على هامش دعوة حزب الاتحاد الاشتراكي لبناء جبهة معارضة موسعة
هوية بريس – ذ. بادرة محمد
دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الآونة الاخيرة الى بناء جبهة معارضة موسعة ومنفتحة على كل القوى الحية من قوى اليسار وكل الديموقراطيين وممثلي النقابات وطالب المكتب السياسي للحزب بتعزيز البناء الديموقراطي وتقوية الجبهة الداخلية التي تفرضها التحديات التي تواجهها البلاد داخليا وخارجيا.
وبرر المكتب السياسي دعوته في دفاعه على ضرورة تشكيل جبهة المعارضة الموسعة بعد ان استشعر حزب القوات الشعبية ان هناك ازمة قد تزيد من تقويض المؤسسات الدستورية (وفي تعميق الفجوة وعدم الثقة بينها وبين المواطن).
إن الدعوة الى بناء جبهة معارضة موسعة ومنفتحة يراها حزب القوات الشعبية فكرة ولدت من ضخامة التحديات التي يواجهها الوطن والمجتمع لكن مع هذا الوعي بان هذه الدعوة يمكن ان تكون نقطة البدء الا انه تطرح تساؤلات عديدة عن تشكيل جبهة للمعارضة تتم بطريقة (فوقية) قد لا تبنى على مبدا ديموقراطية اتخاذ القرار داخل التنظيمات الحزبية والنقابية التي يعنيها امر تشكيل هذه الجبهة من مبدا الاحتكام الى راي القواعد الحزبية وليس تزكية من القيادات فحسب؟
وهل استحضر حزب القوات الشعبية صاحب المبادرة فكرة الجبهة الموحدة للمعارضة عن تجارب فشل صيغ “وحدوية” للتكتلات والكتل والجبهات والائتلافات الحزبية في الماضي؟
أم إن أولى الأوليات في العمل الحزبي والنقابي في المرحلة الحالية هو توسيع امتدادها ونفودها عبر ازدياد عدد افرادها من القوى المجتمعية والسياسية صاحبة المصلحة في التغيير والتخلص من الفقر والفساد والظلم الاجتماعي؟
هل يمكن لأحزابنا الوطنية في وضعها الحالي المهترئ والمريض والمستنكفة عن الاحتكام للديموقراطية الداخلية ان تبني جبهة قوية لصد القرارات الاجتماعية والاقتصادية اللاشعبية والسياسات التفقيرية للحكومة الحالية؟
إن تأسيس جبهة وطنية للمعارضة هو اولا طموح جماهيري ولا يمكن لأي قوة سياسية وحزبية ومجتمعية تقدمية ان تقف منه موقفا سلبيا، لكن في ظل الضعف البين للأحزاب وهشاشة هياكلها التنظيمية ومحدودية صنع قراراتها (الفوقية) وغياب الحكامة الجيدة في تدبير شؤونها والطابع النخبوي لقياداتها تسائل المرء كيف يمكن لها صياغة وتشكيل فلسفة العمل الوحدوي داخل الجبهة الموحدة تكون مغايرة عن الطرق والوسائل التي اتبعت في النماذج “الوحدوية “السابقة – الفاشلة ؟
إن الوعي بهذه الاستراتيجية المقترحة لا يجب ان تكون مجرد امال تسبح في هواء الفكر بل يجب ان تكون تصوراتها ممكنة وتحقيقها ممكن لكن الشروط الاساسية لتحقيق هذا الطموح الجماهيري عليه ان يتأسس على معطيات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وعلى اسس تدعم هذه الجبهة الموحدة وان لا يكون هاجسه الاساسي هو الظفر بالمقاعد البرلمانية او المناصب الحكومية وان تتقاسم هذه القوى وحدة المرجعية ووحدة البرنامج السياسي المرحلي ووحدة الرؤية الاستراتيجية وقبل هذا وذاك ان تسعى الى اصلاح سياسي شامل .
ان جوهر الازمة في مجتمعنا هي ازمة الاصلاح السياسي بكل عناصرها وهي علامة مميزة كبرى لمجتمعنا المعاصر. فالبلاد في حاجة الى اصلاح سياسي جذري وعميق يصب في اتجاه تحقيق الديموقراطية في المجتمع كمشروع سياسي يؤسس لدولة القانون ودولة المؤسسات وتحقيق ديموقراطية في السلطة عن طريق تداولها السلمي بين كل المكونات السياسية والمجتمعية ليتحقق الانسجام بين الغالبية المجتمعية والاغلبية السياسية (عوض ضبابية واشكالية مفهوم “الاغلبية” كما هي تمارس وتفهم في مجتمعنا حيث يتم الخلط بين الغالبية المجتمعية والاغلبية السياسية !!) كما ان الاصلاح السياسي المنشود يتطلب سندا دستوريا يمنح للأحزاب سلطة القرار في تدبير سياسة البلاد والطموح الى مزاولة السلطة وليس فقط الاكتفاء بالأدوار التي ترسم له داخل النسق السياسي .. بل احزاب سياسية قوية تتوفر على امكانية الوصول الى السلطة لتطبيق برامجها التي حازت على رضى الناخبين.
