عن أي تضامن تتحدث الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
هوية بريس – د.محمد ويلالي
تعددت مشاكل الأمم، وتنوعت أزماتها، وتفاقمت نوائبها، حتى أَرِقت المجتمعات، وقُضَّت مضاجعها، ولم تجد من بديل إلا أن تخصص لكل معضلة مناسبة دولية، سواء كانت أياما دولية، وهي 164 يوما، أم أسابيع دولية، وهي عشرة، أم سنوات دولية، وهي 84، أم عقودا دولية، وهي 47، أو ذكريات دولية، وهي 25.
وقد تسمع لبعضها ـ هذه الأيام ـ ضجيجا، وهديرا، وجوقة إعلامية، وجعجعة تَضِج بها المحافل والمنابر، دون أن تلمس لها طِحنا، ما يكاد ينتهي يومُها حتى تصير كأمسِ الذاهب. من ذلك يوم تفاءل به العالم، وبخاصة الفئاتِ المحرومةَ، والشرائحَ المسحوقة المنهوكة، وهو ما يعرف ب”اليوم العالمي للتضامن”، الذي عَرَّفته الجمعية العامة للأمم المتحدة ـ في أحدث تعريف ـ بأنه: “إحدى القيم الأساسية للعلاقات الدولية في القرن 21، حيث يستحق الذين يعانون ـ ومن لم يستفيدوا كثيرا من العولمة ـ المساعدةَ والعون ممن استفادوا كثيرا منها. وبناء على ذلك، يغدو تعزيز التضامن الدولي، في سياق العولمة وتحدي تزايد التفاوت، أمرا لا غنى عنه”.
وكان من ضمن أهداف هذا اليوم:
ـ صون السلم والأمن الدوليين.
ـ تحقيق التعاون الدولي لحل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو الإنساني.
ـ القضاء على الفقر، وحماية الكوكب، وضمان الكرامة للجميع.
وأنشأت الجمعية العامة منذ فبراير 2003، ما يسمى ب”صندوق التضامن العالمي”، الذي يهدف إلى القضاء على الفقر، وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية في البلدان النامية.
فهل تم تفعيل هذا الصندوق على الوجه المطلوب؟ وهل تحقق شيء من تلك الأهداف، وتحسنت حالة الفقراء والمعوزين؟
إن “مؤشر المجاعة العالمي” لسنة 2019، يقر “بأنه بالنظر إلى الإمكانيات التي يتوافر عليها العالم، يجب أن لا يعاني أي إنسان من المجاعة.. وأنه لدينا المعرفة والإمكانيات الفنية والمادية للقضاء على الجوع في العالم”، ثم هو يقر ـ في الوقت نفسه ـ بوجود 822 مليون شخص يعانون من آثار المجاعة، أي: واحد من بين تسعة أشخاص في العالم يعاني من المجاعة. وقبل ثلاث سنوات، كان العدد من 800 مليون، أي: أقل من هذه السنة.
هناك بلدان ـ اليوم ـ، سوءُ التغذية هو الحالة العادية بين سكانها، وكل مولود جديد من بين ثمانية يموت قبل بلوغه اليوم الخامس من حياته، ومن بقي منهم على قيد الحياة يعيش اضطرابات خطيرة في النمو. ويصنف وضع 43 بلدا من بين 117 شملها المؤشر بـ “المقلق”.
ويصرح رئيس وكالة الأمم المتحدة للأغذية، بأن 18 ألف طفل يموتون جوعا كل يوم في العالم.
وتشير الدراسات إلى أن نحو 2.5 مليار نسمة، يعيشون اليوم على أقل من دولارين في اليوم. وكل خامس شخص في البلدان النامية يعيش بدخل أقل من 1.25 دولار في اليوم. وأن 16% من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون على 1.25 دولارا أو أقل في اليوم، بينما يعيش 28% من سكان المنطقة ذاتها على دولارين أو أقل في اليوم. كما أظهرت الإحصائيات أن 54% من السكان في 27 دولة من أفريقيا يعيشون في فقر مدقع.
كل هذا، واعترافات الدول والمنظمات المتحكمة في الاقتصاد العالمي تؤشر على مزيد من التدهور وتعميق معاناة المحتاجين.
