فؤاد بوعلي يكتب: السؤال اللغوي عند علال الفاسي
هوية بريس – د. فؤاد بوعلي
قام بناء الدولة المغربية الحديثة بعد الاستقلال على عناصر الهوية الأربعة التي أعلنتها “اللجنة الملكية لإصلاح التعليم”، التي كونها الملك الراحل محمد الخامس وعقدت أول اجتماع لها يوم 28 سبتمبر 1957. والواقع أن تكوين هذه اللجنة في هذا التاريخ هو إحياء للجنة تحمل نفس الاسم شكلت أثناء الحماية، عقب الحرب العالمية الثانية، ولكنها فشلت في مهمتها خاصة بعد أن عدل الفرنسيون عن سياسة “التفتح” التي كان قد سلكها آنذاك المقيم العام الفرنسي في المغرب إريك لابون، مما دفع بالأمور نحو الأزمة التي انتهت بالمقاومة وجيش التحرير واستقلال المغرب. والعناصر أو المبادئ الأربعة هي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر. وإذا كان المبدأ الأخير قد عرف التطبيق الكامل فإن مبدأي التعميم والتوحيد قد شهدا تطبيقا جزئيا. في حين أن التعريب قد ووجه بشدة من قبل مجموعة من الأطراف التي توالت على إدارة الشأن العام بشكل أفرغ المشاريع التي أشرفت عليها بعض الحكومات من مضمونها خاصة بعد السيطرة على العديد من القطاعات الحساسة داخل الدولة وصبغها بصبغة فرنسية مطلقة لا يمكن الاقتراب منها (قطاع الهندسة مثلا). وأصبح الجميع مقتنعا بأن السبب الرئيس في أزمة التعليم هو سياسة التعريب المرتجلة التي استنتها المناظرة الوطنية حول التعليم بغابة المعمورة في سنة1960 بحضور400 شخصية على هامش البرلمان التي قررت ما يلي: “لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغات إلا ابتداء من التعليم الثانوي” والتي توقفت في منتصف الطريق فعرقلت بذلك التنمية المعرفية للمتلقي المغربي.
يرتبط الإصلاح الاجتماعي في عمقه بإصلاح تربوي بيداغوجي. لذلك تعمد علال أن يدرج الحديث عن هذا المدخل في ذيل حديثه عن برنامجه الاجتماعي. فبعد إصلاح العائلة ينتقل إلى مؤسسات الدولة المتعددة وفي مقدمتها المدرسة . فما هي رؤية علال للمدرسة المغربية ؟ وما هي مقومات مشروعه الإصلاحي للتعليم؟
2.4 ـ المسألة اللغوية في المدرسة المغربية: عروبة المدرسة.
الحديث عن الإصلاح اللغوي يرتبط بتأطير دعوة الفاسي بواقع استعماري حاول تجاوزه دون القفز عليه. حيث يبدأ الخطاب العلالي بضبط فسيفساء التواصل اللغوي في وطن الحماية . ففي العهد الاستعماري كانت المدارس بالمغرب متعددة، فهناك المدارس الفرنسية العربية لأبناء المسلمين، والمدارس الفرنسية العربية لبنات المسلمين، والمدارس الإسرائيلية الخاصة باليهود المغاربة، والمدارس الفرنسية البربرية، والمدارس البدوية، والمدارس الحضرية••• الخ.” ومن المعلوم ـ من جهة التربية ـ أن تعدد لغات التعليم في البلد الواحد يضر أضرارا فاحشة بتكوين الأبناء ومستقبل الثقافة في الوطن ، وإن واجب الدولة أن تعمل ما في استطاعتها لتكوين لغة الدراسة واحدة في جميع أجزاء القطر وفي كل مراحل التعليم ” 50 . وبالطبع أن هذا التعدد التربوي سينعكس على الهوية الثقافية للذات الوطنية التي ستعرف لا محالة نوعا من التشرذم والتجزئ. وهم علال المبدئي هو بعث الوحدة داخل هذه الذات . بل الأدهى هو غياب شبه تام للغة الهوية في التواصل الدراسي باستثناء المدارس العتيقة . لذا يقرر أن من الواجب جعل اللغة القومية هي أسلوب التربية وكما روى عن صديقه بلا فريج : ” إن العلم إذا أخذته بلغته أخذته ، وإذا أخذته بلغة غيرك أخذك” 51. فكان مدخل التحرر هو الحفاظ على ثوابت الهوية الحضارية للأمة لأن “الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها “52. إن هذا التعدد في لغات التدريس معناه فتح المجال للتفكير بطرق متعددة، وترسيخ الاستيلاب الثقافي والفكري، وتشويه مقومات الهوية الثقافية والجماعية . مما يعني أن النتائج السلبية لا ترتبط فقط بالتلميذ بل بالهوية الوطنية . لذا أخذت الحركة الوطنية على عاتقها مسألة الإصلاح التربوي كمدخل أساسي للتحرر من هيمنة الثقافة الاستعمارية . واللغة القومية بالطبع هي العربية “إن لغة التعليم في المغرب يجب أن تكون واحدة ، يجب أن تكون هي اللغة العربية ، فإذا أخذت لغتنا مركزها من كل المدارس لم يعد علينا بأس