ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون: أسبابها ومقترحات للحد منها
هوية بريس – احساين أغميش
تعتبر ظاهرة الانتحار من الظواهر الأكثر انتشارا في الآونة الأخيرة في إقليم شفشاون عموما وفي القبائل الغمارية خصوصا، وقد سجلت في هذا الإقليم في سنة واحدة فقط، حسب بعض الإحصائيات، ما يربو على ثلاثين حالة، مما يجعل المتتبع للشأن الغماري يطرح مجموعة من التساؤلات، أبرزها يتمحور حول أسباب ظاهرة الانتحار بهذا الإقليم، والحلول التي من شأنها أن تسهم في القضاء عليها أو الحد منها على الأقل.
وفي هذا المقال المقتضب سأحاول أن ألخص بعض الأسباب التي -في نظري- تجعل بعض الفئات من مختلف الأعمار، تقدم على هذا الفعل الذي يأباه الشرع والعقل، ثم أُتبع ذلك إن شاء الله تعالى ببعض الحلول التي يمكن أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة إذا تم تفعيلها والعمل على تنزيلها بتعاون من الجميع في ذلك.
أولا: أسباب ظاهرة الانتحار
إن أسباب هذه الظاهرة يمكن إجمالها فيما يلي:
1) غياب التربية والتوعية: والقصد بذلك: أن أغلب الأسر لا يهتمون بتربية الجيل الصاعد تربية حقيقية، أساسها الحوار والرفق واللين، وتقليل المسافات بين الوالدين والأولاد، فإذا نظرت إلى الوسط الذي يتربى فيه الناشئ الغماري تجد ثقافة الحوار بين الأبوين وأبنائهما غائبةً تماما، وثقافة الحوار هذه بين الأسرة لها أهمية بالغة وهي تحتاج إلى الوعي وإعمال العقل، ولا شك أنها تكسب الناشئ ثقة في النفس وإحساسه بأن له وزنه ومكانته في المجتمع، وللأسف فإن هذا رغم أهميته يغفله كثير من الناس بحيث يترك أبناءه وأسرته ولا يعطيهم أهمية كبيرة من حيث التربية، وربما يعاملهم بالعنف والغلظة والشدة فتجد الأبناء ينفرون منه إذا حضر إلى المنزل.. ومما هو معلوم أن الأسرة تحتاج إلى توجيه الأب والأم بالرفق واللين والموعظة الحسنة.
وهذا يتطلب أن يكون الأبوان واعيان بالمسؤولية الملقاة على عاتقهما، فالولد عندما يزداد، يزداد كالصحيفة البيضاء، لكن الوالدين هما من يملآن هاته الصحيفة، إما بالخير أو الشر.
2 – غياب الوعي:
إن غياب الوعي من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان -أيَّ إنسان- يتصرف بشكل غير صحيح، وذلك أن الوعي وفهمَ الدور الذي أُنِيط بالإنسان في حياته، وما ينبغي أن يفعله وما لا ينبغي أن يفعله، كفيل بأن يجعلَه يتصرف بالشكل الصحيح، وفي الوقت الصحيح،
ثم إن غياب الوعي المقصود هنا لا علاقة له بالثقافة أو عدمها، بقدر ما له علاقة وارتباط، بالتجربة والاستفادة من الخطأ، والتعلم من الحياة، فقد يكون الشخص مثقفا ولا يكون واعيا، والعكس صحيح.
3– التأثير الإعلامي:
من الأسباب التي يمكن أن تسهم في تفشي ظاهرة الانتحار، المادة الإعلامية التي يشاهدها الشخص كيفما كانت، سواء تعلق الأمر بالتلفاز، أو مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، ومما لا شك فيه أن الإعلام له دور كبير، وتأثير واضح في نشر الأفكار، بغض النظر عن كونها إيجابيةً أو سَلبية، لكنه من المؤكد أنها تؤثر على المشاهد والمتابع، مما يجعل الحاجة ملحة إلى ضرورة التوعية بمخاطرها والأفكار التي تنطوي عليها محتوياتها، وذلك لتمييز إيجابياتها من سلبياتها.
