غزّة تستغيث… فهل بقي في القلوب حياة؟

هوية بريس – إبراهيم سهيل
هذا الجوع في غزة ليس جوع البطون فحسب، بل جوع الكرامة والعدل والنجدة، هذا صراخ في وجه العالم الأخرس، صراخ دم لا يسمعه إلا من بقيت في قلبه بقيّة من إنسان، وأما الذين غُشّيت أبصارهم بغبار الدنيا فما عادوا يَرَون، ولا عادت قلوبهم تَنفعل لحال إخوانهم، يمرّون على أخبار الموت كما يمرّون على نُكتة باهتة أو إعلانٍ تافه، ثم يعودون إلى لهوهم كأنّ شيئًا لم يكن.
إن الذي يجري في غزة امتحان للقلوب، فمن استيقظ فيه الإيمان قام ينفق ويواسي ويدعو ويجأر، ومن خذلته نفسه فلن يعدم عذرًا، يتعلّل بقلّة أو بعد أو عجز، وما درى أن العجز إنما هو في القلب، وأنّ الله لا يكلّف عبدًا فوق طاقته ولكن يسأله عن صدق وجهته، وهل تحرّك قلبه ساعة نُهبت طفولةٌ، وذُبحت أمومة، ونام الرجال على الحجارة والرماد.
يا هؤلاء، إن الله يبلوكم اليوم بهذا الثغر، فمن أدّى حقه فقد قام لله شاهداً، ومن تخلّف وتلكّأ وتباطأ، فلينظر ما حال قلبه، فإن العار لا ينزل من السماء، وإنما ينبت في القلوب حين تنكص عن مواضع الشرف والبذل.
وإن الذين يثبتون اليوم على ثغر الإنفاق، في خفاء أو جهر، في الليل أو النهار، هم حماة الدين قبل أن يكونوا أهل عطاء، هم جند الله وإن لم يحملوا سلاحًا، هم الذين يجاهدون بدموعهم ودعائهم ودراهمهم، وهم -والله- أقرب إلى النصر ممن خاض مئة معركة بلا يقين.
فيا من أنعم الله عليك، لا تكن ممن إذا جاءه البلاء اشتكى، وإذا رأى البلاء بغيره تولّى، بل كن من الشاكرين بالفعل، من الذاكرين بغير انقطاع، من الباذلين ولو بما في الجيب، فإن الله لا يضيع من أحسن.
غزة لا تريد دموعنا وحدها، تريد صدقًا يتحرّك، وغيرةً تنهض، وعزيمةً لا تعرف فتورًا، فافعل ما تستطيع، ولو بكلمة توقظ نائمًا أو دعوة تفتح باب رحمة أو درهم يسد جوعًا، فربّ بذرةٍ صغيرة أحيت قلبًا، وربّ إحسانٍ يسير رجّح كفة أمة.



