عنف الأغنياء تكسير اجتماعي عظيم

هوية بريس- زوهير النبيه

نحتاج اليوم بلا أدنى ريبة أن نقرأ مؤلفات الكاتبة مونيك بانسون-شارلو Monique Pinçon-Charlot والكاتب ميشال بانسونMichel Pinçon  حول الأغنياء في فرنسا ودورهم في التحكم في العقول والأجساد من أجل مصالحهم الضيقة المتمثلة في جمع المال ومراكمته دون أي إحساس بغيرهم من الناس فقراء كانوا أم مساكين أو حتى من طبقة تحسب ضمن الناجين من براثين الفقر.

يعنى الكاتبان المتخصصان في علم الاجتماع بدراسة الأغنياء كأقلية مهيمنة ومتحكمة في الحياة الاجتماعية عن طريق الثروة التي يشكلها المال والملكية. ولمحاولة فهم العلاقات التي تتحرك فيها ومن خلالها هذه الطبقة المفارقة للطبقات الأخرى، نستند إلى كتابهما الذي صدر سنة 2013 والذي يحمل “تقريبا” نفس عنوان المقالة، للوقوف عند معاني عنف الأغنياء و”التكسير الاجتماعي” الذي يلحقونه بالمجتمع من أجل العيش الرغيد المتحصل عليه من مساعدات الدولة والعمل الشاق والمضني للطبقات الأخرى بشتى أطيافها.

يوجه الكاتبان نقدا لاذعا للنخبة السياسية، ويدينان التحالف الموضوعي الذي يجمع بين السياسيين وبين أصحاب الثروات الكبيرة. ويعتبران مدبري الشأن العام من القادة السياسيين بمثابة جهاز يخدم المصالح الاقتصادية للبورجوازية من خلال تنفيذ السياسات الليبرالية كالخوصصة وخفض الإنفاق العام بالإضافة إلى الهبات الضريبية الموجهة نحو الأغنياء. وفي هذا الصدد يتحدث الباحثان عن “خيانة اليسار” للمجتمع وتخليه عن فكرة العدالة الاجتماعية. وقد نتج عن هذا التحالف أيضا فقدان السياسي لسلطة التقرير لفائدة الشركات الكبرى والمؤسسات المالية والسوق، حيث لم تعد السلطة في الواقع بيد المنتخبين بل صارت في يد الأوليغارشيا المالية. كما حدث نوع من نزع الطابع السياسي عن السلطة فصار بذلك الاقتصاد قدرا محتوما عوض الديموقراطية.

وتشارك النخب السياسية في إنتاج العنف الرمزي وذلك من خلال تبرير التفاوتات الاجتماعية بخطاب حول الأحقية والمجهود وضرورة الإصلاح الذي لا يتحقق. ويتضح من هذا النوع من الخطاب محاولات لتحميل مسؤولية السقوط في دائرة الفقر للطبقات الشعبية، وإدانة للفقراء مع شرعنة ما يحضى به الأغنياء من امتيازات. ويرسخ الخطاب السياسي هذا، فكرة الفقراء المحتاجين للإعانة والمسؤولين عن قدرهم في حين يستفيد الأغنياء من دعم بالملايير.

حدث كل هذا في فرنسا.. !