علمنة شهر الصيام
هوية بريس – د.أحمد اللويزة
ما أن يوشك رمضان على الحلول ضيفا عزيزا على البعض وثقيلا على آخرين، وما أكثرهم، حتى تبدأ الاستعدادات على قدم وساق، طبعا الاستعداد لإكرام الضيف يكون بحسب قدره ومنزلته في قلوب من نزل بهم ضيفا.
الغريب في الأمر أن هذا الشهر الذي جعله الله شهر الروحانيات بامتياز، صار شهر بطنيات وشهوانيات بامتياز.
تنافس محموم من شركات التصنيع الغذائية، استنفار من طرف أصحاب المحلات التجارية، هستيرية تموينية، يقظة من الدولة لتوفير حاجيات الناس البطنية، إنتاج واستيراد، تقليص من الضرائب، وإعفاءات جمركية على السلع، كل ذلك للسهر على راحة المواطنين في شهر الصيام. وتلبية رغبات البطن المتعددة. والناس لا حديث بينهم إلا عن الشراء والادخار والتزود كأنهم مقبلون على سنوات عجاف! هكذا يبدو الواقع.
العادات والتقاليد هي المسيطرة، نشرات وربورطاجات ولقاءت الشوارع كلها عن عادات المناطق وتقاليدها في رمضان.
إشهارات الإغراء هنا وهناك لتمويلات ربوية بمناسبة الشهر الفضيل.
وأصحاب الفن يبشرون الجمهور الوفي بالجديد.
فسبحان الله!!! رمضان الركن الرابع في الإسلام، والعبادة المثالية، والشهر المعظم الذي أحاطه الإسلام بأحكام وضوابط ومقاصد، صار تحكمه العادات والتقاليد؛ والتي يحترمها الناس ويقدسونها ويلتزمون بها أشد من التزامهم بأحكام الصيام وآدابه ومقاصده، بل كل المقاصد صارت في خبر كان، الحلم والصبر والجود والقيام والقرآن والاقتصاد في الاستهلاك، واستثمار الوقت فيما ينفع… كل ذلك انقلب رأسا على عقب.
والإعلام الذي يذكي نار العلمنة في شرائع الله يعد لذلك ترسانة من المواد الإعلامية، التي تكرس العلمنة وتفرغ العبادة من محتواها الروحي الإيماني، وهذه خطة ماكرة حربائية تتأقلم مع الوضع كيفما كان، فلو استطاع بنو علمان أن يصدوا الناس عن صوم رمضان لفعلوا، لكن ولأن ذلك بعيد المنال لا بأس من جعل الناس صياما في حكم المفطرين من خلال إفساد صومهم، وشغلهم عن التعبد والتقرب لله عز وجل. واهتبال فرصة السنة لكسب المزيد من الأجر والثواب، شعارهم في ذلك “هدفنا إفساد صومكم”.
فلنا أن نسأل وبحيرة كبيرة، ما علاقة شهر الصيام بالحفلات والسهرات في كل مكان وكل فضاء وكل ناد؟
لماذا الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والسكيتشات الجديدة لا تعرض إلا في شهر رمضان، وفي رمضان بالضبط؟
أليس ذلك تدبيرا مقصودا من بني علمان لجعل شهر الصيام شهرا علمانيا، تسوده تشريعات الدين العلماني، الذي يجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، حتى بلغت به الجرأة أن جعل مواسم الطاعات والقربات، مواسم مادية دنيوية، تزيد فيها الأرباح عوض الإيمان، ويزيد فيه الوزن عوض التقوى، ويكثر الإجرام عوض الأمن، والانحراف عوض الاستقامة….
لذلك وجب التواصي بالحق وتنبيه الإخوان، وتحذير عموم المسلمين من أن يتحول صيامهم من عبادة بضوابط وآداب، رتب الله عليها عظيم الأجر وجزيل التواب، إلى إضراب عن الطعام طيلة النهار، ورعونة وانحراف بالليل. حتى إذا انقضى الشهر راح بنو علمان يعدون مكاسبهم الدنيوية، وراح المغبونون يعدون خيباتهم ونكساتهم وحسراتهم على ضياع فرصة العمر في التعرض لنفحات الله الروحانية، وسحائب مغفرته الرمضانية.