عيد الأضحى وتحرر البشر.. الفهم الغائب عن “الفكر الحداثوي”..
هوية بريس- متابعة
يدعون الرحمة بالأكباش، فأين الإنسان؟!
سؤال واحد يعصف بكل المقولات ال”ما بعد حداثية”، الحداثوية، التي دأبت على الاستثمار في جهل كثير من الناس، الشباب والنساء خاصة، بالأبعاد العميقة لأمور دينهم.
إنها أبعاد في الدين والدنيا معا. للدين فيها حكم، وبها تتحقق مقاصده. فحكمها السنّية عند المالكية وغيرهم، ومقصدها التقوى بالنص، واجتماع الناس وتآزرهم وتراحمهم وتعاونهم بعرف معتبر يصير عبادة باستحضار النية الخالصة لله تعالى.
يقول تعالى: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ”. (الحج، 32)
ويقول عز من قائل: “لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ”. (الحج، 37)
إنها أحكام ومقاصد، مجموعة مقدمات لتحرر البشر في الأرض، من عبادة الحيوانات (القوى السارية في الطبيعة، بتعبير فراس سواح) إلى عبادة الله وحده، ومن الجريمة إلى الأمن، ومن الفوضى إلى النظام والاستقرار، ومِن “قتل البشر للبشر” إلى “رحمة الإنسان لأخيه الإنسان”؛ بصراحة: من الحيوانية إلى الإنسانية.
إن استحضار هذه المعاني يجعلنا نقرأ قصة النبيين إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بطريقة أخرى، فالقصة ذات دلالة تاريخية أكبر من أن يختزلها المسلمون في “الشعيرة”، أو من أن يصفها الحداثويون ب”الخرافة”.
وهذا نقد عميق موجه لأطروحة محمد أحمد خلف الله، في كتابه “الفن القصصي في القرآن الكريم”. لا يعتبر خلف الله القرآن كتاب تاريخ، وقال بالحرف إنه “ليس كتاب إخبار، بل كتاب عبرة واعتبار”، فأغفل الدلالات التاريخية التي يكتنزها النص القرآني، أي الإشارات العميقة هنا وهناك والتي تدل على بعض مراحل التاريخ، بل أهمها وأبرزها بالنسبة للإنسان.
لا تفهم الحداثوية هذه الأبعاد، فتبقى تحت العقل.