عنف الملاعب والمعنى
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
مبدئيا، العنف لا يبرر، ولا يقبله الطبع السوي، ولا يستسيغه العقل والمنطق، ولكنه يفسر ويحلل، وينظر إليه وفيه، بمعايير التحليل العلمي والموضوعي.
إن عنف الملاعب، بكل تأكيد هو، جزء معين، وشكل محدد، من عنف آخر، أكبر وأشمل، تتم ترجمته، والتعبير عنه، بأصناف وألوان، وتمظهرات مختلفة ومتنوعة، تكون لفظية، وتكون مادية سلوكية، وتكون إشارية إيحائية، وقد تجتمع كلها وتأتي دفعة واحدة، في شكل موجات عنفية متصاعدة، يصعب التكهن بمستوى تطورها، ومآلاتها الأخيرة ؛ ومن المسؤوليات التربوية، والثقافية البدهية، التي تضطلع بها الحكومات الجادة، عبر مؤسسات خاصة، مراقبة وتتبع، منسوب مظاهر العنف، في أوساط المواطنات والمواطنين، بمختلف طبقاتهم الإجتماعية، وإعداد القراءات العلمية الراصدة والدارسة، لمختلف التمظهرات الغاضبة، وردود الفعل القلقة، التي يصدرها المجتمع، بما يمكن من بلورة الأجوبة الناجعة، والكفيلة بمعالجة واجتثاث مظاهر ومصادر العنف، بكل تطبيقاته السلبية، وغير المبررة.
وبالمناسبة، لن نجد صعوبة في ملاحظة، مدى تنامي وانتشار الكثير من مظاهر العنف، بلونيه الرمزي والمادي، داخل العديد من الأوساط في بلادنا، سواء تعلق الأمر بالأوساط الخاصة، كمؤسسة الأسرة، والعائلة، والجيران، والأصدقاء، وزملاء المهن والحرف، والمدرسة، أو تعلق بالأوساط العامة، التي تشمل عموم المرافق، التي تستقطب عامة المواطنين، كالإدارات، والمقاهي، والحمامات، والحدائق، ودور الشباب والثقافة والتنشيط، أو ما يسمى كذلك، وانتهاء بالشارع العام.
فلا تكاد تخلو الكثير من هذه المرافق والمؤسسات، من مظاهر عنفية ملفتة ومثيرة، تتحول مع الأيام إلى طبائع وعادات مستحكمة، يتم تبريرها أحيانا، وغض الطرف عنها أحيانا أخرى، ما يعني أن الحياة اليومية للكثير من المواطنات والمواطنين، أصبحت مفعمة ومثقلة، بالكثير من مظاهر العنف والتعبيرات الغاضبة، التي تشهد تناميا مقلقا، وقلما يسمح تسارع الأيام، وتوالي الأحداث، بالتوقف قليلا، لمراجعة هذا المسار العنفي المتصاعد، وطرح الأسئلة الضرورية بصدده، بالهدوء المطلوب، والمسؤولية اللازمة، وهذه بعض تلك الأسئلة:
لماذا تتحول العديد من المرافق والمؤسسات عندنا، إلى ميادين للتعبير عن الغضب، وممارسة ألوان من العنف، تتفاوت من حيث النوع والدرجة ؟؟، ونخص بالذكر: مؤسسة الأسرة (العلاقة بين الزوجين، وعلاقة الأبناء بالوالدين، والعكس أيضا )، والمدرسة (علاقة التلاميذ بالأساتذة، والعكس أيضا )، والإدارة (العلاقة بين الموظفين وعموم المواطنين، في الإتجاهين معا )، المرافق العمومية، غير المحروسة خاصة، (الحدائق، الحافلات، شبابيك الأبناك، حاويات النفايات…)، التي تتعرض لألوان من الإتلاف والتخريب، بطريقة انتقامية مؤسفة، في أكثر الأحوال. بالتأكيد هناك أسباب كثيرة، ومتداخلة تتضافر كلها وتتشابك، لتخلق هذا الواقع العنفي الصدامي الذي يتحول مع الأيام، إلى ظواهر ملفتة، ومقلقة أيضا، أسباب تربوية، ( دور الأسرة والمدرسة والمسجد)، أسباب نفسية، (دور المجتمع والمؤسسات الصحية )، وأسباب اقتصادية (دورالحكومات المتعاقبة، والمسؤولة عن توفير ضروريات الحياة )، وأسباب سياسية (دور الأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني)، وهذه وغيرها، هي الأسباب الثاوية، التي يمكن أن تفيدنا، في مقاربة ما أصبح يصطلح عليه عندنا، ب(شغب الملاعب)، أو (عنف الملاعب).
وبالمناسبة فشغب الملاعب هذا، إذا صحت العبارة، كان دائما موجودا، فالكثير من المواطنين، والذكور منهم بخاصة، لا يفرقون بين التشجيع المبدع، الذي يخلق الفرجة، وبين سب المنافس، ونعته بأبشع الأوصاف ؛ يسهل تسجيل هذه الملاحظة، بمجرد متابعتنا لمباراة في كرة القدم، في أحد الملاعب، أو الجلوس في مقهى يبث إحدى المقابلات.
بالطبع، المشكلة التربوية والثقافية والاقتصادية، هنا واضحة، ويبدو أن مسؤولي (الألترات)، لم يتمكنوا من التقدم على هذا المستوى، لأنه ببساطة، يتجاوز إمكاناتهم المحدودة، ماديا ومعنويا. الجديد الآن هو، تحول العنف اللفظي (الشغب)، إلى عنف مادي صدامي، موجه ضد الجميع ؛ ضد الطرف الرياضي المنافس (الفريق والجمهور) ، وضد الدولة، في شخص القوات العمومية، وضد عامة المواطنين وممتلكاتهم، أثناء مغادرة الملعب، ومن طرف شباب مراهق، وأحداث في كثير من الأحيان، والحديث عن الشباب والعاطلين والأحداث، يعني التفكير في كل الأسباب الرئيسة، التي سبقت الإشارة إليها، والتي تتطلب تحيينا سريعا وآنيا، فضلا عن الأسباب التقنية والتنظيمية، (ولوج الملاعب، منع حضور الأطفال الأحداث إلا بمرافقين، تشديد المراقبة الأمنية… )، التي تأتي في الدرجة الثانية.
هذا نتيجة التقزيم الذي لحق الادوار التي تقوم بها المنظومة التربوية