ظاهرة انتشار الإسلام في ألمانيا
هوية بريس – إبراهيم الراوي (مجلة البيان)
أُعلن في آخر إحصائية ألمانية رسمية أن عدد من دخل الإسلام من الألمان في السنتين الأخيرتين يقدر بـ 20.000 شخص ومثله بالضبط في النمسا وسويسرا. وهناك مصادر أخرى تشير إلى أن أعدادهم أكثر من ذلك بكثير حتى أوصلوها إلى 40.000 شخص.
إن الأحداث التي يمر بها المسلمون في شتى بلدان العالم قد تصيب بعضنا باليأس والإحباط؛ لكثرة المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين هنا وهناك، وكثرة ما يلاقيه المسلمون من الاضطهاد والتنكيل، وكثرة ما يُروَّج عن الإسلام من الأكاذيب والافتراءات. غير أن هذه الحالة سريعاً ما تزول إذا ما علمنا حجم الإقبال على الإسلام في دول الغرب، وكذلك إذا ما علمنا أنه مع كل هجوم على الإسلام في الغرب يزداد شوق الأوروبيين والغربيين عموماً للتعرف على هذا الدين، ومعرفة حقيقة ما يثار حوله، ومِن ثَمَّ يزداد الإقبال على الدخول في هذا الدين الحنيف. ومن يتابع الساحة الإسلامية اليوم في أوروبا عامة وفي ألمانيا خاصة يلاحظ – بفضل الله تعالى – انتشار الإسلام الواسع بين أفراد المجتمع وكثرةَ بناء المساجد أو تحوُّل الكنائس إلى مساجد وبالأخص الولايات الشمالية والغربية من ألمانيا حيث يكثر تمركز المسلمين فيها. وأيضاً يُلاحظ انتشار المظاهر الإسلامية في المجتمع عامة: كالحجاب وكثرة المنتجات الإسلامية ومحلات بيع اللحم الحلال وكثرة المصارف الإسلامية لأول مرة في تاريخ ألمانيا[1]، يرافق ذلك ظهور قوانين جديدة في صالح المسلمين. كل ذلك رغم الحملات الإعلامية القوية لتشويه الإسلام، ورغم كثرة المؤسسات التي تحارب الإسلام، ورغم صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام إلى سدة الحكم سواء على مستوى الانتخابات الداخلية للولايات أم على مستوى الدولة.
ورغم التكتم الشديد على الأعداد الحقيقية للمسلمين عامة وعدد من أسلم من الألمان خاصة في السنوات الأخيرة خوفاً من أن تُسْتَغل للتخويف من امتداد الإسلام فيما يسمونه بظاهرة Islamophobie (الإسلامفوبيا) أو ظاهرة انتقاد الإسلام (islam-criticism)، أو ظاهرة معاداة الإسلام (anti-islam’-ism’)؛ فإنه قد أُعلن في آخر إحصائية ألمانية رسمية أن عدد من دخل الإسلام من الألمان في السنتين الأخيرتين يقدر بـ 20.000 شخص ومثله بالضبط في النمسا وسويسرا[2]. وهناك مصادر أخرى تشير إلى أن أعدادهم أكثر من ذلك بكثير حتى أوصلوها إلى 40.000 شخص[3]. وهذا كله ليس بمستغرب؛ إذ لا يمر أسبوع هنا إلا ونسمع أن رجلاً أسلم أو امرأة أعلنت إسلامها في أحد المراكز الإسلامية في المنطقة، والأسئلة المهمة هو:
لماذا أسلم هؤلاء؟ وما الذي ينقصهم في أوروبا (رغم العمران والمدنية والتكنولوجيا الحديثة) لكي يُسلموا؟ ما الشيء الذي يمنحه لهم الإسلام ولا يجدونه في حياتهم اليومية؟
والجواب – والله اعلم -:
أولاً: لعل من أهم خصائص هذا الدين وأحد أهم أسرار جاذبيته هي عالميته؛ أي أنه دين أنزل للعالم كله ليس لبلد معيَّن أو ناس معيَّنين أو زمن معيَّن، قال تعالى واصفاً عالمية البعثة المحمدية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: ٨٢]. فهو صلى الله عليه وسلم أُرسل لكل الناس وهو رسول الإنسانية جمعاء، وشريعته وتعاليمه لكل الناس. ووصف الحق نفسه في أول آية من القرآن بقوله سبحانه: {الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] فهو – سبحانه – رب الوجود كله، رب الكون كله وليس رب العرب وحدهم الذين هم مادة الإسلام وحَمَلَة الرسالة الأوَّلون. وأكد تميُّز هذا الدين العظيم عن باقي الرسالات بالعالمية قوله صلى الله عليه وسلم الصريح كما جاء في الصحيحين: «وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة»، فعالمية البعثة هي أول سبب لانتشاره وقد أكد هذا المعنى الناطق الرسمي لحزب الـ CDU المسيحي الحاكم في ألمانيا Christian Abdul Hadi Hoffmann في مقدمة كتابه الذي كتبه حول قصة إسلامه (بين شتى الجهات – قصة إسلام سياسي ألماني)[4]، بأن من أهم ما جذبه لهذا الدين هو أنه رأى وهو يتابع مناسك الحج في إحدى القنوات الألمانية تجمُّع كلِّ جنسيات الأرض من شتى أنحاء المعمورة في مكان واحد في مكة المكرمة وفي وقت واحد في موسم الحج؛ رغم اختلاف لغاتهم وبُعد قاراتهم ورغم كبر أسنانهم وضعفهم واختلاف عاداتهم وتقاليدهم في مشهد عظيم ومظاهرة مليونية سلمية لم يشهدها إلا في الإسلام. وهذا السبب نفسه ذكره المهندس المعماري الألماني الذي أسلم ثم استقر في مكة وهو الذي صمم ساعة مكة المكرمة هناك الدكتور محمود بودو راش Mahmoud Bodo Rasch في آخر مقابلة معه وهو يتحدث عن سبب إسلامه واختياره مكة مكاناً لعمله مهندساً معمارياً[5].
السبب الثاني الذي يجذب الغرب عامة والألمان خاصة للإسلام هو كونه دين الفطرة، وأن الإنسان الأوروبي بل الفطرة البشرية عامة لا تجد راحتها وسعادتها واستقرارها النفسي إلا بالإسلام لأنه لا يأمر إلا بما يوافقها ويلائمها ويصلحها ومن ثَمَّ يسعدها كما قال سبحانه {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِـخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، أكثر الناس لا يعلمون أن هذا الدين هو دين الفطرة والإنسان الغربي اليوم حائر يعاني من الفراغ الروحي الشديد ويعاني من سلبيات الحياة المادية التي يعيشها ومن القلق المستمر والأرق أو ما يسميه الألمان في حياتهم اليومية (التوتر) Stress[6] ومن الشعور بالإحباط واليأس بسبب عدم وجود الإيمان في حياتهم وهو ما يؤدي بهم إلى الانحراف والإدمان أحياناً، أو قد يصل إلى الانتحار أحياناً أخرى والعياذ بالله. وقد نشرت مؤخراً دوائر الإحصاء أن 25 شخصاً ينتحر Suizide يومياً في ألمانيا قبل ظاهرة كورونا، وأن هذا العدد ازداد في السنتين الأخيرتين بشكل واضح[7]. بل حتى عند أكثر الناس شهرة ورفاهية في المجتمع الألماني كانتحار حامي مرمى فريق كرة القدم الألماني الشهير Robert Enke بعد وفاة ابنته بمرض عضال عام 2009م، وقصة الطيار الألماني الشهيرة الذي انتحر عام 2015م بسبب اليأس الذي كان يعاني منه قاتلاً معه 150 راكباً على متن الطائرة الألمانية التي كان يقودها، وآخرها انتحار وزير المالية لمدينة هسن Finanzminister Thomas Schäfer وأحد موظفيه بعد انتشار وباء كورونا وتصريحه بأن الحالة ميؤوس منها[8].
هذا الفراغ الروحي القاتل هو الذي يدفع الإنسان الغربي عامة والألماني خاصة للبحث عن نور الهداية وعن الرضا والقناعة وطمأنينة القلب؛ التي لا يجدها إلا في الإسلام العظيم كما قال تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر: ٢٢]. وهذا النور هو الذي كتبت عنه المذيعة الألمانية الشهيرة Kristiane Backer بعدما أسلمت وذاقت حلاوة الإيمان وكتبت قصة إسلامها في كتابها (Von MTV nach Mekka الرحلة من مذيعة في التلفزيون إلى مكة) وذكرت فيه أنها كانت تبحث لسنوات طويلة رغم شهرتها وثروتها عن راحة قلبها وسعادتها التي كانت مفقودة من حياتها ولم تجدها إلا في الإسلام وتطبيق تعاليمه، وذلك – كما تقول – في تطبيق شعائر الإسلام بصدق بأن تصلي بخشوع وأن تصوم بجوارحها ليس فقط بجسدها وأن تحج بالقلب وأشواق الروح ليس بمجرد شعائر ومناسك تؤديها وفعلاً فعلت ذلك كله – كما كتبت – وذاقت حلاوة الإيمان وثمرته وهي الآن سعيدة جداً بعد إسلامها بفضل الله تعالى.
السبب الثالث والمهم لانتشار الإسلام في المجتمع الألماني؛ هو التفكك الأُسري وضعف الروابط الاجتماعية وعدم استقرار العلاقات الزوجية؛ ومن ثَمَّ قلة الإنجاب عندهم، (عكس ما هو عليه لدى المسلمين المقيمين في ألمانيا) من قوة الروابط الاجتماعية وتقديس الأسرة وبِرِّ الوالدين، يضاف إلى ذلك تأثير العبادات الجماعية عليهم التي تقوِّي الأواصر الاجتماعية والأخوية كصلاة الجمعة والعيدين والعمرة وقوافل الحجاج جماعة من ألمانيا والإفطارات الجماعية في رمضان في مساجد ألمانيا… كل هذه الأمور تشد الألمان إلى هذا الدين وقيمه الاجتماعية وتعاليمه السمحة. في إحدى المقابلات التي أجرتها الإذاعة الألمانية مع والدين ألمانيين أسلما حديثاً سألهم المذيع مستغرباً: لماذا أسلمتما بعد إسلام ابنكما؟ فأجابا: منذ أن أسلم ابننا كان أكثر بِرّاً بنا، وأكثر رحمة وشفقة بإخوته الصغار، وأكثر احتراماً للجيران، وعرفنا منه أن كل هذا تعلمه من الإسلام[9].
لعل هذه الأسباب الثلاثة هي أهم الأسباب التي جعلت هذا الدين ينتشر بشكل واضح في كل أطراف أوروبا وفي كل مدن ألمانيا إلى درجة أنك لا تجد ولاية اليوم من الولايات الـ 16 في ألمانيا دون مسجد أو مركز إسلامي أو جامع، حتى وصل عدد المساجد مؤخراً إلى أكثر من 3000 بين جامع ومركز إسلامي أو مسجد والعدد بازدياد مستمر بفضل الله[10]، وقد نشرت جريدة دي فلت DIE WELT الرسمية في ألمانية مقالاً تتحدث فيه عن ظاهرة انتشار المساجد، ذكرت فيه أن عدد المساجد في مدينة هامبورغ HAMBURG الشهيرة وحدها أصبح اليوم ضعف عدد الكنائس[11]؛ وهذا كله هو مصداق لقول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِـحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْـحِسَابِ} [الرعد: 41]؛ أي سوف ينقص الكفر ويزداد الإيمان في كل نواحي الأرض وأطرافها بانتشار الإسلام كما قال سيدنا عبد الله ابن عباس في تأويلها: «أولم يروا أنَّا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض». وقد أكد هذا المعنى وهذه النبوءة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وهو يبشر بانتشار هذا الدين في أنحاء المعمورة بقوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قد زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» فهذا الحديث الجليل فيه معجزات ظاهرة للرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق في أوروبا اليوم، وهو علامة من علامات صدق النبوة إذ نجد أن الكنائس مهجورة والمساجد – بفضل الله تعالى – عامرة؛ وذلك أن كثيراً من الكنائس اليوم قلَّ روادها فخسرت بذلك الممول المادي الرئيسي لها حتى اضطرت من أجل الحصول على المال إلى تأجير بناياتها للمسلمين لأداء صلاة الجمعة أو العيدين أو تحويلها لمدارس تعليم اللغة العربية أو لتحفيظ القران الكريم، ووصل الحال بهم إلى أن الكثير منها تحول رسميّاً إلى مساجد خاصة بعد موجة اللاجئين عام 2015م إذ ظهرت الحاجة الملحة للمساجد مع كثرة المسلمين.
