عمليات التهدئة في الأطلس الصغير (1934م)

22 أكتوبر 2025 20:08

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

في مقال سابق، شرحنا بِنْيَة منطقة الأطلس الصغير، جنوب وادي سُوس؛ تغطي هذه المنطقة جزئيا، جبال شاهقة، يتراوح ارتفاعها بين 1.500 و2.500 متر، وتُطِلُّ على واديين صغيرين ساحليين يتدفقان فيها؛

بأقصى الشمال، يوجد وادي نازرولت، الذي يصب في البحر، تحت اسم وادي ماسَّة، بين أكادير وتزنيت.

وفي الجنوب، وادي نون، وهو أطول وأكثر أهمية، يشق مجراه في اتجاه من الشرق إلى الغرب، مع روافده المتجهة من الشمال للجنوب، شاقة طريقها نحو واد نون والصحراء.

وأخيرا بين واد ماسَّة وواد نُونْ، يوجد حوض صغير ساحلي، يخرج منه مدرَّج جبلي، تنفتح واجهته على الأطلنطـي. ذلك هو واد إفني، البلد المعمور من قبل كونفدرالية آيت باعمران، التي ارتبطت بمعاهدة 1904، و1912 مع إسبانيا، تحت مسمى “جَيْبُ إفني“.

في جنوب وادي نون تقع منطقة شبه صحراوية، بين وادي نون ودرعة، وهو منخفض صحراوي كبير، يشبه نهري زيز والساورة، يتدفق الماء من مجراه العلوي، ويروي واحات درعة: فزواطة، تيرناطة، الكتاوى ثم يختفي بعد المحاميد.

يهيمن على وادي درعة على مسافة من الجبال، جبل باني الذي يشكل تلالا متوازية، تنبع من أخاديدها أنهار تتيح للحياة بالظهور هناك، إنها واحات فُمُّ ازْكِيدْ، وأكَادير انْتِيسِّينْت، وطاطا، وآقَّا تِسْكي الحَرَاطِين-إيشْتْ وتَمَنَارْتْ.

تعتبر هذه النقط أقفالا طبيعية، تضع صعوبات أمام احتلال جبل باني، التي تم احتلالها من قبل ضباطنا في الاستعلامات، بمساعدة الكوم، ودعم طليعة مكونة من عناصر مزودة بسيارات، ومدفعية محمولة، وسيارات مدرعة خفيفة، وشاحنات لنقل المياه والوقود.

عنصر آخر من خيالة الكوم، ومهاريس اتوات الساورة مجتمعين تحت قيادة ليوطنا كولونيل كاسطي، بهدف الإنعطاف جنوبا، للسير على طول وادي درعة، من أجل مراقبة المعابر، وقطع طرق انسحاب المنشقين.

ا لـعـمـلـيـات:

في 15 يبراير تجمعت مجموعة كاترو ومجموعة جيرو، وفي 20 يبراير، انطلقت مجموعة جيراند من أطول طريق نحو الغرب -جنوب- غرب.

احتل الكولونيل اطرينكيط تباعا كُصُور تكَوِّنُ واحَات تيزْكي والحَراطِين-تادَاكُوسْت، وآيت-وابِيلَّا، على بعد 50 كلم من آقَّا، ثم بدأ العمل في شَقِّ مسلك طرقي على الفور.

تقدمت مجموعة جيرو في 24 يبراير نحو إخَتْ، ثم صَعِدت نحو أكِرْد حيث وصلت في 26 دجنبر.

في 27 يبراير، أعلنت مجموعة من الواحات جنوب وادي تمانارت، تقديم خضوعها، قايد تمنارت أقام منذ مدة علاقات مع المسؤولين في أكدير وتيزنيت، وصرح بدعم سلطتنا.

بين 28 وفاتح مارس، وصلت مجموعة جيرو إلى منطقة آيت حربيل، في تيمولاي عند منابع وادي اسْعَيْدا (نون) وتابعت سيرها مع هذا الواد، وفي 28 وصلت تارْجيغْت، مجموعة أخرى من الواحات المهمة تعمُرُها آيت ابراهيم، (تكنة) حيث تواصلت مع هذا الاتحاد، الذي يعتبر تجمُّعا من كبار تجمعات الرحل الذين يسكنون ما بين واد نون ودرعة.

في 3 مارس، وصل الكولونيل اتْرُنكِيت، مشكلا طليعة جيرو، إلى ملتقى وادي أُفران، وفي 4 مارس احتل واحة فاسْك.

