على مشارف الحياة المغربية (1950م) (ج5)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تعليم الشباب
دعونا لا ننظر لكبار السن، بل هيا ننظر للشباب الصاعد، حيث ستأخذ مسألة التفاهم المتبادل بعدا جديدا تماما، وأمر ذلك متروك لنا لتدبير حله بأريحية على كل حال، وهو ما يمكن تسميته بالتزاوج الفرنسي المغربي.
القارئ يود في هذا الصدد -السماح لأنفسنا- بالصراحة اللازمة في نقد مواقفنا، وهو سلوك في مجمله شديد الأهمية، لذا نخشى أن نكون جد مترددين في الإجابة عنه، لكنه لن يكون كذلك بالنسبة للأطفال الملتحقين بالمدرسة الآن، سواء كانوا مغاربة أو فرنسيين، بحكم أنه سيكون لهم أسباب أقل من الكبار اليوم لتجاهل بعضهم البعض، وأعذارا أقل إذا أساؤوا معاملة بعضهم البعض:
سيجدون في الواقع عندما يصيرون رجالا، بلدا مستقرا فيه تنمية اقتصادية كاملة، استقرار سياسي تام، سيجعلهم ينسون صراعات البداية.
من الضروري أن يكونوا قد تلقوا في المدرسة بعض التعليم الذي يهيئهم للتلاؤم، ويؤهلهم للتعاون المستقبلي.
المدرسة الإسلامية الفرنكومغربية حسب وجهة نظر، لا تلعب دورا آخر غير دور التقريب بين الشعبين اللذين يعيشان الآن معا في المغرب، سواء كان تعليم الأطفال اللغة الفرنسية أو الحساب، أو المعرفة المعتادة فهي تسعى في كل الأوقات لجعل طلابها يفهمون الحضارة الغربية، وإعدادهم لمشاركة أكثر حميمية في عمل الغد.
المدرسة الفرنسية تحافظ على تلاميذها في ثقافة الأم، وتعكس المتربول قدر الإمكان لأن تلك هي مهمتها الأساسية، ومع ذلك لا ينبغي لها أن تنسى التحدث عن المغاربة لتلامذتها وكذا عن الواجبات الاجتماعية التي نتجت عن تجاور شعبين مختلفين داخل نفس الحدود، وهذا شيء أكثر من مهم، لأن أطفالنا يميلون غريزيا لتجاهل الأهالي، إنهم يشعرون أكثر من نظرائهم في فرنسا بانتمائهم لعرق قوي، حيوي، يخلق وينظم ويوجه ويصدر الأوامر، إنهم بسذاجة فخورون بذلك على الرغم من أنهم لا يصنفون أنفسهم من النخبة، بل من الأرستقراطيين، لا يشتغلون في الأقسام كما يجب، ويُعَلِّمون المغاربة برحابة صدر، مشاعر مفتقرة للسخاء والكرم.
يمكننا بالتالي إبعادهم عن هذه المشاعر، إذا كان مما لا شك فيه أن التربية الأخلاقية التي يتلقونها في المدرسة والمنزل تلزمهم بالاحترام الدائم للإنسان بدون تمييز عرقي، فبالإمكان إبعادهم عن تلك المشاعر العدائية السالف ذكرها وقيادتهم بالأفعال أكثر من الأقوال للتفكير في المغاربة الذين يحتكون بهم بشكل أفضل.
الحقائق المعروفة للأطفال والمراهقين، كأحداث الشارع، يجب أن تشكل تجسيدا متجددا لاستمرار المبادئ المعلنة في دروس الأخلاق المدرسية والمحادثات العائلية
لكن هذا لا يكفي: فالمشاعر الأخلاقية لا بد لها كي تستقر وترسخ، من أن تدعم بمعطيات ثقافية، مما يعني القول هنا بأن التقدير بالنسبة للمغاربة لا يتولد وينشأ ويدوم ويستمر، إلا مع معرفة حقيقية قدر الإمكان بنوع الحياة العائلية والاجتماعية.