في آخر إحصائية جديدة عن عدد المساجد في ألمانيا وكيفية توزعها بين كل الولايات الألمانية ومتى افتُتحت وتصنيفها حسب كونها بقبة أو بمنارة أو بكلتيهما أضيف لأول مرة للخريطة جملة جديدة Moschee in ehemaligem Kirchenbau وتعني: المساجد التي كانت سابقاً كنائس والإشارة إليها بعلامة المثلث[12].
مع الإشارة هنا إلى أن السماح برفع الأذان لأول مرة في بعض المساجد في ألمانيا أيام الانتشارالشديد لوباء كورونا كان تعاطفاً أو إظهاراً للشكر لدور مسلمي ألمانيا الإيجابي في بداية هذه المحنة: من خياطة الكمامات بالآلاف في المساجد، إلى التبرع بالأكل للمستشفيات من قِبَل مطاعم المسلمين، إلى التبرع بالأكل كل يوم للمحتاجين والمرضى أيام شهر رمضان المبارك، إلى دورالأطباء المسلمين والممرضين المميز في المستشفيات الألمانية؛ حتى أن الكثير منه توفي في بداية الأزمة وتم تشييعهم تشييعاً تكريمياً خاصاً من قبل مستشفياتهم، رحمهم الله تعالى.
الظاهرة الأخرى الحديثة هي التوجه السياسي المتعاطف مع قضايا المسلمين؛ فيلاحَظ من جهة تزايد نسبة المسلمين من أعضاء البرلمان الألماني وفي أعداد المحافظين للولايات الألمانية بل تزايد نسبة الأجانب Migration (ومعظمهم مسلمون) في كل حزب حاكم أو معارض بشكل تدريجي وهذه ظاهرة جديدة. والعجيب أنه حتى الأحزاب المسيحية فيها نسبة مسلمين وأيضاً الحزب اليميني المتطرف AFD فيه مسلمون. لا شك أن هذه الأحزاب لها أغراض براغماتية تحاول الوصول إليها بقبولها بالمسلمين؛ إذ تحاول بذلك كسب أصوات المسلمين المتزايدين في ألمانيا في الانتخابات. ولا يخفى على العاقل أن مشارب هؤلاء المسلمين في هذه الأحزاب متضاربة بين تبنِّي قضايا المسلمين والدفاع عنهم إلى المعارضة والمحاربة للإسلام علانية؛ ولكن المحصلة الأخيرة هي التعاطف مع المسلمين وقبولهم لأول مرة بينهم. خاصة مع ازدياد عدد المسلمين في الجيش الألماني مؤخراً والشرطة الألمانية؛ بل إن الشرطة بدأت رسمياً تطلب من المسلمين التطوع والعمل معهم.
