اطلعت اليوم على المقطع الذي يوثق لحظات الاعتداء السافر على أحد الأساتذة؛ فركبني من الهم أشده، وحاق بي من الأسى أمره، وألجمني من الحزن أكربه.
انتكاسة تربوية، وردة أخلاقية.
مقطع يصيح بأقوى مؤشرات الخزي التربوي، ويطفح بأبلغ دلالات التأخر التعليمي، وينادي نداء عاجز مكلوم ” لكم الله يا رجال التعليم”، ويصرخ بآهات ثكلاء “عذرا يا تعليم”.
المقطع يحكي صورة متكررة في الوسائط التعليمية، امتدت إلى جميع المتدخلين في المنظومة التعليمية، وأشنعها وقعا امتداد يد السوء إلى أعظم حلقة في نظم التعليم”الأستاذ”.
فما كان لأيدي العار، ولا لأنفس الدناءة أن تتهجم على أشراف الأمة من معلميها ومربيها إلا لما انطبع عندها وترسب من دنو قيمة المعلم، وضعف مكانته، واندحار دوره.
نتاج مجتمعي تمخض من الانتقاص المتعمد، والتهميش الممنهج لدور المعلم وأثره، وقصر دوره على عقد حصص متناثرة، وتلقين معلومات متفرقة، في حين كان المعول في التربية والتخليق والتكوين والتثقيف والإنتاج والإبداع على المعلم، ومازال سلم مرقاة كل مجتمع إلى كل جليل يمر بالمعلم ابتداء وانتهاء.
فما أفلح مجتمع استرخصوا أنفس غال فيهم، وهمشوا رأس الشأن فيهم، ورموا بكل منقصة أصدق العاملين فيهم.
كان المعلم إلى الأمس القريب يحاط بهالة ملأها التقديس والتبجيل، مع إعمال دوره الحقيقي الممتد إلى خارج المؤسسات التعليمية في مختلف الشؤون المجتمعية، فظهر جيل من الرواد في سائر الحقول المعرفية، فانسحب أثرهم إلى محيطهم، وامتد على جهة الإيجاب إلى بيئتهم.
فلما خلفهم خلف نظر إلى المعلم بكل نقيصة؛ ساءت الأخلاق، واندحرت الآداب، واندرست المكارم، وتقلصت الفضائل؛ إلا بقايا ثبتت على العهد الأول القائم على تعظيم المعلم وتبجيله.
وإقرار لزوم إجلال الأستاذ وتوقيره ينطلق من المهمة التي وكل بها وأسندت إليه؛ فقام بها وأحسن، وأدى ما عليه وأتقن، وقد لا ينسحب الأمر إلى قلة من أفراد رجال التعليم ممن ضيع الأمانة، وخان الرسالة.
ولا يؤاخذ الكثير بجريرة القليل، ولا يعاتب المصلح بذنب المسيء.
أقول مناصحا:
– على كل مواطن صادق يروم مصلحة وطنه ويتغياها أن يعرف لأهل التعليم قدرهم، وأن يوليهم من كريم التبجيل مستحقهم، وأن يعقد القلب على أن صلاح الحال لا يتم إلا من سدتهم.
– ينبغي لمن ولي الشأن من ساسة وإداريين أن يأخذوا بيد الحزم على كل متطاول متهجم، وأن يكون مبدأ إصلاحهم للحقل التعليمي قائما في أوليته على رد الاعتبار إلى المعلم، إعلاء لمكانته، وتوسيعا لدوره، وتفعيلا لرسالته.