من أجل الاستجابة لهذه الضرورة نظمت مديرية التعليم العمومي منذ بضع سنين في الليسيات والكوليجات دروسا وندوات تستهدف الحضارة الإسلامية عامة وجانبها المغربي على الخصوص “نهنئها بحرارة على ذلك”، بيد أنه لا ينبغي للمستمعين اعتبار هذا التعليم فرعا جديدا من برامج الدراسة، أو أحد (الموضوعات) العديدة التي نتعلمها في الليسي، والتي نسارع لنسيانها بمجرد ما نغادره:
المحاولة الناجحة من قبل مديرية التعليم العام، لا يمكن اعتبارها إلا بداية لعمل أوسع وأعمق، نتمنى كل يوم أن يدعى الطفل الأوربي لفهم المغربي في الدروس المقترحة عليه: ستكون هذه أفضل طريقة لمكافحة اللامبالاة المذهلة تجاه الأهلي الذي لا يميل إليه بشكل طبيعي مقتديا بالكبار.
سوف نولي اهتماما كبيرا لتعليمنا الابتدائي والثانوي بتعليم أبنائنا مراقبة المغربي، أليست المقارنة المستمرة بين طرق الحياة المختلفة هي أفضل رقية لتنمية عقول الشباب؟ وعندما تتاح الفرصة في أي وقت لمراقبة هذه الاختلافات في الحياة بشكل مباشر.
ألا يكون خطأ تربويا كبيرا عندما لا نسمح لتلاميذنا بانتهازها؟ علاوة على ذلك لا يجب ملاحظة الاختلافات فقط، هناك أوجه تشابه خفية لحد ما يستوجب الكشف عنها تأخير التطورات والعودة للماضي لمنح تعليمنا ثراء وحياة لا مثيل لهما، الكبار من جانبهم يمكن أن يعلموا أنفسهم مثل هذا الجزء المعرفي كمحاولة للاستكشاف وتنمية روح الملاحظة؛ يرى البعض نفسه مضطرا من قبل عمله.
هيا بنا لتدبير فائدة المؤسسات والناس ونقارنها بما في البلدان الأخرى واحدة بعد الأخرى فنحصل على تقييم نوعي وأيضا شخصية لا تعرف النكران والجحود.
لكن أليس من المفارقات أن أبناءنا بالمستعمرات محرومون بسبب الإهمال في المدرسة من المميزات التي تقدم لتكوين عقليتهم وتنمية عقليتهم باستحضار حضارة أجنبية لهم؟
الأمثلة كثيرة التي تبين السهولة الممكن من خلالها دمج المعرفة المغربية في المقررات التعليمية اليومية لأطفالنا دون تشويش على المناهج الموقرة، فلا يكاد يوجد درس لا يسمح فيه بإشارة للحضارة المادية أو الأخلاقية لمحميينا.
لقد طال أمد العصور الوسطى هنا في العديد من الجوانب، الفنون اليدوية ما تزال في بساطتها البدائية، والأحكام المسبقة الغافية في ضمائرنا تظهر هنا بدون حجاب.
من الممكن التفكير في أن أبناءنا إذا ما دفعوا لما سلف شرحه، سيزول اعتبارهم المغاربة مغايرين لهم، وبالتالي يعاملونهم بما يستحقون.
يبدو ذلك عند المعمرين والإداريين النازلين في لبلاد حيث أقاموا مع الأهالي علاقات عادية.
العلاقات العادية: المثل يقول حدد الهدف الذي يجب أن تتجه إليه كل النوايا الحسنة.
يجب معرفة أن صعوبة إقامة العلاقات ناجمة عن كون الشعبين الموجودين على نفس الأرض لا يمتلكان نفس المثل العليا، ولا نفس العقلية، ولا نفس عادات الحياة، لذلك من الضروري عدم الدفع نحو تفاقم الخلافات المتعددة التي تفصل بين الفرنسيين والمغاربة من خلال التحيزات العرقية، بل العكس هو ما يجب القيام به، إذ من المستحسن التخفيف من حدتها بسلوك مسالك الاحترام الواجب للناس جميعا، والتصرف معهم كما لو كانوا مواطنين.
المغربي شكلي للغاية، إنه حساس للإجراءات الجيدة، وهو قلق على كرامته.
من خلال أخذ هذه الخصائص الثلاث في الاعتبار، والمحافظة على اهتمامنا الدائم بكرامتنا كشعب فرنسي، سنكسب ثقة المغربي بسرعة وربما صداقته.
دعونا لا ننسى المثل العربي: “جرح الحديد يداوى، وجرح اللسان لا يداوى”.
ص182-188 في: au seuil de la vie marocaine لـ:لويس برينو1950.