علمنـة الفــن..

علمنـة الفــن..
هوية بريس – نور الدين درواش
لطالما قُدِّم الفن على أنه مجالٌ لإصلاح المجتمعات، والرقي بها، ومعالجة الظواهر الاجتماعية المرضية التي تعاني منها هذه المجتمعات. وطالما ضُخِّم هذا الدور، وأُضفيت عليه معالم الطهر الملائكي، والبراءة الطفولية.
ومهما حاول أرباب الفن تزيين هذه الصورة، فإنها لن تروج إلا في وسط الغارقين في بحار الشهوات، أو من طُمست فطرهم، وفسدت طبائعهم، حتى أصبحوا يرون الشر خيرًا، والفساد صلاحًا، والضلال هدى.
إن من أعظم ما يُستدل به على بطلان طهارة الفن، أن أربابه يدافعون عن مبدأ فاسد، وهو ما يسمونه “الإبداع المطلق”، الذي يعني عند أصحابه تحرر الفن، والعقل، والوعي من جميع القيود الخارجية.
إننا نتحدث عن علمنة الفن، التي تعني إبعاد سلطان الشريعة ورقابتها عن مجالات الإبداع الفني، من غناء وسينما ومسرح ودراما وغير ذلك.
هذا المفهوم هو الذي أنتج لنا محورية العشق والحب وقداسته وتحرره من رقابة الأخلاق والقيم والدين والعُرف، حتى وجدنا الإنتاجات الفنية تُمجِّد الخيانة الزوجية باسم “الإخلاص للحبيب”، وإسلاس القياد للعشيق، ومطاوعة الهوى، والافتخار بذلك، والتباهي به وتصوير ذلك على أنه وفاء وكمال وصدق وإخلاص… وإن قام غيور على الأمة وأخلاقها ودينها وقيمها، صرخ القوم جميعا في وجهه: “لا للرقابة على الفن، لا لسلطة الدين!”
هذا المفهوم الفاسد والمفسد، هو الذي جعل أمة مسلمة، تُعظِّم ربها ودينها وكتابها وسنة نبيها، تصطدم بمشاهد ساقطة، وحركات هابطة، من على منصات المهرجانات لفنانين غربيين يستقطبون لبلاد المسلمين وينفق عليهم من المال العام والخاص ما لو أنفق على الصحة والتعليم والبحث لأثمر نتائج ملموسة تستفيد منها الأمة كلها، فعلمنة الفن هي التي جعلت هؤلاء الفنانين يُقبل منهم ما لا يُقبَل من عموم الناس في المجتمع.
وإن قام مُصلح يستنكر ذلك، تنادوا جميعا وصرخوا في وجهه: “إنك تمس حرية الفن والإبداع، وتضيّق على الفن!”
إنه المفهوم الفاسد الذي جعل تافها عديم الأخلاق والذوق والثقافة والقيم مثل المدعو “طوطو” لا يستحي أن يصعد المنصة ويمسك بلفافة حشيش، مع أن الشرع، والقانون، والعقل، والعرف، والطب، كلها تتفق على منع ذلك، والتنفير منه، بل إن القانون لا زال يُجرِّم إشهار تناول المخدرات ومعاقرة الخمور.
إنه المفهوم الذي يجعل المرأة المسلمة تقبل أن تُشارك في عمل مسرحي أو سينمائي، وهي متكشِّفة، سافرة، يُقبّلها رجل أجنبي، أو يُضاجعها، فلا إشكال في كل هذا في سبيل “الفن” وتقديم “الرسالة النبيلة”!.. زعموا..
لقد أضحى الفن بهذا، من أكبر معاول الهدم في العالم، ومن أكبر الوسائل التي تستخدمها الماسونية، والصهيونية، وباقي المذاهب الهدامة، في ترويج أفكارها ومعتقداتها.
ومن آخر الأمثلة التي أصبحت تُروَّج بين المجتمعات اليوم: شرعة الشذوذ، وفعل قوم لوط، باسم الحرية واحترام اختيارات وحريات الآخرين…
وبالمقابل، يتم من خلال الفن السخرية من الإله سبحانه، والدين، والقرآن، والأنبياء، وأحكام الإسلام وتشريعاته، ورفع الوُضعاء، والحط من علماء الدين، أسوة بعلمانية ما يُعرف بـ”عصر الأنوار” الذي ثار ضد فساد الكنيسة ورجال الدين وحكّام أوروبا.
ولهذا، نجد أن الأعمال السينمائية والتلفزيونية، بل والرسوم المتحركة، التي لا تنشر ثقافة العُري، ولا تروج للتفسخ، ولا تناصر الشذوذ، ولا تطبع مع الإلحاد، يتم إقصاؤها في المسابقات الدولية، ومنعها من الدعم.
إن الفن حين يتحرر من الضوابط الشرعية، والقيم الأخلاقية، لا يكون وسيلة للبناء والتهذيب، بل يتحول إلى أداة للهدم والتخريب، يتسلل من خلالها الفساد إلى القلوب والعقول باسم “الحرية” و”الإبداع”. وما نراه اليوم من ترويج للفجور، والاستهزاء بالدين، عبر المنصات الفنية، ليس سوى ثمرة مُرّة لهذا الانفلات الخطير.



