على مشارف الدخول المدرسي
هوية بريس – د.كريمة رحالي
اقترب موعد الدخول المدرسي وأصبحت العطلة على مشارف النهاية، وهذه العطلة تحتاج إلى نقاش طويل واسترجاع مواصفاتها الحقيقية.
كانت الأطر التربوية تنتظر الموسم الجديد بشغف وشوق، لكن اليوم افتقدت تلك المشاعر لعوامل كثيرة والحديث فيها ذو شجون.
وما سأركز عليه في طرحي هذا، هومشكل اتساع الهوة بين الجيل المدرس والجيل المتعلم في غياب أرضية الاشتغال بالطرق الحديثة الجاذبة لانتباه أبناء هذا العصر، أبناء الثورة التكنولوجية.
لم تعد المعلومة هاجسهم فهي كما قال الجاحظ مطروحة على قارعة الطريق، إذ نحن أمام جيل يعيش الجفاء العاطفي يريد الربح السريع وبطرق ملتوية وله براكماتيكية خاصة به لا يتقيد بقوانينها الأصلية ويعيش صراعا وهميا مع الوقت والمال، صراع لايبذل فيه جهدا وإن بذله كان في الخط المخالف الذي مشى عليه الجيل السابق وغالبا ما تكون أهدافه مشبوهة، وهذا لا يعني أنه يجب اتباع السلف في خططه وأحلامه ولكن يشترط في ذلك الرصانة والجدية.
لا ننكر أن هناك من أحسن التفاعل مع خصوصية عصره ومستجداته وسار على درب النجاح ولكن هناك من يريد أن يسير على هذا الدرب واختار طرائق لا تثمن هذا النجاح والدليل على ذلك أنهم أخفقوا في الأسلاك العليا بل غادروها في أول سنة منها .
لقد أصبح هاجس من له غيرة على أبناء هذا الوطن البحث عن سبل جديدة لممارسة هذه المهنة الشريفة لصنع جيل ناجح ليس في دراسته فحسب بل في تكوينه الشخصي، وهذا هو مربض الفرس في هذه القضية وخاصة ونحن أمام جيل عنيد ومتمرد ومنساق إلى ما هو خارجي المليء باللغة الفضفاضة غير المجدية والمحفزة على السلبية والمؤدية إلى مدينة الفشل العامرة بظواهر مبيدة للإنسانية المتوازنة في واقع غلب فيه الزيف على الحقيقة وطغى فيه الفرع على الأصل وسيطر فيه الجاهل على العالم وانتشرت فيه رائحة نتونة الفساد بمختلف أشكاله.
كيف يمكن أن نمرر خطابات لها عمق فلسفي وفكري لجيل رافض للتفكير ؟ كيف نمرر قيما لجيل فارغ من المشاعر ؟ وسأقف عند كلمة المشاعر وأراها العصا السحرية التي يجب أن تكون الوسيلة التعليمية الأساس في البيداغوجية الحديثة، بيداغوجية الثورة التقنية.
هذه الوسيلة كانت موجودة ولكن كانت موازية لبيداغوجية المعرفة، واليوم المعرفة هي التي يجب أن تكون موازية لبيداغوجية المشاعر .
فبالمشاعر سنعيد القيم والتحصيل المعرفي ونستطيع تحقيق التأثير، وخير مثال على ذلك صور المشاعر التي رأيناها في ملاعب الرياضة والأثر الذي أحدثته.
هكذا يجب أن تعاد هذه الصور إلى ملاعب التعليم والتي كان لها السبق في ذلك وعلينا أن نستعيد مدرسة التواصل والتفاعل ومدرسة الحب الذي هو غريزة فطرية فينا وهي المادة الخام التي يجب أن نشتغل عليها ونحولها إلى منتج يلقى إقبالا ويدر علينا بربح ثورة بشرية مبدعة وفاعلة في جميع الميادين.
نحلم بكثرة فرسان العلم يركضون بأخيلتهم ويرفعون أعلام المعرفة في ساحة التقدم والازدهار حيث تتحقق العدالة الاجتماعية والإنسانية وتنتشر قيم الكرامة والحرية وعمليات الإنتاج والإبداع.
يحتاج الأستاذ إلى حب والتلميذ كذلك وكل هيئات التدريس وأطرها يحتاجون إلى هذه العاطفة، والإنسان بشكل عام يرغب في من يربت على كتفه بلمسة حنان وباعتراف ينسيه الهم والعجز ويرفع عنه الخمول والكسل ويستنهضه للعمل والبذل ليحس بوجوده وينال الاحترام والتقدير في زمن أصبح يربت فيه على كتف فئة دون أخرى بعيدا عن التعصب والتمييز.
لهذا وجب إعادة النظر في المنظومة التربوية وإعادة الاعتبار لها بتوفير الشروط المناسبة وتكاثف الجهود وتحقيق التشارك في التخطيط والإنجاز لكي لا يكون العبء على الأستاذ الذي يتقدم الجميع في ساحة النضال، النضال من أجل إنقاذ أبناء هذا الوطن العزيز والأخذ بهم إلى بر المعرفة التي تعد أقوى سلاح العصر وذلك لنكون مجتمع القيم ومجتمع المعرفة بامتياز.