عن “الخطبة الموحدة” وتوضيحات وزارة الأوقاف ودعاة التريث
هوية بريس – إبراهيم بيدون
أول ما اطلعت على مراسلة المجلس العلمي الأعلى (1) قبل أسابيع وبالرغم من أن فيها عبارة “الخطبة الموحدة الأولى” فهمت أن هذه الخطب مؤقتة لأنها “في إطار خطة تسديد التبليغ”.. لكنها تبقى خطب موحدة وليست واحدة بل مجموعة لا ندري متى نهايتها.. وقد كان من قبل يتم الإنكار على خطبة موحدة واحدة تكون مرة في السنة أو مرتين أو ثلاث (3).. فكيف لا ينكر الآن على سلسلة خطب موحدة -ولو أنها مؤقتة-؟!!
لكن يبقى الإشكال هو أن حملة أو ضجة الإنكار كانت عن “خطة لتأبيد الخطبة الموحدة” كما حصل في بعض الدول الأخرى، وهو الأمر الذي انخرطتُ فيه لأنه لا ضامن عندنا من أن يصير الأمر كذلك، خصوصا مع تقبل الناس لهاته السلسلة من الخطب الموحدة والتي قد تتسلسل مرات.. لذلك كان من الجيد الإنكار.. حتى يُقطع الطريق عن أي إجراء مستقبلي أو على الأقل هو جواب عن “جس النبض” لمعرفة أن المغاربة ينكرون ذلك ويرفضونه.. وهذا أمر عادي في بلادنا من أن ردود الأفعال مهمة جدا وتكون مؤثرة في اتخاذ بعض القرارات، أو على الأقل هي محرجة.. فكيف والأمر متعلق بتدبير الشأن الديني؟
من هنا نفهم صدور توضيحات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشكل مستعجل في سابقة.. فمتى كانت وزارة التوفيق تصدر توضيحات وبهاته السرعة.. بالرغم من أنه سبق واستنكر المغاربة أمورا.. وسبق وكان اللبس ومع ذلك لم تُصدر الوزارة أي بلاغ أو توضيح.. وهذه ثمرة من ثمار تلك الضجة..
وأما القائل أن الأمر لم يكن يستدعي هذا التعجل.. فالجواب: كيف لا يتوجس من جعل الخطبة موحدة ونحن أمام خطة دينية جديدة (خطة تسديد التبليغ) والتي يشرف عليها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف فنكون هنا أمام احتمالية استمرار الخطبة الموحدة.. لأن هاته الخطة ليست مؤقتة بل أظنها مستمرة ودائمة في تدبير الشأن الديني للمغاربة.. فلابد من استنكار ما يتخوف منه من قبيل إجراء “تأبيد الخطبة الموحدة”..
ثم من ملاحظاتي عن الخطبة الموحدة الأولى (من غير الأخطاء الإملائية الكثيرة) أن بعض ما ورد في الخطبة لا علاقة للمصلين به.. بل هو أولى أن يخاطب به الخطباء والقيمون الدينيون.. في مذكرة أو وثيقة موجهة لهم (وثيقة 2)..
أما عن إخواننا من “دعاة التريث”.. من حق أي شخص التعليق على الأحداث كما يظهر له.. ويبدي رأيه.. وينتصر لما يراه الصواب.. بل هذا أمر مطلوب بأدب وخلق.. لكن من العيب التشنيع بالتوصيفات السيئة (من قبيل: “المتهورون” و”المتعجلون”..) فهذا يحط من قدر المتريث أكثر ممن يصفهم بالمتعجلين أو المتهورين ممن يسجلون دوما مواقفهم في ساحة المدافعة انتصارا للدين والهوية والقيم..
تعليق في الأخير:
مما صرح به وزير الأوقاف أحمد التوفيق عن خطة تسديد التبليغ أنها، ستجيب عن “أسئلة تتعلق بردم وتشخيص الهوة الفاصلة بين حال الناس ومراد الدين، لأنه بات ضروريا في الوقت الحالي أن يجد العلماء أجوبة عن أساس تشخيص أسباب هذه الهوة إذا أرادوا أن يستمروا في رسالتهم وتحمل مسؤوليتهم بالمعنى العلمي الموروث”.
كلام جميل.. لكن لنا أن نطرح بعض الأسئلة على الوزير وتدبيره للشأن الديني في المغرب لأكثر من 20 سنة:
قبل البحث عن “الهوة الفاصلة بين حال الناس ومراد الدين”، أليس من الواجب أن نعالج “الهوة الحاصلة بين العلماء والناس” ليصلهم “الخطاب الديني المراد تسديده”.. وهي الهوة التي أسهمت في اتساعها الوزارة وخطتها في إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب؟!
من منع العلماء والخطباء والقيمين الدينيين وضغط عليهم حتى لا يتكلموا في ماجريات.. والأمور التي تثار في الساحة الوطنية حتى تم تغييب الخطاب الشرعي في الكثير من المجالات والأزمنة والحوادث؟!
لماذا تم توقيف خيرة الخطباء والعلماء وعزل رئيس مجلس علمي لأنه تحدث عن تسديد أحوال الناس في أنشطتهم الترفيهية وفي استجمامهم الصيفي؟!
اقرأ أيضا: من بينها القضية الفلسطينية.. ما هي أسباب توقيف الخطباء في المغرب؟!
هل سيسلم خطيب من التوقيف وهو يستنكر ما يحصل في الإدارات من المحسوبية والزبونية والرشوة؟! و”باك صاحبي” في التشغيل؟!
وهل يسلم من يربط الناس بتوحيد خالقهم وهو يحذرهم من التعلق بالأضرحة والمواسم الشركية والطقوس القبورية؟!
وأخيرا: أظن كما يوقن جميع العقلاء أن تحقيق “الحياة الطيبة” كما يكون بالقيام بالمعروف يكون أيضا بالنهي عن المنكر وذلك ما سينجح خطة “العمل على الإسهام في تخليق الحياة العامة (أفرادا ومؤسسات وقوانين) بأخلاق الدين”.. يا وزير الأوقاف.. وإلا فلنحذر من عَلمنة خفية جديدة..
اقرأ أيضا: وسط تساؤلات المهتمين.. حملة توقيفات لعدد من الخطباء مع مطلع العام الجديد