ظاهرة النأي بالنفس عن المجتمع (هيكيكوموري ひきこもり)
هوية بريس – يوسف ال رحال
ظاهرة هيكيكوموري و تعني بالحرف الشاب المنعزل باللغة اليابانية, الظاهرة بدأت في أواخر التسعينات من القرن الماضي , الانسحاب و التقوقع و النأي بالنفس عن حياة العامة و عدم الاختلاط في الأماكن العمومية لتصل إلى القطيعة مع المجتمع بشكل تام, هاته الظاهرة انتشرت بشكل أوسع بين الشباب, و هي تشكل قلق بليغ للحكومة اليابانية مما جعلها تسارع لإعداد دراسات متعددة حول هذه الظاهرة الغريبة وفهمها بشكل جيد و معرفة سبل الوقاية الشباب الياباني منها, وفقًا لإحصائيات الحكومية لعام 2010 ، تشير أن هناك أكثر من 700 ألف شخص يعاني من العزلة أعمارهم تتراوح بين 30 و 31 و منهم من يشير أن العدد يقترب إلى المليون شاب هيكيكوموري .
يقول عالم النفس الياباني تاما كي سايتو، هناك أكثر من مليون هيكيكوموري في اليابان, ويضيف كذلك إنهم معذبون عقلياً، إنهم محبوسون داخل عقولهم، هم يريدون حقاً الخروج ليواجهوا العالم، يريدون أن يكوّنوا صداقات، يريدون الدخول في علاقات عاطفية، ولكنهم لا يستطيعون .
أما عن عالم النفس في المعهد الوطني للصحة العقلية في طوكيو (يور يكو سوزوكي): علم النفس الياباني موجه لعلاج الجماعات وليس الأفراد، ولكن الشعب الياباني لا يريد أن يصنف ضمن مجموعات، أنا أعتقد أنهم، وخصوصاً الجيل الشاب منهم، يريدون عناية فردية وشخصية خاصة، أعتقد أننا في دولة مختلطة القناعات .
دخل مصطلح “الهيكيكوموري” معجم أكسفورد الإنجليزي كتعريف لـ”التجنب غير طبيعي للتواصل الاجتماعي في اليابان “ويعرف الشباب هيكيكوموريين في الأول بعزلتهم بالتدرج إلى أن تصل بهم الحالة النفسية إلى الرهاب الاجتماعي, يتقوقع هيكيكوموريين في غرف نومهم و يكتفون بألعاب الفيديو و تصفح الانترنت والرسم و سماع الموسيقى ولا يعرفون متى يستيقظون ولا متى ينامون حتى أصبح البعض منهم يخاف الإجابة على الهاتف, و يتميزون بطابع عدواني مع أسرهم إلا أن أسرهم لا تتخلى عنهم , و وفقا لبعض الدارسات فقد بقي الكثير من الشباب الياباني هيكيكوموريين فترات طويلة في غرفهم فمنهم من لم يخرج من بيته لمدة تزيد عن الثمانية سنوات و منهم من بقي أكثر من سنتين, رغم المجهودات المبذولة من طرف الحكومة اليابانية لتأهيل المرضى و مساعدتهم نفسيا للخروج من حالة الانعزال إلا أن عدد الذين يشفون من هاته الظاهرة الغريبة فعددهم جد محدود مقارنة ممن يدخل في في الحالة لتظل هذه الظاهرة تؤرق بال الحكومة اليابانية.
الدراسات اختلفت عن أسباب هذا النمط الغريب لشباب هيكيكوموري لكن يرجح المختصين أن من الأسباب الضغط المدرسي و اختلاف مع أهلهم حول مستقبلهم المهني أو الأكاديمي في الجامعة, كما أنه من بين الأسباب قسوة في العمل الضغط النفسي المتراكم , لكن الأمر الوحيد الثابت هو أن معظمهم ضحية التغير الثقافي الحاصل في اليابان .
و تبقى ظاهرة هيكيكوموري تحديا حقيقيا للسلطات اليابانية خصوصا أنها تطال اليوم مئات الآلاف من الشباب الذي العالق في جسده في البلد يعاني أصلا معظم سكانه من الشيخوخة.
عبرت مجلة (كادوكاوا شوتين) المصورة عن هذا الأمر في إحدى قصصها على لسان شخصية مصابة بهذا الاضطراب: لا أريد أن أكلم أحداً، لا أريد أي شيء، حتى أنني لا أريد أن التقط هاتفي عندما يرن، ما الذي يجب علي فعله.