غيَّروا نظرة الإيطاليين للمسلمين.. مغاربة وعرب مهاجرون يدعمون سكان “بيرغامو” بالأغذية والكمامات الطبية
هوية بريس – متابعات
“سأُصلّي من أجلكم وأدعو لكم”، هكذا قالت السيدة “آلما” ليوسف باعلي، الشاب المغربي الذي حمل لها معه المواد الغذائية والمقتنيات الخاصة، بعد أن منعها الحجر الصحي وكبر سنها من مغادرة بيتها بإحدى ضواحي مدينة “بيرغامو” الإيطالية.
أسابيع صعبة تجتازها إيطاليا بسبب انتشار فيروس “كورونا”، لا يُخفِّف من وطأتها إلا مبادرات إنسانية لمتطوعين، أخذوا على عاتقهم مهمة تقديم المساعدة والدعم لكبار السن والمرضى.
سريعاً، انضم كثير من الشباب المسلمين إلى هذه المبادرات بشكل لافت، كان من بينهم يوسف.
يقول يوسف لمنبر ”عربي بوست” إن “الشرط الأساسي لأصحاب المبادرة أن نوفر المواد الأساسية والأدوية فقط، ممتنعين عن توفير المشروبات الكحولية ولحم الخنزير”
يوسف، وهو نائب رئيس “جمعية شباب مسلمي بيرغامو” يوضح أنهم حين يتلقون اتصالاً من إيطاليين “نخبرهم بشرطنا، يستقبلون الأمر بصدر رحب ولا يمانعون”.
يكسرون الحجر الصحي.. بمباركة من السلطات
منذ تفشي الوباء بالمقاطعة التابعة لإقليم “لومبارديا”، بؤرة انتشار الفيروس، عمل شباب الجمعية على التنسيق مع بلدية “بيرغامو”، منتظمين في مجموعات صغيرة على مستوى الأحياء، حيث يتلقون اتصالات من الأسر الإيطالية.
يتركون أطفالهم وأسرهم، ويخرجون لقضاء حوائج الناس، يقولون “نحن على استعداد لتقديم أي نوع من الخدمات، وهذا ما أخبرنا به البلدية والسلطات، التي سمحت لنا بكسر الحجر”.
تتنوع الخدمات التي يقدمها المتطوعون مثل زيارة الأطباء المعالجين لمسنين ومرضى وجلب الوصفات الطبية، يقول يوسف “خدماتنا مجانية، بل حتى ثمن النقل لا نأخذه من الأسر، يكون على حسابنا الشخصي”، وفيما تحاول بعض الأسر تعويضنا مادياً “نخبرهم أن عملنا تطوعي وأن ثوابنا عند الله، وأن هذا ما يوصي به ديننا”.
مبادرات تغير نظرة الإيطاليين للمسلمين
“آخر توقعاتي أن يتكلف مهاجرون مسلمون بقضاء أغراضي”، تكررت هذه الجملة على أسماع يوسف وأصدقائه كلما طرقوا أبواب أسر إيطالية ليسلموهم أغراضهم.
“يصابون بالصدمة، ويظهر على محياهم مزيج من المشاعر، ينقلب إلى سيل من كلمات الشكر بعد تسليمهم الأغراض وسؤالهم عن أحوالهم وأسرهم”، يحكي باعلي لـ”عربي بوست” بكثير من التأثر.
ويرى الشاب المقيم في إيطاليا أن هذه المبادرة ستحرك الكثير من المياه الراكدة، وتغير الصورة النمطية لدى الإيطاليين والأوروبيين عموماً تجاه المهاجرين والمسلمين.
واستطرد المتحدث بالقول “الإسلام دين الرحمة والسلم، بل حتى أننا أخطرنا البلدية برغبتنا واستعدادنا للتكفل بالأسر الفقيرة واقتناء كافة المواد الغذائية والأدوية من أموال الجمعية والمتبرعين”.
كمامات أبكت صيدلانية إيطالية
عانت المناطق الشمالية في إيطاليا التي شملها الوباء، ومن بينها “بيرغامو”، من نقص حاد في المعدات والمستلزمات الواقية، ومن بينها الكمامات التي فُقدت بالصيدليات.
يحكي نائب رئيس جمعية “شباب مسلمي بيرغامو”، أنه قصد الصيدلية الموجودة بالقرب من المسجد، سائلاً الصيدلانية عن الكمامات الواقية لتخبره بعدم توفرها، ومؤكدة أنها والعاملين بالصيدلية لم يجدوا كمامات للاستعمال الشخصي حتى.
يستطرد باعلي قائلاً: “استطعنا في الجمعية توفير الكمامات، خصصنا كمية منها للصيدلية والعاملين بها، فما كان من العاملة بالصيدلية التي قصدتها سابقاً إلا أن انفجرت باكية، واستمرت في شكرنا على هذا الموقف”.
يوزع “البيتزا” على الأطر الصحية مجاناً
انتشرت قصص الشباب المسلمين بين الإيطاليين، وأصبحوا حديث وسائل الإعلام المحلية، حتى بادر معارفهم وجيرانهم الإيطاليون بالاتصال بهم وشكرهم على مبادراتهم الإنسانية.
محمد الصياد، مصري استقر في إيطاليا منذ 2007، كانت له مبادرة فريدة أيضاً، يقول لـ”عربي بوست”، إنه تلقى معاملة جيدة من الإيطاليين طيلة مدة إقامته، ويبدو أنه قرر رد المعروف.
“لم يسيئوا لي يوماً” يقول الصياد، الذي قرر خَبز “البيتزا” بمحل “البيتزيريا” الذي يملكه، وتوزيعها على أطباء وممرضين يعتنون بمصابي “كورونا” بالمجان.
يقول الصياد بعد الوباء أحسست أنه من واجبي أن أمد يد المساعدة، فجاءتني فكرة أن أصنع البيتزا، ثم أقصد المستشفى لتسليمها للطاقم الصحي مع مشروبات الصودا.
تخوف الشاب المصري من ردة فعل العاملين بالمستشفى في البداية، يقول لمنبر ”عربي بوست”، “ربما يرفضون الفكرة ويمتنعون عن تسلم البيتزا مني وتناولها، لكن الابتسامة على وجوههم كانت تفرحني جداً، وكنت سعيداً بتقديم صورة جيدة عن المهاجر المسلم”.
الصياد استغرب كيف أن دولاً عربية مسلمة بدأت في طرد الوافدين والعمالة ومعاملتهم معاملة سيئة، في وقت يتمتع المهاجرون ببلدان غير مسلمة بالحقوق والتعامل الجيد، “حتى إنهم يتصلون بنا في بيوتنا ليسألوا إن كنا بحاجة للمواد الغذائية أو الأدوية، ويتركون لنا أرقاماً للاتصال بهم في حالة الطوارئ”.