فهذا تقرير للبنك الدولي يقر بأنه “سيندرج الملايين من الناس حول العالم، ضمن فئة الذين يعيشون تحت خط الفقر”. بل يعلن المقرِّر الخاص للأمم المتحدة، بأن: “مئات ملايين الناس سيواجهون الجوع والنزوح والأمراض والموت”، في الوقت الذي يعترفون فيه ـ أيضا ـ أن ثلث الغذاء الذي ينتجه العالم، لا يتم استهلاكه، بل يتم التخلص منه، لأنه فاض عن حاجات ما يسمى بالدول المتقدمة، وأن نصف الإنتاج الزراعي في العالم، يتم استخدامه مباشرة في موادَّ غذائية.
فلا نعجب ـ بعد ذلك ـ إن علمنا أن إحدى المنظمات الدولية، كشفت في العام الماضي (2018) عن وجود 26 شخصا من الأثرياء، يملكون ما يملكه 3.8 مليار نسمة في العالم من الفقراء، وأن ثروة أصحاب المليارات في العالم ازدادت بمقدار 900 مليار دولار بالمقارنة مع العام السابق، بوتيرة 205 مليار دولار في اليوم، بينما تراجع ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم بنسبة 11.%
وترى الدراسات أن هذا الوضع الكارثي للدول الفقيرة يرجع إلى سببين اثنين: أولهما يتمثل في تأثير تغير المناخ، والثاني يتمثل في تنامي النزاعات المسلحة على مستوى العالم.
وهنا نتساءل: من المسؤول الحقيقي عن هذين السببين؟ ومن المؤثر المباشر في وجود هذه الفوارق الاجتماعية المهولة؟
أما تغير المناخ، فسببه انبعاثات المعامل الصناعية الضخمة، التي تمتلكها الدول الغنية، وليست الفقيرة. وتوجيهُهُ العلمي هو “ارتفاع تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، مما يؤدي إلى تناقص المغذيات الدقيقة في النباتات .. وانخفاض القيمة الغذائية للمواد الأساس، من قبيل القمح، والأرز، والذرة.. وغيرها، وهو ما سماه أحد المتخصصين بـ “التمييز العنصري بسبب المناخ”.
وأما النزاعات المسلحة والحروب، فلا شك أن وقودها هو هذه الدول التي تتغنى بمحاربة الفقر، وتنتشي بادعاء التعاون والتضامن، فيكفي أن نعرف أن حجم الإنفاق العسكري في العالم، بلغ في العام الماضي 1822 مليار دولار، بزيادة 2.6 % عن عام 2017.
فعن أي تضامن ـ إذاً ـ يتحدثون؟
إن السر في غياب التضامن الحقيقي بين الناس، راجع ـ أساسا ـ إلى البعد عن التعاليم الربانية القويمة، والتوجيهات النبوية السديدة، التي ضربت أروع الأمثلة في التعاون الفعال، والتآزر الحقيقي، حيث تُقدَّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وحيث يُحِب الناسُ لإخوانهم ما يحبونه لأنفسهم.
فالله ـ تعالى ـ يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ويقول النبي r: “الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ” صحيح سنن أبي داود.
وقال r في جملة أحاديث: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَخُونُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ..”، “إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ، فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ”، “مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” كلها في صحيح سنن الترمذي.
والمسلم يرى الفقير شريكا له في ماله، ويرى للمحتاج نصيبا فيما أفاء الله به عليه.
فقد لمح النبي r ـ في سفر ـ رجلا كان محتاجا، فقال: “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ”. قال أبو سعيد الخدري t: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. رواه مسلم. قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: “في هذا الحديث الحث على الصدقة، والجود، والمواساة، والإحسان إلى الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالحهم”.
وكان السلف يهتمون بإخوانهم، ويتفقدون أحوالهم، وينظرون في حاجاتهم. قال عطاء ـ رحمه الله ـ: “تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيلَ فأعينوهم، أو كانوا نَسوا فذكروهم”.
كونوا جميعًا يا بَنِيَّ إذا اعترَى تأبى القِداحُ إذا اجتمعن تكسُّرًا | خَطبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا وإذا افترقن تكسَّرت أفرادَا |