بعد ذلك إذا أضفنا لها لغة أو لغات حية تفتح لنا آفاق الاتصال بالعالم الغربي الذي نتطلع إلى الاقتباس من تجاربه وفلسفاته”53. إن استمرارية الهيمنة اللغوية في المغرب المعاصر ووصلها إلى مستوى أكثر حدة يدفعنا إلى تسجيل راهنية الخطاب العلالي وصدق تشبثه بالعربية لغة معبرة عن هوية الشعب المغربي في كفاحه ضد أنواع الاستلاب والتبعية. وفي كل محطاته السياسية ظل محافظا على نفس التوجه ، منتقلا بالمسألة من مستوى التربية إلى مستوى أوسع أي تعريب الإدارة وكل مؤسسات الدولة . يقول :” إن اللغة العربية لغتنا القومية والدينية والواجب أن نعنى بها ونعطيها المركز اللائق في الإدارة والمدرسة والمتجر والمسجد …. ولاشك أن حياة لغتنا بعث لوجودنا الثقافي وصلة مستمرة مع ماضينا ومستقبلنا وتحرير لنا من هيمنة الكلمة الأجنبية التي توحي إلينا من الإلهامات ما يملأنا بروح أجنبية بعيدة عنا “54 . ويقول : ” يجب أن نناضل لتعريب التعليم في جميع مراحله ، ، فاللغة هي التي تكون الفكر والمنطق معا كما يجب أن نناضل لدراسة أدبنا العربي منذ عصر الجاهلية الأولى إلى عصرنا الحاضر ، بما في ذلك الشعر الجاهلي والمخضرم وشعراء العصور المتعاقبة ، والقرآن الذي يطبع اللسان والعقل والقلب بالأدب العالي والحكمة الغالية والخلق السليم ….. أما العلوم فيجب أن تدرس هي الأخرى بالعربية وبكيفية تجعلها تحدث في نفوس التلاميذ والطلاب والإحساس بالإعجاب “55. فهل استطاع ورثة علال أن يحافظوا على دعوته ؟ أعتقد أن غياب الروح العلالية يجعل كل ركائز دعوته تظل في إطار شعاراتي محض وتغيب الأهداف الحقيقية لدعوته الإصلاحية.
3.4 ـ المسألة الدينية في الخطاب العلالي: أسلمة المدرسة .
ينطلق علال من ثابت أساسي في فكر الحركة الوطنية :” لا يمكننا أن نتصور مدرسة مغربية لا تعنى بتعليم الدين ، فهو واجب وجوب اللغة والتاريخ والحساب وغيرها من المواد الأولية التي لايستغنى عنها منهج من مناهج التعليم “56 . ففي مسار إصلاح المدرسة المغربية ، يؤسس الزعيم علال دعوته إلى أسلمة المدرسة على مرجعية نظرية تبرز قدراته الفكرية التأسيسية تتمثل في الأصول التاريخية للتيار اللاديني العلماني في الغرب عموما وفي فرنسا على وجه الخصوص، مثبتا أن ثورة الثائرين لم تكن في جوهرها ثورة على الدين بل على رجاله الذين استغلوا نفوذهم الروحي لاستعباد الشعب . وقد أنتجت اللادينية فكرة الحياد المدرسي التي أثبتت التجربة ـ حسب علال ـ أنها انقلبت حربا على الدين والمتدينين ، مما أدى بفرنسا إلى التراجع عن فكرة اللادينية إلى فكرة الحياد عن طريق الدين57. وقد دفع هذا الطرح النظري الباحث في أصول الظاهرة عبد الله العروي إلى اتهام علال بوعي مزدوج . إذ يقول: «تحضر ظاهرة الوعي المزدوج عند علال الفاسي في كل مكان؛ فهو يدرس مجتمعه من خلال وعي ديني ونقدي وينتقد الغرب من خلال وعي ليبرالي؛ إذ ينكر عليه حتمية يؤكدها للآخر ويؤيد ديمومة إسلامية وفوق تاريخية يرفضها للمسيحية الغربية»58. لكن الواقع أن علال المؤمن بقضية الهوية الحضارية لأمة باحثة عن الانعتاق والتحرر يناقش القضايا المفروضة استعماريا في منبتها الأصلي ويعالجها وفق قضايا التربية . حيث يؤسس فكرته على ضابط حق الطفل في التربية الشاملة . “فإن للطفل الحق في أن يستفيد من جميع المنابع التربوية التي أعدتها له الطبيعة وقدمتها له الأنظمة الاجتماعية للأمم المتحضرة ، وليس حقه في أن يترك ويوضع رهن قوته الصغيرة …. وليس معنى هذا أن الطفل ملك لوالديه أو لأقاربه يفعلون به ما يشاؤون أو يعاملونه معاملة العبد والمتاع ، ولا أنه ملك للدولة تتصرف فيه كيف تريد ، ولكنه مملوك نفسه وموضوع تحت مسؤولية كل من الأسرة والطائفة التي ينتمي أبواه إليها والدولة التي هو أحد رعاياها “59. وهكذا فإن التعليم العلماني لا يمكن أن يقوم في المغرب، باعتبار الانتماء الإسلامي للمغرب وعلى المدرسة أن تسهر على تربية الأجيال الناشئة بحسب مبادئ الميراث الروحي المشترك للأمة المغربية في مجموعها وحفاظا على حق الطفل في التربية : ” وإن منع الأبناء من ثقافة الإسلام لحرمان لهم من أسمى معاني النفس وأوسع بنيات العقل وأفسح ميادين الحرية”60.
