على الأقل هم هادئون في المغرب
هوية بريس – د.عادل بنحمزة
على الأقل هم هادئون في المغرب، بهذه العبارة فضلت “إلموندو” الإسبانية وصف الصمت المغربي بخصوص التعديل الحكومي الجزئي الذي أجراه بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، وأطاح وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا، سانشيز دفع بمستشاره السابق والسفير الإسباني في باريس خوسيه مانويل ألباريث لقيادة الدبلوماسية الإسبانية التي راكمت إخفاقات كثيرة في السنوات الأخيرة، خاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية أو في تدبير الأزمة الممتدة مع المغرب، والتي تحولت عملياً في عهد لايا، إلى أزمة عميقة دفعت بالكثير من القضايا التي تواطئ البلدان معاً على الصمت بخصوصها لمدة عقود، وخاصة واقع الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية ولعدد من الجزر في البحر الأبيض المتوسط، إلى الواجهة وعلى مستويات عليا، كما أن هذه الأزمة تحولت أيضاً إلى خط تماس بين كتلتين، الأولى أوروبية مساندة باحتشام لمدريد، والثانية عربية أفريقية مساندة بوضوح للمغرب.
التغيير الذي شهدته الحكومة الإسبانية شمل أيضاً أحد صانعي فوز رئيس الحكومة الانتخابي، ويتعلق الأمر بإيفان ريدوندو الذي كان أحد أهم المقربين من بيدرو سانشيز، كما أن موجة التغييرات شملت أيضاً رئيس مكتب سانشيز المكلف بشؤون الرئاسة، صحيح أن التركيز الإعلامي انشغل برحيل أرانشا غونزاليس لايا، لكن في الواقع مدلول التغييرات التي حدثت يتجاوز ذلك، إلى رغبة لدى رئيس الحكومة الإسبانية في تحسين شروط اتخاذ القرار في محيط الرئاسة.
أبعاد الخلاف العميق الذي يبصم العلاقات المغربية الإسبانية منذ سنتين على الأقل، يعود لأسباب أخرى ذات بعد استراتيجي واقتصادي، بحيث يصبح دور الأشخاص وأخطاؤهم وحدها غير كافية للإحاطة بعمق الأزمة الحالية غير المسبوقة في العلاقات الثنائية بين البلدين، هذا الأمر يستدعي إعادة تركيب صورة الحوادث التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة، والبداية مع قرار المغرب ترسيم حدوده البحرية على مستوى أقاليمه الجنوبية من خلال مسار قانوني بدأ سنة 2017 ليتوّج في كانون الثاني/ يناير 2020 بالمصادقة عليه بالإجماع في البرلمان المغربي بغرفتيه، وفي نيسان/ أبريل من السنة ذاتها سيؤشر العاهل المغربي على نشر النصوص القانونية ذات الصلة في الجريدة الرسمية، سنة 2017 ستعرف استكشاف جبل “تروبيك” البركاني قبالة الأقاليم الجنوبية للمغرب وضمن المياه التي تخضع لولايته، ويتوفر على معادن نادرة، ومنها المعادن الأساسية التي ستحكم الاقتصاد العالمي مستقبلاً، خاصة تلك المرتبطة بصناعة السيارات الكهربائية واللوحات الشمسية في إطار الاقتصاد الجديد ما بعد الطاقة الأحفورية، هذه المعادن تمثل اليوم وفي المستقبل، عنصراً رئيسياً في الصراعات حول أسواق الطاقة الجديدة، وحول السلع التي تتطلب بطاريات تعتمد على الطاقة وتخزين الطاقة الكهربائية، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن الجبل البركاني “تروبيك” الذي يدخل ضمن السيادة المغربية، يتوفر على احتياطات من الليتيوم تفوق 50 ألف مرة ما هو موجود في باقي أنحاء العالم، بحيث تقدر الكميات المتوقعة بـ6 آلاف طن وكميات من الكوبالت تمثل 25 في المئة مما اكتُشف على سطح الأرض إلى اليوم.
رد الفعل الإسباني على القرار السيادي للمغرب بخصوص ترسيم الحدود البحرية لم يتأخر، فقد بادرت مدريد إلى نهاية كانون الأول / ديسمبر 2019 الى نشر مقاتلات f18 قبالة سواحل جزر الكناري بمحادات جبل “تروبيك” كرسالة للمغرب، في المقابل كانت وزير الخارجية الإسبانية قد غردت على حسابها في “تويتر” قائلة إن ترسيم الحدود البحرية يجب أن يتم وفق اتفاق بين المغرب وإسبانيا على المناطق التي يمكن أن ينشأ اختلاف بشأنها، وذلك عبر اتفاق ثنائي يتماشى مع القانون الدولي، وما لم تقله صراحة لايا يتعلق بجبل “تروبيك” على وجه التحديد، ستتسارع الحوادث بعد ذلك وستعرف منعطفاً أكبر مع الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، وبالنتيجة على جبل “تروبيك” الذي يدخل ضمن حدوده البحرية، هذا الوضع دفع مدريد إلى حد مطالبة واشنطن بمراجعة قرارها، كما أن ذلك القرار الأميركي يظهر الطبيعة الاستراتيجية للمغرب في رؤية الولايات المتحدة الأميركية للمستقبل، بحيث تحوّل المغرب إلى نقطة تماس بين المصالح الأوروبية والأميركية حول مستقبل الصناعات المرتبطة بالطاقة غير الأحفورية.
الخلاصة هي أن غياب أرنشا غونزاليس لايا عن الخارجية الإسبانية، وتوزيع الوزير الجديد لعبارات المديح عن الرباط، قد لا يغيران طبيعة الأزمة الحقيقية التي لم يشكل فيها استقبال زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي بهوية جزائرية مزورة، سوى النقطة التي أفاضت الكأس، الحاجة إذا تتطلب وضوحاً إسبانياً بخصوص السيادة المغربية على الصحراء وبصفة نهائية، قبل البدء في أي حديث عن المصالح التي يمكن أن توجد لها حلول ثنائية بين البلدين، غير ذلك ستستمر الأزمة إلى أمد غير منظور، ويبدو أن الرباط قد استعدت لذلك بما يكفي.