النفسية الضارة والشيطانية.
فكذلك المسلم الغافل العاصي أراد الدنيا وشهواتها وملذاتها وأعرض عن الآخرة حتى غدا قلبه مرتعا للخواطر المؤذية والأفكار الشيطانية المفسدة. قال تعالى: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها“. (الشمس:7-10).