4.4 ـ برنامج التعليم : مقترحات علالية.
“إن قضية التعليم قضية حياة أو موت لأن كل ما نريده للأمة من رفاهية وأمن وحرية لا يمكن أن يتم إلا إذا أعدته لنفسها بنفسها . وذلك ما لا يتيسر لها إذا بقيت في هذه الحالة يحيط بها الجهل ويعوقها من الاستفادة من خيرات الوطن ومن موهبة الفكر التي هي ميزة الإنسان “61. تأسيسا على هذه المصادرة لا يقف الخطاب العلالي عند حدود الأفكار العامة بل يقدم مقترحات عمليا للتطبيق في المدرسة المغربية والتي تظل مشروطة بواقع الحماية والقضية الوطنية ، لكنها ذات أفق واسع في بناء مؤسسات الدولة . ونشير الآن إلى أهم هذه الحلول الإجرائية:
أ ـ إجبارية التعليم: ترتبط دعوة الفاسي إلى تعميم التعليم على كافة الشعب المغربي وإجباريته بثلاث مرجعيات : واقعية وإسلامية ووطنية . فواقعيا كرس النظام الاستعماري واقعا تعليميا يقوم على أساس الحظوة والمكافأة أي “على أساس اعتبار المكان المدرسي منحة للأبناء يحرم منها أولاد الشعب وأبناء الفقراء ، ويتمتع بها أبناء الأعيان وبعض من يساعدهم الحظ من ذوي الوسائط والحيثيات “62. لذا يفرض قلب هذا الوضع استئناسا بما عرفته التجربة الأوربية التي قامت نهضتها على مقاومة التمييز الطبقي بين أبناء الشعب الواحد وتعميم المعرفة على الجميع.
وإسلاميا يمكن تأصيل فكرة التعميم كفرض ديني من خلال فرض التعلم على كل المسلمين ونشر المعرفة بين أبناء المجتمع وفق ظروف كل جيل.
ووطنيا صاغت الحركة الوطنية برنامجها الإصلاحي على فرضية التعليم ووجوب قيام الدولة بالإنفاق عليه من الميزانية العامة وتعميمه على كل أفراد الشعب. وقد وضع علال لذلك مخططا استراتيجيا يقوم على مدة عشر سنوات وتقسيم المملكة إلى عشر مقاطعات تعليمية وكهدف أولي تأسيس أربع مائة مدرسة سنويا.. «إن الحكومة التي لا تعنى بالمعرفة، ولا تجعلها في متناول جميع الطبقات، ولا تحمل الجاهلين على أن يتعلموا لهي حكومة لا قيمة لها في الاعتداد العصري، ولا تستحق من المواطنين أي احترام أو تقدير”63.
