غزوة الحمائم “الحرائر” السود على صهوات الأحصنة الدستورية
هوية بريس- إبراهيم الطالب
لطالما سمعنا من أقطاب المعارضة الكارتونية خلال الولاية المنتهية، أن بنكيران ليست له الشجاعة في تنزيل مقتضيات الدستور وتأويله تأويلا ديمقراطيا، يسمح له بممارسة كافة صلاحياته، ولطالما حاول الفاسدون المقربون من دوائر السلطة المتحكمة رشق وجه بنكيران بتهم الانكسار أمام الفساد والاستبداد.
فلماذا يا ترى لا يجرؤون اليوم على المطالبة بإعادة الانتخابات من أجل إفراز حكومة قوية لا تلعب بها الأحزاب التي خرجت من بطن السلطة لتقليم أظافر الأحزاب التي تراهن على المسلك “الديمقراطي” لحرب الفساد والاستبداد، أيام كانت الداخلية تحدد الفائز والخاسر قبل أيام عديدة من عرض نتائج الصناديق الخشبية التي كانت تصنع على مزاج الماسك بالقرار السياسي في البلاد.
فلماذا يا ترى يتأرجح بنكيران بين الضعف أمام النظام والقوة أمام الخصوم السياسيين الذين ليسوا سوى واجهة أمامية تدار بعيدا عن البرلمان وبعيدا عن بنايات الإدارات الحكومية والمؤسسات الدستورية؟ ومن يحابي هذا البنكيران في سلوكه السياسي؟ في الحقيقة زعيم الحزب السياسي الفائز في استحقاقات 7 أكتوبر لم يجل بخاطره وهو يشاهد محاولة استئصاله هو وحزبه من المشهد السياسي قبل أحداث قيل عنها أنها ربيع عربي، أنه سيدخل القصر ليهنئه الملك على الفوز في الانتخابات ويقلده مهمة تشكيل الحكومة.
لم يكن يدور بخلده أنه سيدير دفة الحكم في واقع يعلم قبل غيره أنه لن يكون رئيس حكومة كامل الصلاحيات، كما هو متعارف على ذلك في كل “الديمقراطيات” أو على الأقل كما يروج لذلك في البلدان التي تعتمد الديمقراطية نظاما للحكم.
فإذا كان فوز بنكيران وتشكيله للحكومة ضرورة استوجبتها الظروف الوطنية والإقليمية، ذات يوم كان فيه رؤساء الدول يتساقطون كورق الشجر الأصفر في مهب رياح الخريف المحملة بالصواعق، فكانت كلما مرت بقطر إلا وأثارت غبار سنوات الفساد وعقود الاستبداد، فهو كغيره من رؤساء الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ممن تصنفهم العلمانية الدولية في خانة “الإسلاميين” أو تلحقهم بـ”التنظيم الدولي للإخوان المسلمين”.
لكن أليس من المفارقات العجيبة أن حزب الاستقلال الذي جمد الحياة السياسية في 11 ماي 2013، عندما قرر مجلسه الوطني الانسحاب من الحكومة والانضمام إلى صفوف الأحزاب المعارضة، هو نفسه اليوم من يوقف الحياة السياسية، ويلح على الانضمام إلى الأغلبية ليكون في الحكومة نفسها التي يرأسها الرئيس الداعشي كما كان يحلو بشباط أن يلمزه؟؟ فما الذي تغير؟ هل استفاق شباط وفهم السياسة وتاب من غيه؟ أم أنه تيقن أن الماء المعين الذي دله عليه من أوعزوا له بإرباك الشأن الحكومي، هو مجرد سراب بعده هوة سحيقة من الفشل والانتحار السياسي؟؟ لماذا لم يتدخل من يرفض اليوم دخول شباط للحكومة، ليمنعوا انسحابه منها في 2013؟؟
فلا شك أن من أوعز إليه بالانسحاب البارحة وشجعه على بلبلة العمل الحكومي، وإهدار زمن مهم من عمر الولاية الحكومية، وتفسيخ العمل السياسي برمته، هو من يرفض اليوم انضمامه إلى التشكيلة الحكومية، لذا لن يقتنع المغاربة أن تصريحات شباط بخصوص الحدود الموريتانية هي الأساس الذي يبني عليه من يشخصون مصلحة النظام موقفهم الصارم من حزب الاستقلال.
