عندما تُجَلي النبوة أوهام الواقعية السياسية

04 أغسطس 2025 00:47

هوية بريس – د.ميمون نكاز

[من مأثور النبوة: (ولكن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانب)]

من المأثورات الروائية الدالة في السيرة، موقف النبي صلى الله عليه وسلم من العرض الذي تقدم به المثنى بن حارثة أحد سادة قبيلة شيبان بن ثعلبة، بعد الحوار العميق الذي جرى بين سادة القبيلة وبين النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أعربوا عن تأثرهم بدعوة الإسلام كما عُرِضت عليهم حقيقتُه العقدية الكلية وبعضُ قيمِه الأصولية، لكن المثنى بن حارثة تعلل بالعهد الميثاقي والإكراه الإقليمي الذي يربط القبيلة بالروم الكسروية، حيث قال:

(إنا إنما نزلنا بين صِريَيِ اليمامة والسمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذان الصِّريان؟ قال المثنى: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، أن لا نُحدِثَ حَدَثًا ولا نُؤوِيَ مُحدثا ، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت، هو مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك، مما يلي مياه العرب فعلنا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا عن عرضه: (ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حَاطَهُ من جميع جوانبه)، ثم قال: (أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم؟ أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم لك هذا، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) [ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال: يا أبا بكر، يا أبا حسن، أية أخلاق في الجاهلية؟! ما أشرفها! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض ، وبها يتحاجزون فيما بينهم)…

هذه الحوارية الطويلة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وسادة هذه القبيلة في سياق العرض النبوي للإسلام على القبائل، والتي اقتطعنا منها هذا المقطع، جديرة بالاعتبار الدعوي والقيمي والسياسي، حيث يظهر فيها ذلك الاستشراف النبوي لمستقبل المحيط العربي الذي كان خاضعا في مجمله للإكراهات العهدية والميثاقية مع الامبراطورية الكسروية، إذ تتعلل القبيلة بالالتزامات والإكراهات الناتجة عنها، ولكن النبي يرفع سقف الاستشراف المستقبلي، محررا العقل القبلي من مخاوف الدولة الكسروية المهيمنة، ورافضا موقف النصرة التجزيئي للإسلام في صراعاته وتحدياته، وأدل ما ورد في جواب النبي صلى الله عليه وسلم وأعمقه قوله: (ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم في الصدق، “ولكن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه)…

ذلك هو الدرس الاعتباري البليغ في ما هو موصول بأوهام الواقعية السياسية التي تمارسها أغلب الأنظمة السياسية الإقليمية، حيث تتعلل بنفس منطق قبيلة شيبان بن ثعلبة في جملة اعتذاراتها عن مطالب النصرة لقضايا الإسلام والمسلمين، وعلى رأسها مطلب نصرة غزة…

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
11°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة