عالم رابع يلوح في الأفق..
هوية بريس – يونس فنيش
لا يمكن إقناع بعض الفاسدين الإداريين في البلدان المتخلفة بضرورة الإصلاح، ولكن ربما يمكن إقناعهم بأن الفساد مهلكهم لا محالة، لأن للمتحكمين في العالم مصالح لن تترك أدنى مجالا للعاطفة؛ فلو اتضح لهم أن الإصلاح في إدارات البلدان النامية يتطابق مع مخططاتهم الشاملة، فلا شك أنهم سيتخلون عن تكتيكهم المرحلي بسرعة فائقة و سيحركون “آليات التغيير” التي سبق أن قاموا بتثبيتها محليا كقنابل موقوتة منذ عقد أو عقدين، و التي لن تترك أي مجال لمفسدين إداريين في البلدان المتخلفة للإفلات من عقاب صعب مرير لن يراعي أية ظروف تذكر…
العالم يتغير. بل لقد تغير، في غفلة من متتبعين و محللين، و صحافيين و حقوقيين، و مناضلين…
سيداتي سادتي، إن السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يعني السبيل الذي قد يجنب بعض البلدان النامية فوضى شاملة لا تبقي و لا تذر، أو فوضى عامة و عارمة قد تحرق الأخضر و اليابس، هو سبيل الإصلاح من غير تعليمات، أو أوامر، أو ضغوطات من لدن المتحكمين في العالم الذين يتغيرون و يتلونون حسب طبيعة مصالحهم الآنية على سلم الزمن و ما يحدثه من تقلبات انتهازية محضة براغماتية جافة.
نعم، لا يمكن إقناع هؤلاء الفاسدين الإداريين بضرورة الإصلاح، ولكن، ألا يهتمون بمصالحهم الخاصة الضيقة التي مكنتهم من ممتلكات و أموال، دونما محاسبة في هذه الدنيا الفانية..؟ نعم، بكل تأكيد، إنهم يهتمون بهذا الأمر.
طيب. لقد سبق، مثلا، لكاتب هذه السطور أن اقترح، في سياق موضوع ما منذ سنين، وضع حد للرشوة و الفساد و الريع انطلاقا من تاريخ معين، و ابتداء من وقت محدد، حتى تعم الطمأنينة بدون هيجان شعبي و لا فوضى غير مضبوطة العواقب، مادام الأمر ممكنا…
فالشرفاء النزهاء الأكفاء العقلاء الحكماء لا يريدون سوى مصلحة أوطانهم. فإلى متى تهميشهم و إبعادهم ضدا على خدمة مصلحة الشعوب و الأوطان…؟ أليس الإستقرار هدف الجميع بكل أطيافهم، الشرفاء النزهاء الأكفاء من جهة، و الآخرون أيضا من جهة أخرى…؟
لا أحد اليوم من المصلحين يتكلم من منطلق ضعف، فلقد بلغ السيل الزبى بالنسبة لفئات و فئات عريضة بكل تشعباتها المعقدة، أفلا تتفهمون و تفكرون بعقولكم…؟ أفلا تشعرون بقلوبكم بأن أوطانكم أضحت فعلا، و أكثر من أي وقت مضى، في خطر داهم قريب وشيك؟ ألا تفهمون بعد بأن مستقبل أوطانكم لن يضمنه الغرباء، بل الشرفاء النزهاء الحكماء المحليون، الوطنيون المخلصون …؟
سيداتي سادتي، لا مجال للعب و لا للألاعيب بعد اليوم؛ فالمستقبل لن يرحم المتلاعبين، فلقد حان وقت الكفاءة و النزاهة و الحكمة و الرشد، و لن تنفع لا صحافة موالية و لا مرئيات مخدومة لكظم غيظ سخط بات يعشعش في القلوب و يوحدها بتلقائية واقعية لا تحتاج لاتصالات مباشرة ذكية كانت أو تقليدية…
إن سكان جزء من العالم الثالث في حاجة إلى إنقاذ أوطانهم. و أما إنقاذ الأوطان، في الوقت الراهن، فهي مهمة النزهاء الشرفاء الأكفاء الحكماء العقلانيين الذين تهمهم مصلحة و استقرار بلدانهم أولا و قبل كل شيء.
النضال لن ينفع في شيء. و السياسة لن تنفع في شيء. و حتى الديمقراطية بكل أشكالها لن تنفع في شيء، لأن الوضعية أصبحت جد حرجة. وحدهم المتحكمون المحليون يستطيعون إنقاذ كل شيء إن هم تحلوا بالذكاء و فهموا أن مصالحهم المكتسبة إلى حد الآن قد لا تتعارض مع مصلحة أوطانهم شريطة التصالح مع الشرفاء النزهاء الأكفاء الحكماء، قبل فوات الأوان…
الحل إذا بسيط للغاية و واضح ساطع. يجب تمرير المشعل، في كثير من المواقع، بسلاسة و حنكة إلى مهمشين شرفاء نزهاء أكفاء حكماء طيبين، بسرعة و قبل فوات الأوان، و إلا لكانت الكارثة على مستويات عديدة…
سيداتي سادتي، إن ضرورة الإصلاح الإداري الشامل الفعلي في البلدان النامية أو المتخلفة سيصب عما قريب في مصلحة المتحكمين العالميين، فهل ستقوم تلك البلدان بخطوة استباقية صادقة بدون لف و لا دوران في هذا الصدد، و ذلك بتصالحها مع المصلحين النزهاء الأكفاء الحكماء المهمشين لديها، من أجل القيام بعملية إنقاذ باتت ملحة للغاية و مستعجلة؟
خلاصة: لابد للعالم الثالث أن يتجاوز محنته بطريقة استباقية و عقلانية بمحض إرادته، حتى لا يضطر علماء اللغة أن يبتكروا له تسمية جديدة: العالم الرابع!