عبد العزيز الماسي الفقيه الذي أبى أن يتزوج حتى يستقلّ المغرب
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
قد يستغرب من تعليق الزواج باستقلال المغرب في زمن كان الاحتلال الفرنسي قويا، بل أكثر من ذلك علّق تغيير ملابسه ونعله، حتى يعود محمد الخامس من منفاه، ولكنه ليس غريبا على المجاهد عبد العزيز الماسي، الفقيه الذي جاب أوروبا ورجع إلى المغرب للعمل على المشاركة في تحريره ونيل استقلاله، بيد أنه بعد الاستقلال حدث له ما لم يكن بالحسبان، من نكران وجحود، يعرضه هذا الموقف.
ذلك أن الفقيه كان مؤتمرا بالمجلس الوطني الأول لحزب الاستقلال المنعقد بالرباط من 19 إلى 20 غشت 1956 “حيث فاحت رائحة العنصرية المقيتة“، وخلاصة ما حدث أن بعض الشبان قاموا في وجه المجاهد عبد العزيز الماسي، وهو يلقي كلمته الحماسية الارتجالية، محاولين إسكاته، وإرغامه على النزول من المنصة، وكاد الحادث أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، لولا أن الأستاذ علال الفاسي تدخل وعرف بعبد العزيز لمن يجهلونه أو يتجاهلونه، ظانين أن دوره وأمثاله قد انتهى، وليس عليه إلا التصفيق لكل ما يقال بعد الاستقلال ولو كان هراء.
وفي نفس القاعة استفز البعض الآخر الأستاذ محمد الحبيب الغيغائي حين كان يلقي كلمته كمسؤول في أطر الحزب بمراكش ونواحيها.
كان يمكن تجاهل الحادثتين لو لم تقعا لغير الشخصين المذكورين، فعبد العزيز الماسي هو الفقيه الذي آلى على نفسه أن لا يتزوج حتى يستقل المغرب، وأن لا يستبدل أسماله المرقعة ونعليه الباليتين حتى يرجع محمد بن يوسف من المنفى، ومحمد الحبيب الغيغائي معروف بنضاله وتضحياته من أجل الاستقلال كما جاء في كتاب: “المعهد الإسلامي بتارودانت والمدارس العتيقة” للمتوكل عمر الساحلي؛ الجزء الأول ص23.
ونتيجة لما حدث بالمؤتمر، تكونت بداخل الحزب حركة تطالب بانتخابات حرة لأجهزة الحزب قاعدة وقمة، تطبيقا للمبدإ الديموقراطي الذي كافح الحزب “حزب الإستقلال” من أجله، وقامت بجمع التوقيعات من قدماء الوطنيين في المغرب كله، غير أن المرحوم المهدي بن بركة قد استطاع بدهائه أن يلطف الجو الذي أثارته تلك الحركة، التي اعتبرت حينذاك تجديدا لحركة “لجنة الجنوب” التي تكونت في الدار البيضاء بعد أن حل الحزب “لجنة التزيين” بدعوى عدم الانضباط لتعليمات الحزب التي توصي بعدم اللجوء إلى العنف الذي يمكن أن يترتب عليه حظر الحزب والقضاء على قيادته.
تعليق:
قال ناقله ومقدمه إدريس كرم: “ولعل سبب التوتر هو تطرق الخطيبين لمسألة أوردها المؤلف في سياق آخر وهي الإهمال الذي تعرض له العائدون من الوطنيين الذين كانوا متواجدين في الشمال كلاجئين، قبل الاستقلال، حيث كانوا يسيرون من حركة المقاومة وجيش التحرير، فلما غادروا المنطقة الخليفية والتحقوا بالمنطقة السلطانية بعد الاستقلال وجدوا أن هناك من تصدر المشهد السياسي والإداري، وصار يقصي الرموز المؤسسة للحركة الوطنية باعتبارهم محافظين وقاصرين عن فهم ما يجب عمله، ناهيك عن تشبثهم بهويتهم الوطنية والدينية مما لا يتلاءم مع الحركة الإصلاحية والتقدمية كما يزعمون، وهذا ما وقع لكل العناصر التي كانت في الأحزاب الوطنية، فهي إما انزوت أو همشت وأقصيت، وتصدر المشهد المرتبطون بالفكر الفرنسي والثقافة الغربية والمنظور المشرقي القومي الممالئ لهما.
يذكر أن الفقيه الماسي هو أحد المؤسسين لمعهد التعليم الأصيل بتارودانت، عندما كان قائدا على قبائل الجنوب: ماسة، أكلو، رسموكة، أولاد جرار، أولاد بوعقيل، أيت براييم، الساحل، بتعيين من الملك محمد الخامس، الذي وضع الحجر الأساسي للمعهد سنة 1959”.