غزة: البيان العملي للآي القرآني تطبيق سنن الله في نصرة المستضعفين وتجليات الوعد الإلهي

غزة: البيان العملي للآي القرآني تطبيق سنن الله في نصرة المستضعفين وتجليات الوعد الإلهي
هوية بريس – عبد الرحمن ورشيد
لقد كانت حركةُ غزة بحقٍّ تفسيرًا عمليًّا للآيات القرآنية؛ فكان يكفي الإنسان أن يقرأ القرآن، ثم يُلقي بنظره على أحداث غزة، فتنجلي أمامه التفسيراتُ الحيّة، والمشاهدُ الناطقة بالوعد والابتلاء والنصر.
هناك، لا تحتاج إلى كثيرٍ من التأويل أو التحليل، فالأحداث تنطق بالقرآن، والقرآن يتجسّد في الأحداث؛ كأنّ غزة أصبحت مجموعة تفسيرات لا تُتلى بالكلمات بل تتحرك بالأفعال، لا تُكتب بالمداد بل تسيل بالدماء بالبأس والصبر والثبات.
يقول تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
تلك هي الصورة الأولى التي يُعيدها الله أمام أعيننا: قِلّةٌ مؤمنة محاصَرة، تُحارَب في دينها ونفسها وعقلها وعرضها ومالها، لكنها محفوظة برعاية الله، مؤيَّدةٌ بنصره، رازقةٌ من عطائه، ثابتةٌ على وعده.
ثم تأتي الآية الأخرى لتكشف البعد الثاني من سنّة الله في التاريخ، وهي سُنّة “المكر والتدبير الإلهي” : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
فمكرُ الأعداء واحدٌ في كل زمان: حبسٌ، وقتلٌ، وتهجير، كما فعلت قريش بالنبي ﷺ، وكما يفعل الصهاينة اليوم بالمؤمنين في غزة، وهي أهدافهم الثلاثية التي لم تتحقق ولن تتحقق بإذن الله، لأن سُنّة الله باقية: يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين؛ فلا يُبطل مكرَهم إلا مكرُ الله، ولا يردُّ بأسَهم إلا بأسُ الله.
وفي كل مرةٍ يريدون فيها إذلال المؤمنين، يُخرجهم الله لهم أعزّةً منتصرين على خلاف الصورة التي أرادوا أن يروها. حتى قال بعض إعلامهم العبري: “جمعُ الكفار كان ينتظر خنوع المؤمنين، لكن الصورة التي رأيناها عكس ذلك.” (بتصرف).
فكان المشهد شاهدًا جديدًا على صدق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةٌ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وهكذا تصبح غزة اليوم درسًا قرآنيًّا حيًّا في الإيمان والتاريخ؛ تذكّر الأمةَ بأنّ القرآن ليس نصًّا يُتلى فحسب، بل هو وعدٌ يتحقّق، وسنّةٌ تمضي، وتاريخٌ يُكتب على أيدي الصابرين.



