إن المتمعن في واقع المجتمعات الإنسانية والإسلامية خاصة يرى أن العالم في تغير على أسرع وتيرة، وهذا التغير تختلف الزاوية التتي ينظر إليه كل واحد، منه من يراه تغيرا نفعيا مصلحيا، ومنه من يراه تغير إفساديا سلبيا، وبين هذا وذاك سنحاول بمشيئة الله كشف الأتربة والغطاء على بعض الأمور لنرى هذا التغير من زاوية المصلحة العامة، هل هو تغير في صالح كافة المجتمعات أم هو لخدمة ثلة على صالح الأغلبية؟ هل هذا النفع الذي تراه هذه الثلة هو عين الصواب؟ هل حقا هو منفعة مادية وقيمية؟ هل حقا يخدم الإنسانية اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا..؟ أم هو تدمير لجانب أو جوانب لصالح جانب؟
بداية ؛ لابد أن نقرر ان كل إنسان في حاجة الى خمسة أمور؛ الدين، العقل، النفس، المال، النسل، ليحقق ثلاثة: سلامة وجوده، كمال وجوده، استمرار وجوده.
سلامة وجود الإنسان يكون بحفظ كليتي النفس والعقل من حيث الوجود والعدم أي زجريا ووقائيا. وكمال وجود الإنسان ؛ يكون بتحقيق السعادة واللذة وسلامة نفسه من الصراع الداخلي والمادي، وتوفير الحاجيات المادية والمعنوية موازنة بينها دون تغليب جانب دون آخر، ويتأتى هذا بحفظ كليتي: الدين والمال، الدين لتحقيق السعادة النفسية والروحية، والمال لتحقيق وتوفير ما تدع حاجة الإنسان إليه ويسد رغباته المشروعة، ويوفر له الرخاء إن كثر ، وهي كليات إنسانية قبل أن تكون كليات شرعية، فكل ذو توجه ديني واللاديني يجد نفسه في حاجة لهذه الكليات كأسس وجوده وبقائه .
وهي ما يطلق عليها في الدين الإسلامي ب”المصالح والمقاصد الشرعية” التي من أجلها شرعت الأحكام، من واجب، ومندوب، ومباح، وحرام.
حفظ النسل: “وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ”.
– حفظ العقل: قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل فاجتنبوه لعلكم تفلحون”، و”اقرأ باسم ربك الذي خلق”.
بعد ان اتضح ان الكليات هي كليات انسانية وشرعية، دعونا نضع المجتمعات الإسلامية في هذا القالب الموضوعي لنرى مدى حضور سبل حفظ هذ الضروريات من جانبيها الوجودي والعدمي؟ وأين الخلل؟ وما السبل المعينة لحفظها وصونها من أي اعتداء؟
إذا رجعنا الى محاولة تحديد الإجراءات الشرعية لصون هذه الكليات سنجدها لا تخرج عن أمرين
1- سلوك مرغوب فيه: وبالتالي يكون مناط الحكم هو درجة الرغبة والحاجة إليه، فيكون إما واجبا أو مباحا أو مندوبا.
2 – سلوك مرغوب عنه: فيكون مناط الحكم، حدة ضرره، فيكون حكمه اما حراما أو مكروها.
وهذان الأخيران جزء من مفهوم القيم الإسلامية إذ هي: – أي القيم الإسلامية – مجموعة من المؤشرات والمعايير المستمدة من القرآن والسنة من خلالها نحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من سلوك الإنسان.
فالمؤشرات تؤخذ من الوحي قرآنا وسنة فنبني عليها أحكاما لتصرفات الإنسان لنرى مدى نفعها أو ضررها، وبالتالي نكون حددنا قيما ينبغي التحاكم إليها وبإخلالها نخل بنظام الحياة كله أو معظمه لأن ذلك لا محالة يدمر أحد أو جل الكليات التي هي أساس وجود الإنسان، كيف ذلك؟
لو رجعنا الى المجتمع لنقوم بدراسة سطحية لبعض القيم التي فقدت وما هي أثرها فإننا سنجد ما يلي:
انتشار القتل، كثرة السرقة، استفحال الخصومات الجيرانية والنسبية والقرابية، نتيجة امتلاء الشوارع والمدن بالمتشردين الذين جارت عليهم لحظة شهوة –الزنا- جمعت بين عاطفة أو دعوى الحاجة وضعف دين وخدعة، فنتج عن ذلك حمل مولود شارع وتنشئة قسوية شاريعية ظروفية، والزنا لم تكن لتنتشر لو لم يكن هناك عري، والعري لم يكن ليستفحل لو لم يكم هناك انعدام لقيمة الحياء. وفقدان المجتمع لقيمة الأمانة مس بكلية المال، وقيمة الصدق مس بالدين والمال، وقيمة التعاون والتضامن والرحمة مس بالنفس بالاعتداء… ولك أيها القارئ أن تعمل بمبدأ الإسقاط والقياس لجميع القيم وعلاقتها بالكليات الخمس وهكذا هي الأمور مترابطة فيما بينها.
فالقيم الإسلامية والحفاظ عليها واجب تماشيا مع القاعدة “ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب”، فهي قيم ضرورية مهمة يحيا المجتمع بحيائها ويموت بموتها.