عندما كان السلاطين المغاربة يحاسبون أمناء المال العام بأنفسهم
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
هناك مقولة دارجة بين الناس تقول: “المال السايب يُعلم السرقة”، ولمنع سرقة مال الدولة في الجمع والإنفاق، أوكل سلاطين المغرب محاسبين للأمناء الجباة، قضاة عدول، ثم تطور أمر تنظيمهم فأصبحوا في عصرنا الحاضر هيئة تسمى بـ”المجلس الأعلى للحسابات”، لكن حسب ضوابط جديدة.
ويذكر التاريخ أن بعض سلاطين المغرب كانوا يقومون بهذا الدور بأنفسهم حرصا منهم على ما يرجع لبيت المال من عوائد وجبايات ونفقات، ومن الأمثلة على ذلك، أنه:
– يحكى عن السلطان مولاي عبد الرحمان أنه كان شديد المراقبة على الأمناء وجميع من لهم اتصال ببيت المال، وكان يتولى محاسبتهم بنفسه.
– من ذلك أنه طلب يوما وهو بمراكش الأمين بن شقرون أن يحضر دفاتره ليحاسبه، وكان بنشقرون هذا أمين الصاير (المصاريف) والسكة، وفي اسمه ضربت السكة النحاسية، فيقال لها الشقرونية، وفي غد ذلك اليوم بينما مولاي عبد الرحمان يطوف بقصره عند الصبح إذ عثر على رجل نائم متوسد دفاتره فسأل من هو؟ فقيل له: الأمين بن شقرون، فأفاقه، وقال له: اذهب لحال سبيلك، فلو كان في جوفك شيء من مال المخزن لما نمت آمنا مطمئنا.
– ولّى مولاي عبد الرحمان الحاج عبد السلام العامري الشرادي أمين الطّواني بمراكش -والطواني هي خزائن الزيت- وكان الناس يشاهدونه يشتري الأوقية من الزيت لداره والحال أن قناطير الزيت كانت تحت يده وتصرفه.
– كان مولاي الحسن أشد السلاطين المتأخرين حرصا على بيت المال، وكان بخيلا أشد البخل فيما يرجع لذلك، حتى أن أشراف الدار العالية كانوا يسمونه بالبخيل رغم عطاياه إياهم واعتنائه بهم، وكان بخيلا في كل شيء من مال الأمة حتى في الحبوب والزيت وسقط المتاع، وقلما كان ينفذ لأحد شيئا من بيت المال، وإن اتفق له ذلك فبالتافه الذي لا يكاد يذكر، وقد طلب منه ولده مولاي عبد الحفيظ أن يحرر من الضرائب شيخه في الفروسية سيدي عمر من زاوية سيدي رحمون باحمر، فقال له مولاي الحسن بعد ما أمسك بأذنه: إن حررت سيدك عمر وأمثاله من الضرائب فمن يملأ بيت المال؟ فصار مولاي عبد الحفيظ يبكي، فقال له مولاي الحسن: سأعطيه ظهير التوقير والاحترام! (جريدة: العلم عدد1236/25/8/1950).
ذلك ماضينا القريب الذي كان الولاة يَعِفُّون فتعف الرعية وتتقوى، فيظهر ذلك على الدولة هيبة وقوة، فأين نحن اليوم من ذلك حيث ساد النهب والرشا وأصبحت نظافة اليد والجيب كالكبريت الأحمر في الندرة والقلة، فسامنا خسفا كل مفلس؟!!