علماء المغرب في المشرق

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

إنها الرسالة التي انتدب الباحث المقتدر الأستاذ عبد اللطيف راحل نفسه القيام بكتابتها وحملها من المغرب لتوزيعها في المشرق، عن طريق جامعة مكة المكرمة المفتوحة، والتي اختار لها عنوانا هو: “النهضة الحديثية المعاصرة في المغرب الأقصى خلال النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري 1301-1350“.

وهي سنوات الصراع الفرنسي المغربي على المستوى السياسي والحضاري، والذي لعب فيه العلماء خاصة علماء الحديث الدور الريادي انطلاقا من السنوسي إلى الدكالي، واللذان كانا من العلماء الذين درسوا بالحرم الشريف ومنه خرجوا راجعين للمغرب لدعم السنة ومناهضة البدعة التي جاء الغزو الاستعماري ليركزها ويعززها ويؤصلها.

لقد قام الباحث في كتابه من خلال التراجم التي أفردها للمحدثين الذين انتخبهم لبحثه أن يعطي بعدا آخر لدور الحديث وعلومه في النهوض بالشعوب، والتمكين للفكر النهضوي بين المسلمين، وهم يواجهون مصادر التغريب، وبذلك يكون سيادته قد نزع مقولة “بضاعتنا ردت إلينا”، التي ترفع في وجه الإنتاج المغربي منذ كتاب “العقد الفريد” إلى اليوم.

 لقد أحسن الباحث بترجمة ضافية لأعلام محدثي النهضة المغاربة البالغ عددهم في البحث 61 علما، مبينا إنتاجهم ومساهماتهم في مجال التعليم والجهاد والإصلاح والسياسة والمقاومة سواء المتعلقة بالهوية الدينية والوطنية والحضارية أو الوقوف في وجه أساليب تدمير أطر المجتمع ومقوماته ومكتسباته وأنساقه المعرفية ومكوناته الإنسية والثقافية، ومجابهة بذور بث التفرقة الطائفية.

لقد ناقش الباحث ما سلف في المطلب الثاني وما يليه، مبرزا اتجاهات علماء الحديث المغاربة ووسائلهم في التدريس والتصنيف، من تحقيق وشرح وتحشية وتصنيف وتهذيب وانتقاء وجمع واختصار، سواء تعلق الأمر بموضوعات مخصصة أو عامة، مبينا أماكن تواجد أولئك العلماء ودور بعض الأسر العلمية، وكذا المؤسسات الرسمية من خلال المجالس السلطانية وما صاحب ذلك من نشر كتب الحديث رواية ودراية وتحقيقا.

وعليه يمكن القول بأن كتاب “النهضة الحديثية المعاصرة في المغرب الأقصى”، يعتبر بابا هاما فتح للمشارقة كي يدخلوا منه لرياضات المغرب المعرفية الغناء، التي ما تزال مجهولة لديهم والله ولي التوفيق.