على هامش الحراسة
هوية بريس – لطيفة أسير
تعتبر مهمة الحراسة من التكليفات الثقيلة على نفس المدرس، بسبب رتابتها وما بات يكتنفها من مخاطر أضحت تهدد حياة الأستاذ، في غياب الحماية الأمنية، خاصة بمؤسسات الثانوي الإعدادي. لكنها أمر واجب لا محيد عنه، وقد عنّ لي -بعد مرورها بسلام- تسجيل بعض الملاحظات على هامشها:
* محاولات الغش في الامتحانات باتت طقسا مألوفا في كل المؤسسات التعليمية، وشر البلاء أن يجتمع أرباب السوابق في قسم واحد، والأشر منه أن تبتلى بمن لا يشاطرك هوس المسؤولية، فتبقى في صراع مرير مع بؤر التوتر في القسم، غير قادر على التغاضي عنها مثل رفيقك في الحراسة، لأنك تستحضر أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقك.
* في ظل حالة الاستهتار واللامبالاة التي يحياها الكثير من تلامذتنا اليوم، أضحى الأستاذ مكلفا بمهمة أخرى أثناء الحراسة، مهمة قد تكون تطوعية إنسانية، لكنه لا يجد حيلة ولا سبيلا للتملص منها، مهمة تشبه ما يقوم به النادل بالمقهى (ها اللي باغي بلونكو، ها اللي باغي قلم الرصاص، ها اللي خاصو آلة حاسبة…).
* ما يثير اشمئزازي ويجعلني أتمزق ألما وغيظا، هندام بعض التلاميذ والتلميذات أثناء الاختبار، والذي يكاد يشعرك بالإحباط، فوضى عارمة تعكس أزمة القيم والأخلاق التي ترزح تحت وطأتها ناشئتنا. شباب يأتون بسراويل قصيرة ممزقة، وقصّات شعر كأنها رؤوس الشياطين، فتيات حريصات على الظهور في أبهى حلة وكأنهن مدعوات لقاعة الأفراح!!
* بعض التلاميذ تصيبه عدوى المراقبة، فتجده يراقب حركاتك وسكناتك، منتظرا غفلاتك وانشغالك بأمر ما، لاقتناص جواب من هنا أو هناك، والمؤسف تلك الوقاحة التي يتمتّع بها بعضهم، فكلما أمعنت النظر إليه، كلما أمعن النظر إليك بالمقابل، لا يكاد يرف له جفن، ولا يشعر بأدنى خجل من نظرك إليه، وحين يشعر بحصارك له، يردد تلك الأسطوانة المشروخة (راه عامي الاخر هذا)، يعني لا داعي أن تستميت في مراقبتي ودعني أبحث عن سبيل للنجاح حتى ولو أتيتُ الامتحان خاوي الوفاض إلا من هذه الأحراز البئيسة.
* الذي لا أكاد أفهمه تجمهر الأمهات دون الآباء أمام باب المؤسسة، وهي عادة مألوفة في الأقسام الابتدائية، لكني لا أجد لها مسوّغا في الإعدادي بله الثانوي!!!
فقبل الولوج لباب المؤسسة -التي أنت ضيف عليها- لا بد أن تمر بتجمعات هؤلاء النسوة، وتحت أنظارهن التي تتفحصّك سريعا طولا وعرضا، ولسان حالهن (دعوا أولادنا ينجحوا.. دعوهم يمارسوا حقهم في الغش)!!
ومن لطيف ما صادفني في اليوم الثاني، دردشة بين النسوة قفز إلى سمعي منها قول إحداهن: (الأساتذة لبارح ما حَنّوش فيهم)، وهو تعبير يُصور نظرة هؤلاء الأمهات للأستاذ وكأنه صخرة صماء لا تلين، إنسان نَزعت منه الحراسة كل ذرات الشفقة!!!
يبقى في الأخير أن أنوه بالتلاميذ النجباء الذين يحرصون على الأخذ بالأسباب، والانضباط التام في القسم، وأتمنى لهم حظا موفقا في امتحانات هذه السنة.
ولمن تخاذل وتقاعس أسأل الله تعالى أن يصلح حاله ويهديه سبيل الرشاد.
وللآباء والأمهات أقول: معذرة فنحن لا نقوم إلا بواجبنا، فهلاّ أديتهم أنتم كذلك بعضا من واجباتكم!!
!!!!!BRAVO