الجنرال جيرو شكل على يساره بقيادة ليوطنا كولونيل كاسطي، حرسا جانبيا، مكونا من فرسا الكوم، ومهاريس قدموا من الساورة وتابلْبالة، هذه المجموعة اجتمعت في غيشْت، وتوجهت نحو واحة أسَّا، واعْويْنت آيت أُسا.

يوم 2 مارس واصلت تقدمها السريع غربا لحماية مجموعة جيرو-اتْرِنْكِيتْ الرئيسية، التي كانت تهدف في في كل تَوَغُّلاتها بِتَكْنَة، إلى عرقلة حركة رحل جنوب درعة، ومنع آيت حمُّو، آيت خبَّاش، من الاختباء في منطقة الحماية الإسبانية جنوب واد درعة.

وصل ليوطنا كولونيل كاسطي في 8 مارس إلى ميكْتَ شُمَامْ على بعد قصير من مصَبِّ وادي درعة.

لنعد إلى المجموعة الشمالية.

تركنا الجنرال كَاتْرُو مع مجموعته المجتمعة في تزنيت،

والتي غادرها في 20 مارس متوجها لأكدير بُو آدَم، لقد سبق أن وصفت لكم هذه المنطقة كما تبدو من تزنيت، آزْغار تيزنيت يتشكل من كتلة صخرية مربعة تسمى جبل إنطِرْ، يدخلها خليجان عميقان يدخلان في الكتلة الصخرية: في الشرق إحداها هي تالانت ميغيرت، وفي الغرب أخرى هي بوُنَعمَان تيزي، وبهما طريقان يؤديان إلى الهضبة، طريق؛ ميغيرت شرقا تم استصلاحه فورا تحت متابعة كُلُونْ كابْرُو، في حين أن مجموعة أخرى تحت قيادة الكولونيل تيكْسيرْ ستأخد الطريق الغربي؛ الطريق الذي سلكه كُلُون الجنرال دِلاَمُوت في عام 1917 الذي يؤدي إلى تِيزِي.

في 21 مارس، وصل الكولونيل تيكْسير إلى قمة المديق،

لكن في ليلة 21-22 مارس، شنَّت قبيلتا آيت باعمران ولخْصَاص هجوما شرسا على العناصر المتقدمة، فتمَّ صدُّها، لكننا نعَيْنا قتلانا الذين كانوا على رأس كُومِهِم؛ فرنسي ومواطن أهلي، وضابط صف فرنسي، ثم أعدنا تنظيم الوَضْع.

أثار هذا اللقاء العنيف نوعا ما صداقة طيبة بين المنشقين، وفي اليوم التالي، استسلم سكان آيت إبراهيم وأهل الساحل، سكان جبل انطير، ومرتفعات سكان أزغار الذين أعلنوا خضوعهم، آيت باعمران بعثوا مندوبين لهم لطلب الأمان، فوقعت معهم معاهدة حسن الجوار الذي كان معهم في السابق، والامتناع عن القيام بأي أعمال عدائية ضد المنشقين على أراضيهم.

وصل لَخصاص بدورهم في أول مارس لتقديم الخضوع للجنرال كاترو والجنرال هوري.

توفي القايد المدني لخصاصي، الذي وصَم المقاومة ضدنا في دجنبر، فخلفه شقيقه حنَفي في سلطته، وتعهد نيابة عن قبيلته بأن يكون دليلا للكلون نحو قصبة بوزكارن.

وصل الجنرال كاترو إلى بوزكارن في 4 مارس، وهنا تلقى استسلام مَجَّاط، الجنرال هوري الذي كان على اطلاع بتقدم المجموعة الشرقية، المكونة من أربعة أسراب من سلاح الفرسان الذين التقوهم في شمال فاسك والعناصر الآلية لمجموعة جيرو، وهكذا التقت المجموعتان بعدما حققت ضغطا كبيرا في الجنوب.

لتأكيد هذه النوايا الحسنة، قدم الجنرال هوري نفسه لمجموعة الكولونيل مازاتوش القائد السابق لأكادير الذي نزل للجنوب الشرقي لجبل كيست متجها للجنوب.

غادر الكولونيل ماراتوش أكاديرنتسكينت على وادي أؤُرِكا مع قوة خفيفة، لصَدِّ المنشقين الصامدين في خنادق خلف أسوار متتالية، إلى أن وصل لأربعاء آيت عبد الله، في فاتح مارس، فأعلنت هذه القبيلة الهامة في الأطلس الصغير، والفخذات المجاورة لها المنشقة، رغبتها الدخول في عملية للتفاوض، السكان القاطنين في منحدر جبل كيست، بعثوا بممثلين لهم يتعهدون بعدم مهاجمة قواتنا.