لذا فمفهوم الاصلاح السياسي لا يمكن ان يختزل –فقط- في اصلاح قانون الاحزاب او في حملها على الدخول في تقاطبات او تحالفات مرحلية لتأخذ بزمام المسؤولية الحكومية ذلك ان الاختلالات الدستورية والسياسية هي من العمق بحيث يعد الاصلاح الدستوري بمثابة الحد الادنى الضروري الذي يجب ان تنطلق منه كل عملية للإصلاح السياسي لان الدستور هو العقد الاجتماعي الذي ينشئ الركن الاساسي للدولة الا وهو السلطة السياسية ويحدد شكل الدولة وسلطاتها وطرق العمل وعلاقاتها فيما بينها. (قاشي م الكبير)
ان قانون الاحزاب المغربي قد يكون ساهم في اصلاح بعض الثغرات في الممارسة الحزبية لكنه لم يقد الى تغيير جدري في المشهد الحزبي ولم يطور من قدرات الاحزاب والتشكيلات السياسية لأنه محكوم “بالهولوكوست” الديموقراطي الذي يعترض على الاليات الديموقراطية في تدبير الامور الخلافية في سياق الحفاظ على الاستمرارية ومنع التداول الفعلي على القيادة الحزبية وهو ما يطرح اشكالية تجديد وتشبيب النخب السياسية داخل احزابنا الوطنية وعجزها عن مواكبة التحولات المجتمعية.
ان الازمة الراهنة لأحزابنا السياسية ليست ازمة ظرفية بل هي ازمة هيكلية مرتبطة بطبيعة النسق السياسي المغربي حيث تكتفي الاحزاب بالمنافسة على تقلد المناصب الحكومية ويكتفي قادتها ومن دونهم بالوظائف الادارية السامية والدانية مع اداء الادوار المطلوبة في المؤسسات التمثيلية (اغلبية – معارضة) بدل التنافس الديموقراطي من اجل الوصول الى السلطة او على الاقل المشاركة في ممارستها، كما ان ضعفها واهتراؤها يعود لتفريطها في التنظيم او في تقوية امتداداته الاجتماعية وعلاقاته بقوى المجتمع المدني والسياسي وباقي الشركاء واستبداله بمراهنتها على السلطة والمال والجاه والنفوذ والانتماء القبلي والاسري في كسب المقاعد البرلمانية مما حول مكاتبها الحزبية الى مراكز النداء للتصويت على مرشحيها في الدوائر الانتخابية اكثر من تعويلها على اجتياف المطالب الاجتماعية وتكثيفها سياسيا وتنويع صيغ مبادراتها لتكون قوة دفع ديموقراطي حقيقي.
ان ما اصاب الاحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات الاجتماعية من التفكك والتراجع لهي كثيرة وخطيرة: من التقلص التدريجي في قاعدتها الجماهيرية الى صيرورتها لاحزاب نخب ثقافية او نخب مالية – ريعية الى تضخم البيروقراطية في علاقاتها التنظيمية الى دخولها في لعبة المحاور المصالحية الى مشاركة بعض فرقائها في افساد علاقات التمثيل السياسي بقبولها اقتسام حصص التمثيل في المناصب الحكومية الى تعطيل نشاطها النضالي الجماهيري وتحول مبادراتها السياسية الى مبادرات شخصية في غياب استشارة القواعد الحزبية… والنتيجة ان المناضلين والمنخرطين وكافة افراد الشعب بدأوا يفقدون تماما ثقتهم في العمل الحزبي هذا الذي اصبح – في رايه- مجالا لاستثمار النفود وتنمية المصالح الشخصية وهكذا كان العزوف الشعبي عن السياسة (بمعناها التنظيمي)هو سيد الموقف في الساحة السياسية والتنظيمية.
هذا التراجع وهذا الاخفاق يصب موضوعيا في تعزيز موقع الاحزاب الاخرى الادارية او الريعية في المعادلات السياسية الداخلية بحيث باتت اكثر قدرة على اتخاد سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية متعارضة مع مواقف الاحزاب الوطنية وحتى دون حساب لمواقف سياسية رادعة.
لذا فان المطلب الاساسي للمرحلة هو اصلاح سياسي ومؤسسي يوسع الحريات ويضمن استقلال القضاء وانفتاح وسائل الاعلام على قضايا المجتمع المصيرية كالبطالة والفساد والفقر وتقوية دور المجتمع المدني كقوة مضادة لمواجهة اي خرق قانوني او سياسي.. ان الاصلاح السياسي الشامل لا يختزل في اصلاح قانون الاحزاب او في اصلاح قانون الانتخابات او الاستمرار في اعادة تكرار نفس الواقع وممارسة السياسة من اجل السياسة فالأحزاب حين تمارس السياسة وتنخرط في العمل الحزبي فمن اجل المشاركة في الحكم وليس لإنتاج الشعارات (م الكبير القاشي)
ان الوطن اليوم في حاجة الى جبهة وطنية موسعة لتجديد وتحديد مسار التنمية الديموقراطية في بلادنا واعادة هيكلة الحقل السياسي وتخليقه وتأطير مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والرفع من مستوى وعيها السياسي والحقوقي واشعة ثقافة الديموقراطية والمشاركة السياسية. اننا في حاجة الى اصلاح سياسي حقيقي كفيل بتأهيل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى يصبح بلدنا قادرا على خلق قفزات نحو التطور والحداثة ونحو التنمية الشاملة.