وقد حصل مؤخراً تضيق شديد على المسلمين في الجامعات الألمانية لكثرتهم حتى لم تكفِ غرف المصليات لأداء صلاة الجمعة فطالبوا بغُرَف أخرى في كلية التكنولوجيا في برلين للصلاة بعد أن أدَّو الصلاة في الساحة العامة فكان ردُّ فعل عميد الجامعة أن أغلق المصليات جميعاً فجوبه بردِّ فعل شديد من المؤسسات الإسلامية في ألمانيا اضطر على أثره لفتحها مرة ثانية[13].
هذا يبين مظهراً من مظاهرالتأييد الإلهي لهذا الدين ووعد الله تعالى بنصره.
ولعل من أعجب مظاهر التأييد الإلهي لهذا الدين في ألمانيا أنه سبحانه وتعالى يسخِّر غير المسلمين من عِلْية القوم للدفاع عنه والوقوف بجانب المسلمين، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبهما كيفما شاء وأن الله لينصر دينه بالرجل الكافر أو الفاجر. كوقوف المستشار الألماني السابق مثلاً هلموت شمت Helmut Schmidt بجانب المسلمين عامة وناصحاً الحكومة الألمانية والغرب بضرورة تغيير موقفهم السياسي العدائي للمسلمين بكلمته المشهورة[14]: «Westen verhält sich unsensibel gegenüber Islam».
وهو الذي طالب بتغير مناهج التعليم الألمانية وتصحيح كلِّ المشوه عن الإسلام في الكتب المنهجية قبل وفاته، وكان قد صرح في آخر مقابلة له بأنه تعلم من زيارته لمصر أن الأديان السماوية الثلاثة أصولها واحدة وكلها ترجع لإبراهيم الخليل عليه السلام، وأن السياسات الخاطئة هي التي أدت إلى الحروب بين الشعوب وليست الأديان[15].
وكذلك وقوف المستشارة الألمانية الإيجابي اليوم بجانب قضايا المسلمين مثل موقفها الإيجابي من اللاجئين واستقبالهم، ومثل تحسين علاقتها مع تركيا، وكذلك رفعها لقانون منع الحجاب المطلق إذ سمحت للمحجبات بالعمل بعد موافقة رب العمل بالحجاب بعد أن كان ممنوعاً قبلها بشكل عام وقالت: إن الحجاب ليس رمزاً للظلم واحتقاراً للمرأة[16]، وكذلك تصريحاتها المهمة في صالح الإسلام، كما صرحت لأول مرة في تاريخ الحكومة الألمانية بصفتها مستشارة[17]: «Der Islam gehört zu Deutschland» (إن الإسلام هو جزء من ألمانيا وإنه بنى الحضارة الألمانية).
وقد سبقها في هذا التصريح المهم الرئيس الألماني السابق الدكتور كريستيان وولف Christian Wulff وتعرض – كما تعرضت هي – لانتقادات واسعة جداً من جهات مختلفة. ولا شك أن هناك أغراضاً سياسية خلف هذه التصريحات ولكن النتيجة الحتمية هي أنها تصب في صالح المسلمين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الألماني السابق هذا – وهو أستاذ جامعي – دافع عن نفسه في وقتها بأن الاكتشافات الحديثة تشير إلى دور المسلمين في بناء الحضارة الألمانية، وأن هناك إثباتات في علم الآثار تشير إلى وجود أول مسلم في ألمانيا عام 720م في مدينة هايتهابو Haithabu شمال ألمانيا بسبب إسلام بعض القبائل هناك بعد احتكاكها بتجار مسلمين واكتشاف مقبرة هناك تتجه نحو مكة المكرمة. واكتشاف أن بعض الفايكنك Wikings كانوا مسلمين باحتكاكهم بمسلمي الأندلس؛ وخاصة بعد اكتشاف مخطوطات نادرة مهمة للمؤرخ الطرطوسي تشير إلى وجود الإسلام في ألمانيا[18].
ولذلك يلاحظ حرص الرئيس الألماني الحالي Frank-Walter Steinmeier والمستشارة الألمانية على تهنئة المسلمين بمقدم شهر رمضان وبأيام العيد رسمياً على كل وسائل الإعلام في السنتين الأخيرتين وخاصة في ظل أزمة كورونا.
