عنتريات وهبي.. دموع الحيكر.. وبزاق التويزي..

عنتريات وهبي.. دموع الحيكر.. وبزاق التويزي..
هوية بريس – عابد عبد المنعم
تعيش المؤسسة التشريعية المغربية خلال الأيام الأخيرة على وقع زلزال سياسي غير مسبوق، بعدما انفجرت قضية سبّ وزير العدل عبد اللطيف وهبي للنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية عبد الصمد حيكر، وما تبعها من ردود فعل قوية بلغت حدّ الدعوة إلى فتح مسار للمساءلة القضائية والسياسية مطالب باستقالة وزير العدل. وتحوّلت دموع حيكر، التي ظهرت في حوار إعلامي وهو يرفض التصريح بلفظ الشتيمة احتراما للمؤسسة، إلى قضية رأي عام، خصوصا بعد أن كشف برلمانيون من حزبه أن الكلام الذي صدر عن الوزير كان مهينا في حق والد البرلماني، ضمن لغة وُصفت بـ”الزنقوية” و”غير المسبوقة في تاريخ البرلمان”.
غير أنّ المشهد لم يتوقف هنا، ففي سابقة أخرى، أثار البرلماني أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، موجة غضب واسعة بعدما ظهر في بث مباشر وهو يبصق في يده داخل قبة البرلمان قبل مخاطبة النواب، في واقعة اعتُبرت سقوطا في أدنى درجات اللياقة واحترام المؤسسة، لتزيد من حدة النقاش حول مستوى الخطاب السياسي في البلاد.
وتأتي هذه الأحداث ضمن سلسلة من الانزلاقات المنسوبة لوزير العدل نفسه، والتي أصبحت تُطرح كإشكال سياسي وليس مجرد سلوك فردي. فقد سبق للوزير أن أطلق تصريحات مثيرة من قبيل “باباه لاباس عليه صيفّطو ولدو يقرا فكندا”، واعترافه في تسجيل صوتي بأنه يريد “معالجة الأمور من تحتها”، كما أثار جدلا حين تحدث عن “إلغاء تجريم العلاقات الرضائية” وتهكم على سلوكيات اجتماعية ذات حساسية دينية وأخلاقية، إضافة إلى تصريحات سابقة اعتُبرت تطاولا على المؤسسات العلمية والدينية.
كما اعتُبر الأخطر في سلسلة خرجات الوزير، تلفظُه بعبارة تمسّ بالدين الإسلامي داخل مؤسسة دستورية. فخلال مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، قال وهو يعبر عن غضبه: “أنا محامي أتصل بموكلي ولا يجيبني… والله دين مو ما يدخل لمكتبي”. هذا التصريح، الذي اعتبره كثيرون إساءة صريحة، وكشف للرأي العام جانبا من مستوى الخطاب الذي يصدر عن وزير يفترض فيه التحلي بالاتزان والاحترام. وقد دفعت هذه الواقعة عددا من الحقوقيين والفاعلين المدنيين إلى مطالبة المجلس العلمي الأعلى بإبداء رأيه في استعمال عبارات يُنظر إليها على أنها سبّ للدين الإسلامي داخل مؤسسة رسمية.
هذه التراكمات، وفق عدد من المتابعين، تُظهر أزمة أكبر تتجاوزُ الأشخاص إلى أسلوب تدبير سياسي بدأ يفقد التوازن في ظل حكومة يقودها عزيز أخنوش، حيث تُسجَّل توترات متكررة بين الحكومة والمعارضة، وتنامي خطاب الاستعلاء السياسي، مقابل تراجع ملموس في منسوب الثقة لدى المواطنين.
ويعتبر منتقدون أن ما وقع تحت القبة خلال الأسبوع الماضي ليس مجرد حادثة عابرة، بل مؤشر على تراجع مقلق لمنسوب الأخلاق السياسية وتدهور قواعد الحوار المؤسساتي، في وقت يواجه فيه المواطن المغربي أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة من قبيل؛ غلاء الأسعار والبطالة وضعف منظومة الصحة، وهي ملفات يُفترض أن تشكل جوهر النقاش السياسي داخل البرلمان، لا تبادل البذاءة أو استعراض “البزاق”.
وهكذا، بدلا من أن تتحول جلسات البرلمان إلى فضاء لتقديم الأجوبة الواضحة حول الملفات الحارقة التي ينتظرها الرأي العام، من العدالة الاجتماعية وإصلاح القضاء والقانون المنظم لمهنة العدول، أضحى المشهد يُختزل في لغة السبّ والانفعالات، على حساب النقاش المؤسساتي الرصين. وفي ظل هذا الانحراف المتكرر، تتعمق قناعة المتابعين بأن الحكومة الحالية تغلّب ردود الفعل الصدامية على المواقف المسؤولة، وتترك القضايا الجوهرية معلّقة، بينما يتواصل نزيف الثقة في الأداء السياسي داخل واحدة من أهم مؤسسات البلاد.



