طلاب الجامعات وأزمة التحول الرقمي

06 أبريل 2024 17:44

هوية بريس – عبد السلام مرابط

لطالما كانت مهارات الشباب بالنسبة لي قضية جوهرية، خاصة مهارات التواصل الفعال والمهارات الرقمية، خاصة وأن الرقميات هي إحدى الركائز الخمس التي اعتبرها النموذج التنموي الجديد رافعة للتحولات الهيكلية المنشودة في المغرب، ولكن المهارات هي الأساس الذي تنبني عليه الأنظمة التعليمية في العالم، وهي الغاية التي نسعى لتحقيقها جميعا من خلال تلقي المعرفة النظرية التي يجب أن تتحول بدورها إلى مهارات يتم إسقاطها وتسخيرها على أرض الواقع في الميدان، فاليوم لا يمكن الحديث عن معرفة نظرية تكفي لمواكبة تحولات العالم، خاصة تلك المعرفة المتعلقة بالثقافة الرقمية التي لا يجب أن تظل مجرد ثقافة سطحية يتحلى بها بعض عناصر المجتمع دون غيرهم، أو ما يمكن تسميته بالثقافة المحتكرة، إنما يجب أن تصبح “الرقميات” ثقافة مجتمع كامل، يقوم باستخدامها لتحسين حياته الدراسة والمهنية والشخصية على حد سواء.

في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي للمجتمع لا يمكن للمغرب إلا أن ينخرط هو الآخر في هذا التحول، خاصة في المجال التعليمي، الأمر الذي يبرر محاولات وزارة التعليم العالي لإصلاح منظومة التعليم العالي والابتكار، وهو ما يظهر من خلال المخطط الوطني لتسريع انتقال منظومة التعليم، الذي جاء من أجل خلق تغييرات وجلب تحسينات تضمن جودة التعليم، سواء تعلق الأمر بالهندسة البيداغوجية للمسالك التعليمية، أو فيما يتعلق بإحداث مسالك جديدة وآليات مبتكرة للتعليم، تلائم متطلبات العصر، وتواكب التحول الرقمي السريع للمجتمع.

في هذا السياق، كانت لي فرصة المشاركة في الأيام المفتوحة لتسجيل طلبة الكلية في مجموعة من المنصات التي وفرتها الوزارة الوصية لفائدة طلبة الجامعات الذين يندرجون ضمن النظام الجديد، لكافة الجامعات المغربية، (ج.س.م.س) ، الفرصة جعلتني أقترب أكثر إلى الطلبة والتواصل معهم عن قرب، طبعا والعين التحليلية النقدية مفتوحة لمعاينة سوسيولوجيا الرقميات لدى طلاب التعليم العالي، ومدى تعاملهم مع الرقميات والمهارات التواصلية، بالإضافة إلى تقييم مستواهم في هذا المجال، خاصة وأن عذر عدم توفر الآليات الرقمية بات زائلا بما أن الجامعة قد وفرت الربط بشبكة الأنترنت لجميع الطلبة، ودفعت اشتراك الطلبة في منصات لتعلم اللغات وتلقي المهارات الرقمية والتواصلية.

يغدو من الطبيعي أن أقول أن هناك أزمة تهدد الشباب اليوم، وتخلق نوعا من التحدي بالنسبة لهم في ولوج سوق الشغل، من خلال التواصل مع الطلبة بشكل قريب تمكنت من معاينة مدى تحلي الشباب بالثقافة الرقمية ومهارات التواصل والتعبير عن الذات في وضعيات مختلفة، استنتجت وجود فجوة كبيرة بين ما الهدف المنشود والهدف المحقق، من خلال ملاحظة صنف من الطلبة الشباب الذين يجدون صعوبة في التواصل للتعبير عن مشكلة تواجههم، خاصة وأن التواصل يتم معهم بالعامية، ولا يتطلب معارف لغوية خارقة، بل هي نفس اللغة التي تستخدمها في جميع المحادثات اليومية.

بالنظر إلى مكانة الطالب في التعليم العالي الذي يعتبر بمثابة مشروع فاعل في المستقبل، من المحتمل أن يصبح معلم أجيال، قاض ملزم بالقضاء بين الناس، محامي يدافع عن ملفات كبرى، ضابط مكلف بالأمن، مفتش تلقى على عاتقه قضايا وملفات شديدة التعقيد، أو قائدا سيكلف بتسيير شؤون رقعة جغرافية، أو غير ذلك من المشاريع المستقبلية التي يجب تكوينها في شخصيته لإعداده ليكون فاعلا في المستقبل، فكيف يعقل أن يتفاعل مع تلك الوضعيات في المستقبل إذا كانت مهاراته غير مرضية، بل من العيب أن يواجه صعوبات في التواصل والتعبير عن موقفه بطريقة سليمة، لأن الخطورة لا تكمن في دنو مستوى التواصل لكن الخطورة هي غياب الوعي بوجود المشكلة أساسا، فعدد كبير من الشباب اليوم، طلبة العليم العالي بالخصوص، لا يولون أهمية كبرى لمهاراتهم التواصلية التي يكتشفون فشلها حينما يجدون أنفسهم أمام أمر الواقع في وضعيات تكون بمثابة امتحان فجائي.

أما بالنظر إلى طرق التفاعل والتعامل مع الرقميات، فيمكن الحديث عن ثلاثة أصناف من الشباب، الصنف الأول، يمتلك خلفية رقمية متوسطة إلى جيدة ب النظر إلى كون خلفيته الأكاديمية بعيدة عن الرقميات والتخصصات التقنية، مما يؤكد كون التعامل مع الرقميات بالنسبة له ثقافة ربما يستخدمها في حياته الدراسية بشكل أساسي أو في الحياة المهنية، خاصة مع تزايد الإقبال على العمل في الأنترنت. أما الصنف الثاني، فهو صنف لا يمتلك خلفية رقمية مسبقا، لكنه يتحلى بعقلية المتعلم، ويحاول الاقتراب أكثر إلى عالم الرقميات، والسبب راجع إلى وعيه بالتحديات التي يفرضها التحول الرقمي الذي لا مفر منه. أما الصنف الثالث والخطير هو الصنف الأمي، طبعا لم نعد نتحدث اليوم عن أمية القراءة والكتابة إلى حد ما، لكننا نتحدث عن الأمية الرقمية التي أصبحت تفرض تحديات جديدة.

ربما التحدي اليوم ليس هو السعي لخلق منظومة تعليمية رقمية مبتكرة، لكن التحدي الحقيقي هو كيف يمكن تكوين الشباب وخاصة طلبة التعليم العالي في الرقميات من أجل تكريس الثقافة الرقمية في عقولهم وجعلها إحدى الأولويات التي يجب الالتفات إليها بشكل مستعجل، فتوفير منصة تعلم اللغات للطلبة ليس بالأمر الكافي لضمان جودة التعلم نظرا للصعوبة التي لايزال يواجهها معظم طلبة الجامعات في التعامل مع المنصات والتطبيقات الرقمية.

لأن السؤال المطروح هنا هو إلى أي حد سيتفاعل الطالب مع المنصات الرقمية بشكل إيجابي؟ وما مدى درايته بأهميتها ودورها في مساره الدراسي والمهني؟

وربما هي أسئلة كثيرة ومختلفة لكنها تتقاطع في كونها تساءل علاقة الشباب المغربي بالقيم الرقمية التي يحتاج لها كل شاب اليوم، خاصة فئة طلاب التعليم العالي المقبلين على سوق الشغل بعد التخرج، وهذه المساءلة تفتح الباب على عدة فرضيات لا يمكن التحقق منها إلا عن طريق دراسات علمية في الموضوع، إذ يفترض البعض أن الثقافة الرقمية قد تتسبب في تآكل المرجعيات وإحداث نوع من النزوح الرقمي من العالم الواقعي نحو الإفتراضي، لكنها تظل مجرد فرضيات قابلة للدحض أو التفنيد، لكنها ستساهم إلى حد ما في تجويد السياسات التربوية الموجهة لهذه الفئة من الشباب.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M