واصلت مجموعة ماراتوش تقدمها لغاية زاوية تيمغليشت، الذي اعتبر شيخها نفسه خاضعا من 1931، مجموعة كصور أعالي وادي تامنارت، أحضروا التّْعَرْكِبَا.

وبذلك صار المنحدر الشرقي والجنوبي للأطلس الصغير خاضعا بأجمعه لنا.

انضم الكولونيل ماراتوش بعد ذلك إلى الكولون الرئيسي للجنرال جيراندوا في فاسك، لضمان أمن خط إمدادنا، وبناء الطريق، ومواصلة العمل السياسي.

تركنا الجنرال جيرانو في فاسك، بعد أن أجرينا عمليات مع الجنرال كاترو في بيوزكارن، وبعد أن اطمأن وانضم إليه الْيُوطْنَاهُ، وجَّه الكولونيل ماراتوش مجموعة عناصر المحركات نحو الغرب، وصل الكولونيل اتْرَنْكيت بالفعل إلى واحة كُلْمِين عند ملتقى نهري وادي أُمّْ لَعْشَار وَوادي اسْعَيَّدْ.

في 7 مارس حضر القايد مختار ولد لحسن -ممثلا لعائلة بيكوك التي كانت لديها سلطة كبرى في كل غرب وادي نون- لتقديم خضوع عائلته وكصور كولمين.

تكمن أهمية هذه النقطة من كولمين في موقعها الواقع على طريق القوافل التي تربط المغرب بالسنغال عبر السّْمارة، وواد الذهب.

عند وصوله لفاسك، علم الجنرال جيرو أن مجموعة من العَنِيدِين المتعصِّبين، آيت حمُّو وآيت خبَّاش، التي كانت قد فرَّت من أمام قواتنا الزاحفة تجاهها بعدما اقتلعت خيامها وتوجهت نحو الغرب، حيث أبلغ عن وجودهم بالقرب من لَبْيَار، بين وادي نون ووادي بُسافِنْ في منطقة كُدْيَات صغيرة تفصل سفوح نون عن سفوح دَرْعة.

بالْقاسم النكادي كان وسط حراسة من الفيلاليين.

أخيرا امْرَبِّه رَبُّو الذي أرسل في البداية مبعوثا للجنرال هورى، بعدما لم يعد يشعر بالأمان بين القبائل المحيطة بكَرْدُوس، فغادر قصبته ليلا، كي يلتجئعند السّْبُوعِيا، فخذة رئيسية لآيت باعمران، حيث يوجد من قديم هناك قصبة في وادي أُوتْلاوُكْ.

لكن أمام سرعة سير كولون اتْرَنْكِيت، فضل اتخاذ مخبئه جنوب درعة محاطا ببعض الفيلاليين، ليقدم خضوعه لكومندار اسباني في مركز كاب جوبي.

لكن كان يجب علينا بأي ثمن تَجَنُّب أن تصبح مجموعة متشددي أيت حمو، آيت خباش، قادرة على السيطرة على الصحراء الإسبانية.

أيضا الكولونيل اترينكيت، لم ينصب خيمته في كولمين، بل واصل طريقه نحو الأطلسي، بعدما أخْبر بأن آيت حمو يتواجدون في لبيار، على بعد 60 كلم، فلحقهم وحاصرهم.

تبِعَت مجموعة مهاريس وفرسان ليوطنا كولونيل كاستي مَجْرى وادي درعة لمراقبة المعابر، فوصلت مَشْرَع مِكْتَ-شَمَّارْ على بعد بضع كلمترات من المصَبِّ، خيام المتعصبين وعائلاتهم وقطعانهم التي تمثل حصيلة غنائمهم صارت الآن تحت رحمتنا، لكن تفضلنا عليهم كان كبيرا، لأننا قبلنا منهم إفراغ بنادقكم السريعة الطلقات من الذخيرة، وأن يثقوا في كلمة فرنسا، ووعدها.

لقد حانت الساعة التي ستزال فيها كل حثالة هَاتِهِ الصحراء، وأن يلقي رجال البارود هؤلاء الذين كانوا خصومنا اللدودين منذ عام 1908 أسلحتهم، ويرموا آخر رصاصة عندهم، لقد كان بلقاسم النكادي في وسطهم، وعرفوا بأن كل مقاومة لا طائل منها، فقرر مثل الآخرين أن يطلب الأمان، ألقى بندقيته، وفعل أتباعه نفس الشيء، كل هؤلاء المهَجَّرين سيكون بإمكانهم الالتحاق بلَمْعِيدَرْ لاستئناف رعي الجمال كأسلافهم، في هذه البلاد الشَّحِيحَة القاسية، في حين كانت آيت حمُّو 270 خيمة تُؤطَّرُ، وتلتحق بخطوات صغيرة بالمنحدرات الخضراء للأطلس الكبير، حول تالسينت.