يشكل تعداد المسلمين اليوم أكثر من 7% من مجموع تعداد الشعب الألماني البالغ 81 مليوناً. وفي السنتين الأخيرتين ازداد عدد الطلبة المسلمين في الجامعات الألمانية بشكل ملحوظ وازداد عدد المحجبات حتى أن معظم نقابات الطلبة في الجامعات أعضاؤها مسلمون. وقبل شهرين نشرت إحدى الصحف الألمانية الرسمية أن عدد المسلمين هو 6 ملايين مسلم وليس 4 ملايين كما كان ينشر سابقاً، وأنه لا توجد جامعة ألمانية اليوم تخلو من المحجبات أو المسلمين سواء كانوا طلبة أم أساتذة أم إدارة. وأشارت الجريدة إلى تزايد عدد الطبيبات والمهندسات المحجبات في المجتمع الألماني في السنوات الأخيرة[19].
ومن ثَمَّ أدى ذلك إلى انتشار شركات الأكل الحلال بشكل واسع جداً وافتتاح أجنحة للمنتوجات الحلال في معظم المحلات الألمانية الشهيرة مثل Lidl و Aldi و Real وغيرها، وأدى كذلك إلى انتشارالمصارف الإسلامية في ألمانيا بعد نجاح تجربة المصرف التركي الكويتي KT-Bank منذ عام 2015م بفروعه الأربعة الرئيسية وفتح فروع جديدة له بين حين وآخر كما حصل السنة الماضية في مدينة ميونخ بافتتاح رسمي ترعاه الحكومة[20]. وتوجه البنك الألماني مؤخراً Deutsche Bank لفتح جناح للمعاملات الإسلامية ومنح قروض بلا فوائد بعد أن كتبت وسائل الإعلام عن نجاح تجربة المصارف الإسلامية في أوروبا بلا فوائد مصرفية[21]. هذه كلها بشارات وبدايات للاعتراف الرسمي بالإسلام في ألمانيا؛ هذا الاعتراف الذي لو حصل فسوف يترتب عليه خير كبير جداً يصيب المسلمين في ألمانيا وأبناءهم ويبشر بأن المستقبل للإسلام في ألمانيا.
وصدق محمد إقبال رحمه الله عندما قال:
فـكَمْ زالتْ رياضٌ من رُبَاهــا
وكَمْ بـادتْ نـخـيلٌ في البوادي
ولــكـنَّ نــخـلـةَ الإسلام تنمو
على مـرِّ العواصِف والعَوادي
ومجدك في حمى الإسلام باقٍ
بقاء الشمس والسبع الشدادِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2] http://www.schattenblick.de/infopool/religion/islam/risbe084.html
[4] انظر: «بين شتى الجبهات» الصادر بطبعته الأولى في بافاريا عام 1997م.
[5] انظر: المقابلة معه في الجريدة الإسلامية الألمانية.
http://www.islamische-zeitung.de/alles-muss-von-innen-kommen/
[6] تم اختيار هذه الكلمة كأهم كلمة تتردد على الألسنة وتتكرر في وسائل الإعلام وأول عائق لنجاح الأعمال في الاقتصاد الألماني.
http://arbeitsblaetter.stangl-taller.at/STRESS/
[8] https://www.fr.de/hessen/hessen-thomas-schaefer-zweiter-suizid-finanzministerium-zr-13655044.html
[10] انظر: إحصائية عدد المراكز والمساجد في ألمانيا
[12] https://www.wissenschaft.de/rubriken/deutschlandkarten/moscheen/
[14] https://www.welt.de/politik/article2118063/Westen-verhaelt-sich-unsensibel-gegenueber-Islam.html
[17] http://www.zeit.de/politik/deutschland/2015-01/angela-merkel-islam-deutschland-wulff
[18] https://www.deutschlandfunkkultur.de/schleswig-holstein-am-aeussersten-ende-des- weltmeeres.1001.de.html?dram:article_id=296661