على هامش النقاش الدائر حول “تعديلات مدونة الأسرة”

02 يناير 2025 00:24

هوية بريس – د.فؤاد هراجة

من الطُّرَفِ التي تُرْوَى على قبيلة بني حسان في شمال المغرب أن أهلها زرعوا سمك السردين ومكثوا ينتظرون خروج شَطئِه حتى يستغلظ ويستوي على سُوقِه فيحصدونه. ذكرتني هذه الطُّرفَةُ بالسلطة الحاكمة في المغرب التي تحاول عبثا أن توهم المغاربة بأن حلول الفقر والبطالة والأمية والهشاشة واللامساواة…، توجد داخل الأسرة. على ذلك، وفي مقاربة سوسيوتشريعية غير مسبوقة في التاريخ تعرض علينا السلطة الحاكمة تعديلات في مدونة الأسرة(وليس مدونة الدستور أو مدونة الشغل أو مدونة القضاء…) موهمة إيانا أنها ستعيد التوازن بين الذكور والإناث في توزيع الثروة.

ففي مجتمع ينخره الفقر، وتصل فيه البطالة 23٪، وتقطن فيه 4 مليون أسرة في شقة من غرفتين أو غرفة حسب الإحصائيات الأخيرة، معظمهم في حالة كراء. في هذه الأرضية الاجتماعية المنخورة والمتصحرة والقاحلة والجافة، تغرس السلطة المغربية تعديلات مدونة الأسرة، تماما كما غرس بنو حسان سمك السردين على أرضهم، لتنتظر هذه السلطة عبثا يوم حصاد الرفاه والمساواة والاستقرار داخل الأسرة المغربية (هذا إن كانت أصلا تقصد ذلك).

إن المتتبع لحالة المرأة في المغرب سيستنتج أن السلطات المغربية لا ترى حقوق المرأة إلا في حالتين: الطلاق أو وفاة الزوج، أما خارج هذا المجال، فالسلطة المغربية تصاب بالعمى الحقوقي، وكأني بهذه السلطة تضع نظارات progressive لا ترى إلا المطلقة(قربا) والأرملة(بعدا). غير ذلك، فالمرأة تُسْحَلُ في المسيرات وتجر إلى مخافر الشرطة، والمرأة تعتقل من أجل رأيها ومواقفها السياسية، والمرأة تطرد من المعامل والمصانع والشركات والمؤسسات “بلا فل ولا حمص”، والمرأة المساعدة تهان وتبتذل في البيوت وتمارس عليها كل أشكال الاستعباد، والمرأة تضطر للهجرة من القرية لانعدام شروط العيش فتتحول إلى متسولة في الشوارع، والمرأة أيضا في أحزمة الفقر لا تجد إلا جسدها تعرضه لتكفل أبا مريضا وأما عاجزة وذكورا شاخوا بطالة تحت كوخ قصديري، والأنثى كذلك تلك التي تغامر بروحها وتمتطي قوارب الموت طفلة وشابة وكهلة وحتى عجوزا للأسف الشديد! والمرأة التي تحاصرها الجغرافيا والثلوج و الأمطار فتلد أو تموت في الطريق ولا تجد مستوصفا أو سيارة إسعاف أو مصلة عند لدغ عقرب…!

كل هؤلاء النساء وغيرهن كثير، ولكن السلطة المغربية لا ترى المرأة إلا مطلقة أو أرملة، لذلك فقد أمَّنتْ لها التشريعات والقوانين التي تضمن لها انتقال الثروة حتى لا يبقى المال دُولَة بين الذكور؛ في مغرب ينعم كل ذكوره بمناصب عمل قارة وبرواتب لائقة، ومراكب مريحة ومساكن واسعة…، منتهى السخرية السوداء!

إن ما يزيدنا ألما في موضوع تعديل المدونة ترديد مبرر الالتزامات الدولية، وكأن الدولة قد أخلت ذمتها من التزاماتها مع مواطنيها، ولم يبق لها سوى الوفاء بالمواثيق والعهود الدولية.

وجملة القول، إن تعديلات مدونة الأسرة هي بمثابة السمكة المراد زرعها في الأرض وانتظار يوم حصادها، وأن المرأة في نظر السلطة المغربية هي المطلقة والأرملة، وأن حقوق المرأة لا وجود لها وهي متزوجة وعاملة وموظفة وطالبة، فما عليها إلا أن تناضل من أجل طلاقها أو تتزوج من يضاعفها أضعافا سنا إن كان ميسورا وتدعو الله أن يعجل بموته، وإلا فإن معظم الأسر في المغرب تتقاسم الفقر بالعدل والمساواة.

وختاما فإن قبيلة بني حسان في شمال المغرب لم يكن أهلها بلداء كما صورت ذلك الحكايات بل إن أهلها سبقوا زمانهم فلاحيا واهتدوا إلى تسميد أراضيهم بالأسماك حتى تكون التربة خصبة وغنية العطاء، ولعله نفس هدف السلطات المغربية التي تحاول تسميد مواطن الاختلاف بين الفرقاء السياسيين وخاصة المعارضة حتى تزداد الفرقة بينهم ويتسنى لها تمرير عدة مشاريع منها مشروع الإضراب والتقاعد، وحتى تغطي على عدة إخفاقات وعدة فضائح حكومية وآخرها صفقة تحلية المياه، وحتى تلهي الرأي العام عما يدور حوله إقليميا دوليا من تغيرات. ناهيك أن هذه التعديلات تقوم كالسمك بتسميد العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية لضخ المزيد من الديون، وتطمئنهم أنها قد تأهلت لتطبيق الجيل الجديد من مدونات الأسرة المتعلق بتقنين الشذوذ وألوان قوس قزح.

ومع كل ما ذكرناه، فهو لا ينفي البتة أن المرأة عانت ولا زالت تاريخيا من مظلومية كبيرة لا سبيل لتجاوزها إلا بمشروع مجتمعي عادل وشامل يعيد وضع المرأة فى المقام الذي يليق بها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M