عدنان إبراهيم.. من (حريم الشيطان) إلى (حريم السلطان)

26 مارس 2025 18:00

هوية بريس – د.سامي عامري

لقد باع عدنان إبراهيم نفسه للشيطان أولًا؛ فأنكر المعلوم من الدين بالضرورة ممّا يُكفَّر جاحده، إذ أنكر وجوب احتكام اليهود والنصارى إلى الكتاب والسنّة في التشريع حتى يدخلوا الجنّة، مقرًّا لهم باتّباع أحكام سفر الخروج واللاويين والعدد وربّما הֲלָכָה التلمود*.. ثم انضم إلى حريم السلطان، ورفع شعاره الأكبر: معركتنا مع الدعاة لا مع الطغاة..!!

وهو اليوم يمدح صراحة مشروع “البيت الإبراهيمي”، ويُجيب المذيع الذي سأله عن رأيه في “وحدة الأديان”، بقوله: إنّ هذا أمر عظيم ممدوح، ليُكمل الحديث موهمًا السامعين أنّ وحدة الدين تعني أنّ كلّ الأنبياء جاؤوا بالتوحيد، رغم أنّنا جميعًا نعلم أنّ هذا المصطلح يُقصَد به في البحث اللاهوتي أنّ كلّ الأديان بصورتها الحالية تقود إلى الله سبحانه والجنة، ضمن مذهب Universalism المعروف، والذي نخر به الليبراليون في الغرب الكنيسة المتهالكة أصلًا…

ومن جديد أمره أنّ صدرَهُ الذي استوعب اليهود والنصارى ما عاد يستوعب الشيعة الذين كانوا أقرب الناس إليه (وقد كان يُنكر علينا نحن أنّنا من الطائفيين لما كنا نُميّز بين السنيّ والشيعي بعدل)؛ حتى إنّه اختار مهاجمة جماعة الإخوان بقوله إنّ زعيمها كان شيعيًا متسترًا! وهنا ضرب عدنان إبراهيم الشيعة والإخوان بحجر واحد، إرضاءً للسلطان الذي يبغضهما، بل ضرب بهذا الحجر جميع الدعاة؛ لأنّه زعم أنّ دعوة البنا تجعل إقامة الشريعة من أصول الدين. ومعلوم أنّ البنّا لم ينفرد بذلك؛ فإقامة الشريعة من قطعيات الدين التي لا يكون المرء مسلمًا دون التسليم بها.. والالتفاتة اللوذعية لعدنان إبراهيم هنا هي خلطه بين مفهوم الإمامة عند الشيعة، ومفهوم إقامة الشريعة عند أهل السنّة.. ولكنّ كلّ شيء يهون في هوى السلطان.. والحريم عند الباب لا يتمنعن بل يتغنجن!

عدنان إبراهيم الذي بلغت به ذلّته أن شتم نفسه بأنّه درويش في عالم السياسة، حتى يعفو السلطان عنه لتأييده السابق للثورات، عاد البارحة فتكلّم في السياسة.. لمَ؟ لأنّ الحريم لا يتمنعن عن رغبات السلطان وإن كانت ساديّة.. تكلّم ليقول إنّه لم يفتح فمه بكلمة في الشأن الفلسطيني لأنّه لا يريد أن يضرّ شعبه إن تكلّم.. ثم في الحلقة نفسها تكلّم!! فهل هو صامت أم متكلّم! ولكن للحريم تناقضات عجيبة!! تكلّم عدنان إبراهيم ليقول إنّه صمت لأنّه يعتقد أن أحداث أكتوبر مؤامرة صهيونية.. ولكن مهلًا.. هل يوجد أحد اليوم يناقش أحداث أكتوبر؟! الناس أدانوا خِسّة هذا الشخص لأنّه صمت عن الدماء التي تسيل، عن الديار التي هُدّمت، وعن الأطفال الممزّقة أشلاؤهم.. الإباحيون والملاحدة وعبّاد الحجر والشجر في الغرب تكلّموا عن أحداث غزّة استنكارًا لهذه الإبادة الجماعية، وهم معارضون لأحداث أكتوبر.. البروفسيرة Judith Butler، اليهودية، السحاقية، زعيمة أشدّ التيارات النسوية تطرّفًا، صاحبة الكتاب الثوري “Gender Trouble “، عضوة الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم، و التي يعيش أمثالها في الغرب في برجهم العاجي، خرجت وأدانت وصرخت: إنّ دماء الفلسطينيين ليست أرخص من دماء غيرهم.. وهي تعلم أنّ ذلك قد يُذهب بمستقبلها المهني.. والغزّاوي يريد أن يُردّنا إلى مناقشة أحداث أكتوبر، وعمي عن نزيف الأحرار في”موطنه”؛ لأنّ السلطان له من وراء ذكر أحداث أكتوبر أغراض لإعادة تشكيل المنطقة!!

كنتُ أقول لكلّ المقرّبين منّي: صدّقوني هذا الشخص سيختفي الآن بطلب من السلطان، وسيظهر عند انتهاء الحرب ليقول إنّ صمتي كان حكمة.. وليعيد تشكيل المشهد الديني بعد القضاء على الجماعات الدعوية كلّها في فلسطين وغيرها.. وقد بعثرت أحداث سوريا خطّته وسلطانه.. ولذلك أخرجوه اليوم؛ لأنّه من جواريهم، وقد أنفقوا عليه الدراهم الكثيرة.. أخرجوه ليقول إنّ “الإسلاميين” لا يستحقّون الحكم، وقد أثبت التاريخ خيانتهم وفشلهم.. وهو يقصد بمن يسمّيهم “الإسلاميين” أساسًا من حكموا السودان.. وبعيدًا عن أنّ الحكم في السودان لم يكن إسلاميًا على الحقيقة، لي أن أسأل: هل يملك عدنان أن يقول اليوم للسلطان: كفّ يدك عن السودان؛ فقد أثخنت فيهم؟! … ولكن الحريم لا يرفعن صوتًا فوق صوت السلطان!!

لقد هيّؤوا عدنان إبراهيم ليعود.. ولكن هيهات.. لقد تعلّمنا الدرس.. أصحاب المشروع الإبراهيمي كلّهم تحت المجهر؛ فخطرهم أعظم من خطر داوكِنز وهاريس وملاحدة الغرب..

لقد هيّؤوه لأمر.. والحريم والسلاطين والشياطين يظنّون أنّهم سيغالبون ربّ العزّة.. والله غالب على أمره.. وسعيهم إلى بوار…
هذا بيان…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هامش: نقلَ أئمة الإسلام الإجماع على كفر ما قرّره عدنان إبراهيم. قال ابن حزم: “لا خِلافَ بين اثنينِ مِن المُسلِمينَ … أنَّ من حَكَم بحُكمِ الإنجيلِ مِمَّا لم يأتِ بالنَّصِّ عليه وَحيٌ في شريعةِ الإسلامِ، فإنَّه كافِرٌ مُشْرِكٌ خارجٌ عن الإسلامِ”. وقال ابن القيم: “قالوا: وقد جاء القرآنُ وصحَّ الإجماعُ بأنَّ دينَ الإسلامِ نَسَخَ كُلَّ دينٍ كان قَبْلَه، وأنَّ من التزم ما جاءت به التَّوراةُ والإنجيلُ ولم يتَّبِعِ القُرآنَ، فإنَّه كافِرٌ”. فهي مقالة ردّة، لا يشكّ في ذلك مسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
14°
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء
19°
الأربعاء
19°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M