علماء يكتشفون حقيقة “الوحوش الصغيرة” في أعماق البحار
هوية بريس – وكالات
لا تتوقف الألغاز التي تتم ملاحظتها في محيطات العالم الشاسعة أبدا عن إدهاشنا، ومؤخرا اكتشف العلماء مجموعة من الوحوش الصغيرة الغريبة التي لم يسبق رؤية بعضها من قبل.
كشف العمل المضني للباحثين أن هذه الأشكال الغريبة يرقات صغيرة من أنواع الروبيان (الجمبري) والقريدس وغيرهما من الكائنات التي تعيش في بعض أعمق نقاط المحيطات وأكثرها ظلمة.
وأوضحت الدراسة التي نشرت في دورية “ديفيرستي” (Diversity)، أن المخلوقات الغريبة المحيطة بالشعاب المرجانية في أعماق خليج المكسيك، لا تمثل في الواقع أنواعا جديدة من الكائنات، بل هي كائنات تم تصنيفها خطأ من قبل.
أمر صعب للغاية
يعد تحديد يرقات أعماق البحار (> 200 متر) أمرا صعبا للغاية بسبب التنوع الشكلي (المورفولوجي) عبر مراحل تطور الجنين، فغالبا ما تختلف مراحل النمو الأولى بشكل واضح عن شكلها البالغ، مما يمثل عالما غريبا وغامضا لا يزال يتعين اكتشافه.
ويعد تصنيف المكان الذي تنتمي إليه الكائنات الحية في شجرة الحياة، صعبا في أفضل الأحيان، خاصة عندما تنظر إلى عينات صغيرة جدا انتُزعت من المحيط المفتوح على أعماق كبيرة قد تبلغ 1500 متر.
في الماضي، كانت العينات الوحيدة التي توجب على العلماء التعامل معها هي عينات نصف مهضومة وجدت في أحشاء الأسماك مثل التونة والدلافين، أو عينات موصوفة منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، مثل نوع من الجمبري يعيش في سهول المحيط السحيقة حتى عمق 5 آلاف متر تحت السطح.
والعديد من عائلات الجمبري في أعماق البحار “محفوفة بالمشاكل التصنيفية”، لأن مراحل اليرقات النادرة وغير العادية وُصفت خطأ بأنها أجناس أو أنواع جديدة.
وقبل هذه الدراسة، لم يكن العلماء يعرفون شيئا تقريبا عن مراحل اليرقات لعشرة من أصل 14 نوعا من أعماق البحار الموصوفة، حيث تتطلب الصعوبات المتعلقة بأخذ العينات وتربية يرقات أعماق البحار، جنبا إلى جنب مع الافتقار إلى الخبرة التصنيفية، استخدام الأساليب الجزيئية للمساعدة في تحديد الهوية.
نتائج الدراسة
في الدراسة الحالية، عثر على إحدى عينات اليرقات، التي تعيش في تسرب المياه الباردة على أعماق تبلغ ألف متر في مياه أعمق مما كان يتوقع من قبل، وحدد نوع آخر معروف بأنه يقوم بالهجرات العمودية اليومية عبر عمود الماء، ويصعد ليلا من أعماق تبلغ حوالي 2600 متر إلى مسافة 50 مترا من السطح للتغذية.
وفي كلتا الحالتين، فإن مطابقة أشكال الأنواع الصغيرة بالبالغة هي رابط حاسم في فهم المكان الذي يعيش فيه الجمبري والقشريات الأخرى في أعماق البحار ومكانها في شبكة الغذاء، لأن يرقات القشريات مهمة في السلسلة الغذائية، فهي غالبا ما تكون المصدر الغذائي الرئيسي للأسماك المهاجرة ورأسيات الأرجل وبعض الثدييات البحرية التي تغوص في الأعماق.
وكتبت عالمة البحار هيذر براكين غريسوم، وكارلوس فاريلا طالب الدراسات العليا في جامعة فلوريدا الدولية (Florida International University) التي أصدرت بيانا صحفيا يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، “تتقدم العديد من الأنواع خلال سلسلة من مراحل اليرقات. غالبا ما تمثل أشكالا غريبة لا يمكن التعرف عليها من نظيرتها البالغة”.
وقام الثنائي باختبار ورسم وقياس ووصف بعض المخلوقات الغريبة التي جمعت في 8 بعثات بحثية في شمال خليج المكسيك والمياه المجاورة، والتي لم يُر الكثير منها من قبل، والبعض الآخر الذي وجد العلماء صعوبة في زراعته في المختبر.
توضح براكين غريسوم أنه “عثر على الكثير من هذه اليرقات في منطقة البحار المتوسطة في المياه المفتوحة بين 200 وألف متر ثم تستقر في قاع البحر العميق عندما تكبر”.
لكن الباحثين يشتبهون في أن هذه الأنواع غير المعروفة من الجمبري تحتوي على الأرجح على مراحل متعددة من اليرقات -والتي يمكن أن تتأثر بدرجة حرارة مياه البحر والملوحة والطعام الذي تتناوله- لذلك ستكون هناك حاجة إلى مزيد من العمل والعينات لوصف الحياة السرية لهذه الأنواع العميقة بشكل كامل.
قام الباحثون بمطابقة 14 نوعا من اليرقات مع نظيراتها البالغة باستخدام عدة طرق (دورية ديفيرستي)
طريقة الباركود
قام الباحثون بمطابقة 14 نوعا من اليرقات مع نظيراتها البالغة باستخدام الطرق المورفولوجية جنبا إلى جنب مع طريقة “الباركود” (الترميز الشريطي للحمض النووي)، وهو أسلوب تصنيف يستخدم علامة جينية قصيرة في الحمض النووي للكائنات الحية للتعرف على النوع الذي تنتمي له، لمطابقة مراحل اليرقات مع نظيرتها البالغة من شمال خليج المكسيك والمياه المجاورة.
كتب الباحثون “بالنسبة للعديد من المجموعات، فإن أوصاف اليرقات مفقودة أو غير موجودة”. وما كشفوا عنه هو وجود مجموعة مبهرة من اليرقات لأنواع مختلفة من الجمبري في أعماق البحار، مما أضاف قطعا جديدة إلى أحجية دورات حياتها المعقدة.
لذلك تمثل هذه الدراسة الخطوة الأولى لتعزيز المعرفة بتنوع اليرقات للعديد من مجموعات الكائنات الحية في أعماق البحار من أجل فهم تطور وتوزيع وإيكولوجيا الكائنات البحرية، بالإضافة إلى تأثيرها على عمليات المجتمع والنظام البيئي.
المصدر: الجزيرة.