عسيلة.. من حيوان غامض إلى مرآة نفسية للمجتمع!

عسيلة.. من حيوان غامض إلى مرآة نفسية للمجتمع!
هوية بريس – متابعات
تحول الغرير العسلي، أو ما بات يُعرف في التداول الشعبي المغربي بـ”عسيلة”، إلى ظاهرة رقمية خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما غزا مقاطع الفيديو والمنشورات الساخرة، وأصبح “تراند” في مواقع التواصل الاجتماعي داخل المغرب وخارجه. غير أن هذا الاهتمام المبالغ فيه بحيوان بري معروف بتحديه وشراسته، يكشف أكثر مما يخفي عن المزاج النفسي والاجتماعي للمغاربة.
يُعرف الغرير العسلي في الثقافة الغربية بلقب أجرأ حيوان في العالم، فهو صغير الحجم لكنه يواجه الأسود والضباع والكلاب البرية والفيلة والأفاعي دون خوف. هذا السلوك جعل المغاربة يرون فيه رمزا مكثفا لمعاني الفتوة والقوة والجرأة و”الزْعامة”، وهي قيم يبحث عنها المجتمع اليوم وسط جو من الإحباط العام وتراجع الثقة. فـ«عسيلة» صار يُجسّد، رمزيا، صورة الفرد المغربي الحالم بالتحرر من الخوف والقيود، والراغب في استعادة الكرامة عبر مواجهة الأقوى بشجاعة.
لكن الظاهرة، وفق وفق بعض المحللين لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تحوّل “عسيلة” إلى مادة للضحك والسخرية والافتخار الشعبي، فصار كل شخص يتقمص شخصيته أو يعلق عليه كمن يفرغ شحناته النفسية. هنا يظهر البعد الاجتماعي والنفسي العميق للتراند؛ فالمغاربة الذين يعيشون ضغوطا اقتصادية واجتماعية، وجدوا في الحيوان المفترس مساحة رمزية للتنفيس، يُسقطون عليها رغباتهم المكبوتة في القوة والسيطرة، أو حتى حب الزعامة الذي يتوارى في الواقع خلف قيود السلطة والتراتبية.
من جهة أخرى، يعكس الاهتمام الواسع بـ”عسيلة” نزعة جديدة لدى الشباب المغربي نحو الرموز الشعبية البسيطة التي يمكن تحويلها إلى أيقونات رقمية، تُعبّر عنهم بطريقة خفيفة لكنها محمّلة بالمعاني.
ولم يفت بعض الشركات والمؤسسات التجارية استغلال الزخم الشعبي الذي رافق “عسيلة”، فبادرت إلى توظيف صورته في الإعلانات وحملات التسويق، مستغلة حضوره القوي في المخيال الشعبي والفضاء الرقمي. فقد ظهرت علامات تجارية تستخدم الغرير العسلي رمزا للصلابة والجودة، وأخرى سخّرته في مقاطع دعائية لجذب الشباب وخلق تفاعل رقمي واسع، ما يعكس سرعة السوق في التقاط الإشارات الاجتماعية وتحويلها إلى رأسمال تواصلي وتسويقي.
إن وراء الضحك والهاشتاغات والحوارات الساخرة حول الغرير العسلي، تختبئ قصة مجتمعٍ يعيد تعريف الشجاعة والتمرد والكرامة في زمن يغيب فيه الأبطال الحقيقيون، ويصنع من حيوان صغير رمزا لوطنٍ كبير يحلم أن يكون مثل “عسيلة”… لا يخاف أحدا.