4- بعد الخطاب الديني عن الواقع:
فالخطاب الديني للأسف وخاصة في البوادي، في غالبه لا يمس واقع الناس، وما يعيشونه، من حوادث وواقع تتطلب الحديث عنها وبيانها للناس، باعتبارها موضوعَ الساعة، وذلك بالميزان الشرعي والموعظة الحسنة.
فإذا كانت مثلا ظاهرة معينة كظاهرة الانتحار منتشرة في الوسط الذي نعيشه، فتكون هي موضوع الساعة، وجب على الخطيب والواعظ والعالم وطالب العلم، أن يحذر الناس منها ببيان خطورتها وعواقبها الدنيوية والأخروية.
5- ضعف الوازع الديني:
يمكن القول: إن هذا السبب تتفرع عنه كل الأسباب السالفة الذكر، فإذا نظرنا إليها كلها نجدها تندرج تحته، وذلك أن كلا من غياب التربية، وعدم الوعي بالمسؤولية، ومشاهدة المادة الإعلامية السَّلبية، وبعد الخطاب الديني عن الواقع، كل ذلك سببه غياب التدين.
ثم إن ممارسة التدين ممارسة صحيحة مشتملة على قوة الإيمان وحسن الخلق، كفيلة بأن تحد من هذه الظاهرة، فبقدر ما كان المرء متمسكا بثوابت دينه مطبقا ذلك في حياته، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بقدر ما يكون مرتاحا، مطمئنا، صابرا محتسبا، ثابتا أمام الابتلاءات وتقلبات الحياة.
فهذه بعض الأسباب التي أحسبها أسبابا رئيسة في تفشي ظاهرة الانتحار بالوسط الغماري، ويمكن أن تضاف إليها أسباب أخرى لا يسع الوقت لذكرها، وبعضها يمكن أن يكون متداخلا…
ثانيا: بعض الحلول للحد من ظاهرة الانتحار
إن الحلول التي يمكن أن تحد من ظاهرة الانتحار وانتشارها يمكن تلخيص بعضها فيما يلي:
1) معرفة الأسباب الحقيقة وراء تفشي ظاهرة الانتحار بالإقليم: ومن ثم وضع خطة لمعالجة تلك الأسباب والبحث عن مختلف السبل التي من شأنها، أن تقضي على هذه الظاهرة.
2) العمل على توعية المجتمع الغماري.
وذلك بحث الناس على الاهتمام بتربية الناشئة، وتنظيم لقاءات توعوية في ذلك، تقوم بها الجهات المختصة بتعاون من جميع الأطياف…
3) الاهتمام بالوضع الاقتصادي والثقافي للمنطقة، وذلك بخلق فرص لتشغيل الشباب العاطل.. وكذلك حثه على الانخراط في كل ما يمكن أن ينمي فكره، ويقوي ثقته بنفسه..
4) تقريب الخطاب الديني من واقع الناس:
وذلك بالحديث عن أهمية الأسرة ومبدأ الحوار بينها، والتربية الصحيحة للناشئة وأسسها، والحديث عن كل ما يمكن أن يسهم في توعية الناس بواقعهم، وما ذا يجب عليهم فعله واجتنابه.
5) قيام المجتمع المدني بأدواره الحقيقية:
مما لا شك فيه أن المجتمع المدني له دور بارز في كل ما يمكن أن يساهم في التوعية، وتطوير المجتمع من مختلف الجوانب… ولكن الملاحظ أن المجتمع المدني الغماري يعمل ببطء شديد، ولا يقوم إلا ببعض الأنشطة التي أغلبها يمكن أن يُدرج في خانة: الأنشطة الثانوية.. فالمجتمع المدني كما أسلفت له دور مهم، لكنه يبقى كذلك إذا قام به على أحسن وجه وأفضل شكل.. ومن ذلك الاهتمام بالقضايا الكبرى..
فهذه بعض الأسباب والحلول التي يمكن أن تسهم، في وضع خطة شاملة للقضاء على ظاهرة الانتحار التي تنخر المجتمع الغماري الذي لطالما عهدنا عليه، أن يكون حاملا للواء المعرفة والثقافة والعلم والوعي، بعيدا عن اليأس والقنوط محبا للحياة، مؤمنا بقدراته المتنوعة، حاملا على عاتقه تطوير ذاته ومنطقته.