فهل يمكن القبول بشماعة “المصالح الاستراتيجية للمغرب” حتى نقتنع بالموقف الساخط للدولة، الناقم على شباط وحزبه، خصوصا وأنها تدفع بقوة في الآن نفسه بلاعبها الجديد الميلياردير عزيز أخنوش البديل للاعبها المعطوب في انتخابات “الحولي والزرقالاف” إلياس العماري. وكم هو مُبعث على الشفقة أن ترى كراكيز حزب علال “غلاب والفاسي وبادو” الثلاثي الكرتوني، وهو يرفع العصا في وجه رئيس حزبه لتهشيم رأس شباط، ليعود إلى الواجهة السياسية فوق جسر مصنوع من الهراوات المستترة المصنوعة في دهاليز حكومة مستترة، تحاول ترويض حزب الاستقلال لينضم نهائيا دون رجعة إلى الأحزاب الإدارية المصنوعة من نوع السيليكون الذي تضعه الراقصات لتكبير أجسادهن حتى يكن أكثر غواية وعماية للمتفرجين، هذه الأحزاب ترقص هي أيضا على مسرحنا السياسي لتعمي أنظار المغاربة حتى لا يروا الحقيقة، وتمارس الغواية لإقناعهم أن هناك “ديمقراطية” يمكن أن توصلهم إلى اقتسام السلطة، والحصول على عدالة اجتماعية مع الحفاظ على سلم اجتماعي واستثناء مغربي.
لطالما تحدث بنكيران عن التحكم ولطالما ندد بآلياته وفُتواته، وكان يصنفهم إلى صنفين: عفاريت وتماسيح. واليوم في ظل هذا الهراء السياسي، نرى بوضوح من هم التماسيح لأنها ظاهرة للعيان، ونتلمس الملامح الناتئة التي تشكل وجه العفاريت من خلال تتبع سلوكها الذي يزيد من سواد الليل السياسي المغربي البهيم، الأمر الذي يخفي عنا سحنة العفاريت السوداء.
فربما نستطيع اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نصل إلى معنى للتماسيح بسهولة لأن سلوكها مكشوف محسوس، يكشف صلابة أنياب فكَّيها التي تخول لها ممارسة “التحكم” في فريستها الشعبية، سلوكها الافتراسي يتجلى من خلال اشتراط زعيمها على بنكيران أن يتخلى عن مشروع الدعم المباشر للفقراء كثمن لانضمامه إلى تشكيلة الحكومة، يتجلى من خلال قدرتها على التحكم في سعر البنزين وعدم خفضه ورفعه وفق مجريات السوق الدولية، تتجلى في سعيها المتواصل لاحتكار خيرات البلاد، ورفضها لأي إصلاحات اقتصادية تمس ترواثها المتراكمة المنحدرة من جيوب المواطنين المثقوبة. هؤلاء التماسيح هم من ينضم اليوم إلى حزب إداري صنعه الحسن الثاني أيام كان يُفصّل هو ووزير الداخلية الملعب السياسي وفق اللياقة البدنية للاعبيه الكرتونيين.
انضموا لحزب إداري يراد له أن يكون ذراع حكومة الظل في الحكومة المنتخبة حتى يبقى التحكم هو هو في عنفوانه واستبداده. التماسيح المفترسة اليوم أصبحت أكثر شراسة من الولاية المنتهية، حيث انضمت إلى حرب أخنوش الأمين العام الذي لم يكن يوما مناضلا في الحزب الذي يرأسه، والذي يراد له أن يكون بديلا لحزب البام المنتهية صلاحيته، فهي اليوم ستجمع بين الثروة والسلطة والحكومة والاستراتيجيا والتنفيذ، فكيف يمكن لبنكيران أن يطبق خطته في الإصلاح السياسي والاقتصادي في ظل هكذا واقع؟؟ والعجيب أن التماسيح الذين يشكلون الباطرونا المغربية بقدرة قادر يأخذون مواقعهم واحدا تلو الآخر في حزب أخنوش الأمر الذي ينذر بأن معركة الحكومة الكيرانية ستكون في ميدان المال والاقتصاد.