كل الذين وجدوا أنفسهم منذ 1908 أمام أعداء ألِدَّاء من أيت يعقوب أو تافلالت في جبل صاغرو أو تَزَرِين وعلى كل طُرُق لَبْلاد حيث برعوا في نصب الكمائن سيكونون سعداء بالتعرف على النجاح الباهر الذي حققته قواتنا.

خضوع أو فرار قادة المقاومة المبالغ فيها بجبال الأطلس الصغير، ترك أثرا كبيرا، يجب استغلاله.

لذلك، ولتأكيد حسن نية هذه القبائل، أرسل الجنرال كاترو عدة مفارز لاحتلال كردوس، التي كانت منذ عام 1917 مقر إقامة امربيه ربو، ومنها كان يبعث ممثليه للدعوة للجهاد ضدنا.

منذ تلك اللحظة شعرت جميع القبائل الجبلية بالحصار فبعثت للجنرال القائد، بمبعوثين عنها لتقديم خضوعها أمامه تباعا؛ رسموكة، إيدا أُلْتِتْ، آيت اصْوَاب، آيت احمد، إيدا-وسَمْلال.

الجنرال هُورِي والجنرال كاترو ذهبا جَوّاً لكردوس لتلقي خضوع قبائل حزام تازَرْوَالت.

ومنذ ذلك الحين لم يبق في منطقتنا المغربية قبيلة منشقَّة.

وللتأكد من هذه النتيجة، ولتكريم القوات التي في أقل من شهر حققت مثل هذه الجولة القَوَّية، غادر السيد بونصو المقيم العام الجديد الرباط، ليكون في بوزاكارن يوم 18 مارس لحضور استعرض تلك القوات، ووحدات الطوارئ القبلية، لتحية العلم، وأعلامهم المجيدة، الخاصعون الجدد، أرادوا استعراضهم هم أيضا أمام المقيم العام.

ترك المقيم العام خلفه في عين المكان العناصر الأساسية لضمان أمن البلاد، ولتجهيزها بالطرق، وبناء مراكز القيادة التي ستصبح تحت إشراف ضباط الشؤون الأهلية، ومراكز إدارية، ومراكز جذْبٍ وتأثير لحضارتنا.

كما عادت الكتائب والأسراب لثكناتها.

وهكذا بعد شهر من انطلاق العمليات، استتب السلام في كامل منطقة الأطلس الصغير المعترف لنا بها، وتوسعت سلطة فرنسا من خليج كَابَسْ (بتونس)، إلى مصب نهر درعة (بالمغرب).

إنجازٌ باهر للمستعمر العظيم: المرشال ليوطي الذي رسم منذ عام 1904 وحدة شمال إفريقيا، وعرف كيف يُلهم جميع قادتنا تفكيرا واحدا، وإرادة واحدة، وحماسة واحدة، كان الجنرال هوري تلميذه وخليفته، نيابة عن الحكومة، أرسل المارشال بيتان وزير الحرب تهانيه إلى الجنرال هوري والجنرالين كاترو وجيرو، وأعرب عن امتنان فرنسا لقواتهم.

لم تبق إسبانيا مكتوفة الأيدي تجاه الأحداث، فقط برهنت على تعاونها بإرسال القايد غازابو فالديز إلى الجنرال هوري كضابط اتصال.

في تصريحه بتاريخ 18 مارس، قُلِّد المقيم العام باسم السلطان ربطة عنق الوسام العلوي.

أدركت إسبانيا أهمية مهمتها،، فأرسلت قواتها إلى منطقة إيفني، وعينت الكولونيل كابيز حاكما مدنيا وعسكريا للمنطقة، وهو يسعى حاليا إلى الاعتراف بالمنطقة الممنوحة لإسبانيا بموجب المعاهدات، عينت هذه اللجنة لدراسة مواردها الاقتصادية والمعدنية، وسعت القوات الإسبانية إلى إنشاء ميناء عند مصب وادي بوسدرات، وواد أريكسيس، لم تكن نقطة إيفني تتمتع بالقدرة المطلوبة، اكتملت عملية التهدئة في المغرب، ولم تعد هناك بلاد “سَيْبَة”.

————

ليوطنا كولونيل بيرنار

أنظرles operations de pacifaction de l,anti-atlas

في: bulletin de la societe de geographie1934

(ص:31-25).

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة