عزيز غالي والأسئلة الغائبة

19 ديسمبر 2024 18:01

هوية بريس – سعيد الغماز

في خرجته الأخيرة، عبَّر رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعضو حزب النهج الديمقراطي العمالي عزيز غالي، عن رأيه وقناعاته بخصوص الصحراء المغربية. دون الدخول في تفاصيل التصريح، سنختصر المسافة ونقول، إنه تصريح بعيد عن قناعات المغاربة، وقريب من أطروحة الجزائر. لكن ما يهمني في هذا المقال، هي الأسئلة الغائبة في تصريح عزيز غالي، وهو ما سيتطرق لها المقال.

قبل الدخول في الموضوع، لا بد من أن أشير إلى أن عزيز غالي عبَّر عن رأيٍ وقناعة. والمقال سيناقش الرأي بالرأي، بعيدا عما ذهب إليه البعض من الضرب في وطنية الرجل وتخوينه والمطالبة بمحاكمته. هذا التوجه لا يخدم لا الوطن ولا الوحدة الترابية ولا حرية التعبير التي نناضل جميعا من أجل توسيعها، وبناء إعلام عمومي جاد ومسؤول وقريب من هموم المواطنين. لو علم هؤلاء أن تصريح عزيز غالي لا يُلزم إلا شخصه، وأنه فقط صيحة في واد، ونفخة في تراب، لما ذهبوا إلى المطالبة بالمحاكمة.

ربما لا يعلم رفاق عزيز غالي أن ثقافة الشعوب العربية، تغيرت بعد الربيع العربي، بخصوص محاربة الفساد، ومطالبتها بالكرامة والحرية والعيش الكريم. فقبل الربيع العربي، كانت الشعوب العربية بما فيها الشعب المغربي، تُنصت للخطابات التي تفضح الفساد، وتساند الحركات الاحتجاجية التي تدافع عن الحرية.

لكن بعد الربيع العربي، وبعد أن رأت الشعوب العربية ما وقع لكثير من البلدان التي أطاحت بأنظمتها، بدأت تطرح أسئلة على كل مناهض للفساد ومساند للحرية. أسئلة من قبيل:

-ما هو البديل التي تقترحه تلك الحركات الاحتجاجية؟

-وهل تلك الحركات قادرة على خلق وضع أفضل من الوضع القائم؟

هكذا إذا يكون الربيع العربي قد جعل الشعوب تنتقل من ثقافة مُناهَضَة الفساد، إلى ثقافة البحث عمن يستطيع إنجاز الأفضل في الاقتصاد والسياسة والقضايا المجتمعية. ولعل الشعب المغربي كان سباقا في استلهام الثقافة الجديدة، حين استجاب بكثافة للشعار الذي رفعه حزب العدالة والتنمية في عز ثورات الربيع العربي “الإصلاح في ظل الاستقرار”. فصوَّت لصالح هذا الشعار قبل تصويته على الحزب.

في تصريح لمحمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، قال إن جمعيته تُدافع عن وحدتنا الترابية من داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. لكن رفاق عزيز غالي في حزب النهج، يصفونهم بالمنبطحين والممخزنين. لذلك نقول إن تصريح عزيز غالي ليس فيه جديد، وهو فقط تحصل حاصل.

إذا كان عزيز غالي يمثل رأي حزب النهج داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن رئيس المنظمة الحقوقية، عليه أن يقول للمغاربة ما ذا يقترح كبديل لما هو قائم؟ ما ذا يمكن لأيديولوجية شيوعية أو ماركسية لينينية أن تحقق، بعد فشلها في معقلها. أين هو الاتحاد السوفياتي؟ أين هو جدار برلين؟ أين هي ألمانيا الشرقية؟ وهل ألمانيا اتحدت في الدائرة الشرقية أم توجهت غربا لتنظم إلى الاتحاد الأوروبي؟

هذه الأمثلة، تبرز أن عزيز غالي يحمل أطروحة، لن تستطيع إنجاز ولو قسط بسيط مما وصلت إليه المملكة المغربية. فما بالك بأن تحمل مشروعا مجتمعيا قادرا على تحقيق الكرامة والرفاه والحرية.

هل عزيز غالي بحزبه النهج يقترح على المغاربة نموذج كوبا؟ والكل يعرف أن الرئيس في هذا البلد يبقى رئيسا مدى الحياة، ثم يُسلِّم الحكم لأسرته. الكل يعلم أن كوبا تستعمل سيارات ستينيات القرن الماضي نتيجة حصار الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تستطع صناعة ولو ربع سيارة منذ الثورة المزعومة. كما أن أكثر من 60% من الأسر تعيش تحت خط الفقر، وأغلب الكوبيين يفكرون في الهجرة. فهل هذا هو البديل الذي يقترحه غالي ورفاقه؟

هل عزيز غالي وحزبه النهج، يريد أن يقترح على المغاربة نموذج كوريا الشمالية؟ هل يريد للمغاربة أن يشاهدوا كل مدنهم تحتلها تماثيل الزعيم، الذي يفرض عليهم أن يُحيوه كل صباح قبل الذهاب إلى العمل؟ علما أن الزعيم يُدَرِّس أبنائه في السويد ويستمتعون في المدن الأوروبية، بعيدا عن بلدٍ يحكمه أبوهم، بعد أن حوَّل الشعب عبيدا له وللحزب الشيوعي. هل يقترح عزيز غالي نموذج الحريات في كوريا الشمالية التي تمنع ولوج الأنترنيت على كل المواطنين، فيما تسمح به للزعماء والمقربين مع أبنائهم وأسرهم؟

من المفارقات أن اسم الدولة هو “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”، وحزب عزيز غالي يحمل اسم “النهج الديمقراطي العمالي”. إذا كانت ديمقراطية كوريا الشمالية تمنع كل شيء عن مواطنيها، وتفرض حكم الزعيم مدى الحياة. فمن الطبيعي أن تكون ديمقراطية حزب عزيز غالي، ضد وحدة المغرب الترابية، وتتماها مع أطروحة الانفصاليين.

المغاربة يعرفون جيدا طبيعة الأيديولوجية التي يحمل عزيز غالي، لذلك حزب النهج لا يستطيع دخول غمار الانتخابات، لأنه يعرف مسبقا، أن نتيجته ستكون صفرية. لذلك تجده في كل انتخابات يقاطعها لكي لا يبرز حجمه وحقيقته. أما تبنيه لأطروحة الصحراء الغربية، فهذا سيجعله غير قادر حتى على التواصل مع المغاربة، إن هو قرر المشاركة في الانتخابات.

ختاما نقول، كيف لحزب يعتبر منظمة الأمم المتحدة لعبة بأيدي الإمبريالية العالمية، والدول الاستعمارية، وبخصوص الصحراء يقول إنه مع تقرير المصير الذي أقرته الأمم المتحدة. هذه المفارقة كافية لتظهر لنا أن تصريح عزيز غالي لا قيمة له في المجتمع المغربي. وأنه صيحة تعكس قناعة حزب هامشي معزول عن باقي الأحزاب، ويغرد خارج سرب الاجماع الوطني.

لقد ترسخت لدى المواطن المغربي، أن تطور البلاد يمر عبر محاربة الفساد، ومواجهة تضارب المصالح، وتوسيع هامش الحريات. لكن ذلك يجب أن يتم بالتدافع داخل رقعة الوطن، وفي حدود الشعار الخالد “الله الوطن الملك”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M