لذا نرى بنكيران يمشي متثاقلا لحل هذه الأزمة رغم ما يخلفه هذا التثاقل من إهدار للزمن الحكومي لولايته. بنكيران يحاول جاهدا ألا يدخل في عراك مع زعيم الباطرونا الفعلي عزيز أخنوش، الذي يعول عليه وعلى أمثاله في دعم إصلاحاته الاقتصادية في ولايته الثانية، والعجيب أن الحكوم المستترة هي أيضا تعول على أخنوش ورفاقه الميليارديرات في إلجام الحكومة وكسر رأي بنكيران حتى يدخل إلى “الصف”، ويأتمر بأوامر “العفاريت”. هذه العفاريت هي التي تدير في الخفاء دواليب أزمة البلوكاج السياسي اليوم، هي لا تُرى بالعين المجردة ولا بالمكبر، فقد جعل الواقع السياسي بيننا وبينها حجابا أسودا كوجوه العفاريت، فهي ترانا وقبيلها من حيث لا نراها، لكن يمكن الكشف عن ملامح وجهها من خلال تتبع آثار سلوكها الذي يتجلى في إدارة “البلوكاج” السياسي، وعرقلة تشكيل الحكومة، وقبل ذلك في الخريطة الانتخابية التي تُبلقن المشهد السياسي وتَحول دون حصول أي حزب مهما كانت شعبيته على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة قوية في مستوى تطلعات من لا يزالون يؤمنون بالحل “السياسي” سبيلا للإصلاح.
يتجلى سلوك العفاريت في حماية لاعبي فريق “التحكم”، على مستوى المؤسسات الرسمية خصوصا أولئك الذين يظهرون ببيانات بين الفينة والأخرى تظهر رئيس الحكومة كذابا أو ضعيفا أو متواطئا مع الفساد. تَظهر سلوكيات العفاريت في المحطات الحاسمة، مثل الانتخابات الماضية والتي تجلت في حشد تلك القوة التي أنزلت الناس بالعلالي إلى ميادين الدار البيضاء لإسقاط بنكيران والعدالة والتنمية. تجلت سلوكيات العفاريت سابقا في تجميع الفرق ذات الأسماء الكبيرة واللاعبين “الكبار”، بالأمس جمعوا فلول اليسار في حركة كل الديمقراطيين وG8 ثم في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي ظهر فجأة ليختفي فجأة اليوم، فاسحا المجال للعفاريت، ليُظهروا لنا قدرتهم مرة ثانية على تجميع فريق الميليارديرات أمثال عزيز أخنوش من كبار المؤثرين في الباطرونا المغربية، داخل حزب الحمائم الحرائر السود الممتطية لصهوات “العودانات” الدستورية حتى تطول قامَاتها وتكون أكثر قوة، فتُخضع بنكيران ويقبل في النهاية بالتخلي عن شباط وحزبه.
فـ”غزوة الحمائم الحرائر السود على الأحصنة الدستورية” هو عنوان المسرحية السمجة التي تتوالى فصولها منذ 7 من أكتوبر المنصرم، غزوة هي تمهيد أو مقدمة من أجل إرغام حزب “الإسلاميين” على أن يتواطأ أو يتواضع للعب الهادئ مع العفاريت والتماسيح. وفي حالة قبوله بهذا التواضع فسيكون فيه النهاية لوقود مصباحه فينطفئ إلى الأبد، ويقبر بجانب وردة وَثقت في التناوب يوما ما، فكثافة ظلام الفساد قد يؤثر فيها ضوء شمعة صادقة، لكن بشرط أن تستمر في الإنارة دون أن تتواطأ مع الظُلمة والسواد فتُطفِئ فتيلتها ويستمر العفاريت في العبث بكل حرية. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتبارك الله عليك اسي ابراهيم