“طفل الثلوج” وعائلته يكشفون عن تفاصيل جديدة
هوية بريس – وكالات
عند ملتقى جبال الأطلس المتوسط والكبير يعيش الطفل عبد السلام في بيت طيني متواضع بقرية تمرنوت، بإقليم أزيلال، وسط المغرب، ومن بين ركام الثلوج والأجواء القاسية، ألهبت قصة هذا الطفل مشاعر المغاربة بعد نداء مرتعش لإغاثته وعائلته.
لم يكن الوصول إلى قرية عبد السلام انطلاقا من أزيلال يسيرا، فقد استلزم ذلك المرور عبر مسالك وعرة وطرق ضيقة لا يمكن قطعها إلى بسيارة رباعية الدفع.
أما بلوغ بيت الطفل وسط الجبل فكان يستوجب الترجل من السيارة والمشي صعودا وعلى الاقدام إلى غاية المنزل الذي تتشاركه عائلته الكبيرة، وهو بيت بسيط بجدران بنية من الطين والحجر، لا أثاث منزلي داخله يميز غرفه عن الأخرى، حيث يتشارك عبد السلام رفقة أبناء عمه إحدى هذه الغرف مفترشين زرابي قديمة وملتحفين بأغطية خيفية في بيت لا يبدوا قادرا على توفير الدفئ الكافي لهم خلال فترة الثلوج والبرد.
ولم يتوقع عبد السلام بوزيد عندما أمسك الهاتف بيده المتجمدة وشرع في تسجيل ندائه بطلب العون من المغاربة ، أن يحصد الفيديو الذي سجله تعاطفا كبيرا، ويتحول بعدها إلى بطل وسط أبناء قريته.
وكان مقطع فيديو مدته 57 ثانية، صوره عبد السلام بالقرب من منزله عبر جهاز هاتف محمول لا يتجاوز ثمنه 20 دولار، وسيلته الوحيدة لإسماع صوته، ويبعث رسالته البسيطة والعميقة التي لقت تجاوبا وتعاطفا كبيرين من لدن المغاربة .
وعن فكرة وظروف تصوير الفيديو يقول عبد السلام (11 عاما) لموقع “سكاي نيوز عربية”: ” كنت وحيدا وسط الثلوج ذلك اليوم عندما قررت بشكل عفوي تصوير الفيديو، لقد كانت فكرتي ولم يدفعني أحد لفعل ذلك”.
ويضيف عبد السلام: ” طلبت من المغاربة مساعدتي ببعض الملابس الشتوية الثقيلة وأحذية عالية الساق والجوارب من أجل مقاومة برودة الطقس في منطقتنا المحاصرة بالثلوج”.
وبعد أن تعطل هاتفه الذي سقط منه وسط الثلوج، لم تعد لعبد السلام أمنية سوى الحصول على هاتف جديد يساعده على الدراسة، على أمل أن يصبح أستاذا يدرس أبناء منطقته مستقبلا.
معاناة ساكنة الجبال
وقد تفاجأت عائلة عبد السلام من الانتشار السريع للفيديو ونسبة المشاهدة التي حصدها وما حققه ذلك لابنهم من شهرة واسعة توالت بعدها الزيارات والاتصالات من كل جهات المغرب لمد يد العون والمساندة.
يقول محمد بوزيد، عم الطفل، أن الأخير حينما قرر تصوير الفيديو لم يستشر أحدا من أفراد عائلته، بل كانت لحظة عفوية عندما وجد نفسه محاطا بالثلوج، فلم تكون أمامه وسيلة للتعبير عن ما يخالجه وما يعاني منه أمثاله من أبناء القرية خلال هذه الفترة من السنة سوى هاتفه ليبعث من خلاله نداء انتشر بشكل غير متوقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أهل منطقة آيت بلعباس يعانون الكثير عند تساقط الثلوج، حيث يقول عبد السلام إن ” التلاميذ يضطرون إلى السير لحوالي نصف ساعة ذهابا وإيابا من أجل الوصول إلى المدرسة في المرحلة الأساسية، فيما تفصلهم عن الإعدادية مسافة أطول بكثير”.
واقع قاسي
يقول أحد سكان قرية تمرنوت أن كل ما ذكره عبد السلام في الفيديو يترجم بشكل ملموس واقع المنطقة، ويتابع: “أبنائنا يعانون من مشاكل عديدة أبرزها الإفتقار إلى مدرسة إعدادية، حيث يضطر التلاميذ بعد تجاوزهم المستوى الأخير من التعليم الأساسي للتنقل إلى مناطق بعيدة من أجل إتمام دراستهم.ويقطع بعضهم مسافة 6 كيلومترات ذهابا وإيابا من أجل إتمام تعليمهم الإعدادي”.
ويستطرد المتحدث لـ”سكاي نيوز عربية”: ” تحاصرنا الثلوج في فصل الشتاء وهو ما يضطر أبنائنا للتغيب عن فصولهم الدراسية بسبب إنقطاع الطرق والمسالك المؤدية للمدارس”.
ويتابع: ” لمدة 8 أيام تساقطت الثلوج بشكل متواصل على المنطقة وهو أمر استثنائي لم نشهد له مثيل منذ سنوات، وبسبب ذلك كنا نجد صعوبة في توفير المواد الغذائية التي ارتفع ثمنها خلال تلك الفترة”.
مواجهة الصعوبات
يعاني العديد من المغاربة في القرى النائية من العزلة خلال فصل الشتاء بسبب انقطاع الطرق جراء التساقطات الكثيفة للثلوج، التي قد يصل ارتفاعها إلى متر في بعض الأحيان، مما يصعب معه على سكان تلك المناطق التنقل لقضاء أغراضهم اليومية، ويمنع الأطفال من الوصول إلى مدراسهم.
من جهة أخرى، يقول الناشط الاجتماعي عمر موجان: أنه “بالرغم من الصعوبات التي يواجهها السكان في المناطق الجبلية، إلا أنه في المقابل تبدل مجهودات من أجل التغلب على تلك الظروف وتوفير أساسيات العيش” مشيرا إلى أن قرية تمرنوت التي ينحدر منها الطفل عبد السلام تتوفر على منظومة مائية وربط بشبكة الكهرباء و الانترنيت ومدرسة ومستوصف صحي ولا يفصلها عن المسلك الطرقي المعبد سوى كيلومترين اثنين” .
ويلفت موجان في تصريح لموقع”سكاي نيوز عربية”، إلى أن جغرافيا المناطق الجبلية إضافة إلى توزيع السكان غير المنتظم بها، هما من بين الأسباب الرئيسية التي تقف عائقا أمام التنمية في تلك المناطق.
وتعمل السلطات المحلية في المغرب عبر لجان في مختلف المحافظات على اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة أثار موجة البرد وتساقط الثلوج في المناطق الجبلية خلال فصل الشتاء، حيث تقدم المساعدة والدعم الضروري للسكان خلال هذه الفترة من العام، وتجهز معدات وآليات إزاحة الثلوج لفتح الطرق والمسالك التي قد تغلق بسبب الاضطرابات الجوية.