ب ـ مواد التعليم ومناهجه : لكي يكون التعليم ناجحا ويصل إلى النتائج المرجوة ينبغي تصحيح الأسلوب الدراسي والرهان على نفعيته. ”ويمكننا أن نعتبر مقياس النفع في منهج ما باعتبار الهدف الذي يرمي إليه من دراسة مادة من المواد ، فإذا وجدنا الأسلوب يحقق ذلك الهدف فهو الأسلوب الصحيح النافع ، وإلا فيجب البحث عن تعويضه بغيره من الأساليب تبعا لتجاربنا أو تجارب غيرنا”64. وفي سياق مناقشته للمواد الواجب تدريسها يعود الفاسي إلى تقارير المؤتمر الثقافي الأول للجامعة العربية، التي أوصت بعدم إغفال مبدأ الاستقلال كحق طبيعي لجميع الشعوب، وهو مبدأ موجه لممارسة هذا المفكر، سياسيا وثقافيا. ومن ثمة يتأكد بوضوح الربط العضوي الذي يقيمه المؤلف بين إصلاح التعليم كقاعدة للإصلاح الحقيقي والاستقلال كمنطلق نحو الحرية الشاملة، لأن الاستقلال ليس مفتاحا لحل كل مشاكل المجتمع العربي ، ومن هنا يظهر أن المدرسة المغربية التي عليها ألا تغفل تدريس مواد التربية الوطنية التي ستكون ليس فقط جمعا من المعارف ، بل أيضا أداة لجعل المواطن صالحا لوطنه الخاص، ثم لسائر العالم65. وهذا يرتبط إلى حد كبير بالوحدة المنشودة في المنهجية التدريسية . إذ كانت المدرسة المغربية تعرف ـ في عهد الحماية ـ تعددا في أنواع التعليم: تعليم إسلامي، وتعليم عربي، وتعليم أوروبي، وتعليم إسرائيلي. وهذا التعدد يحمل خطورة لأن “أخطر ما يفسد البرامج التعليمية في بلادنا هو هذا التنوع الذي تقصد إليه السياسة قصدا، وهذه المدارس التي تخصص لأبناء الأعيان، أو التي تهيأ لأبناء الفقراء” 66. والمسألة هي أكبر من مجرد منهج تعليمي بل ترتبط إلى حد كبير بالهوية الثقافية للأمة . حيث تهدف السياسة التعليمية الفرنسية إدخال القيم الثقافية الغربية بيئتنا الثقافية وعالمنا الوجداني، فيكون التدريس الإجباري لتاريخ وجغرافية فرنسا مقابل إهمال تاريخنا الوطني والقومي، لأنه ينقض التخطيط الاستعماري في مجال التعليم والثقافة الذي يهدف إلى تعريف التلميذ المغربي بتاريخ فرنسا وينسى تاريخ بلاده ، وأن يعرف جغرافية فرنسا التي تدخل بلدان المغرب ضمن حدودها السياسية والترابية لتصبح الحدود المصطنعة بين بلدان العالم العربي واقعا نفسيا وماديا، وتصبح بعض بلدانه (الجزائر) جزءا لا ينفصل عن الكل الفرنسي. لذا يرمي ثقل المسؤولية على النخبة المثقفة حين القول :” إن نخبة قليلة في أمة جاهلة لن يكون لها اعتداد إلا إذا كانت ستكافح من أجل تعميم المعرفة وإيصال نورها لكل العقول وسائر البيوت “68.
استنتاج أولي:
تتيح أطروحات علال الفاسي حول التربية استخلاص القوة التأسيسية للبناء التربوي داخل الخطاب العلالي. فقد ربط مسار التحرر السياسي والثقافي بإصلاح تربوي للمدرسة المغربية يحافظ على هويتها الحضارية وعلى عناصر وجود الأمة. لذلك تحدث عن كل جوانب المسألة التربوية من موقع المصلح الاجتماعي والمنظر السياسي ، دون أن يدخل في دهاليز النظريات البيداغوجية ، لكن بمحاولته تأطير دعوته والكلام عن كل جوانب المسألة ولو من باب الإشارة . وهكذا نجده يتحدث عن : دور المعلم ، وعن التعليم المهني ودوره في النهضة الوطنية ، وعن محو الأمية أو ما سماه تعليم الكهول … وكل ذلك من أجل النهضة بالإنسان المغربي والحفاظ على خصوصياته.
5 ـ الهوية المغربية في القول العلالي: سؤال الانتماء.
من هو المغربي؟
هو سؤال يوجه لكل ذي رؤية، ولحامل كل مشروع للتغيير من طينة علال . فالخطوة التأسيسية ينبغي أن تبدأ بالذات، من نحن؟ حتى يتعرف المتلقي من يخاطبه، ويقتنع بأن هذا الخطاب يستند إلى أرضية جغرافية ومرجعية تاريخية وثقافية ودينية محددة .
يتأسس القول العلالي على مبدأ الاشتغال بالإنسان المغربي وتجميع صفاته الذاتية والشرطية بغية خلق نموذج أفضل يتجاوز عقبات اللحظة الاستعمارية ونتوءات التخلف الفكري . فالهم الجوهري الذي شغل الفاسي كان تأسيس الخصوصية المغربية في ظل المشترك الإسلامي والإنساني . لذلك كان السؤال الذي حاول الإجابة عنه طيلة مسيرته التأسيسية والإصلاحية هو : كيف نفكر بالمجتمع المغربي ؟ ومن حقنا أن نتساءل : هل هي نوع من القوقعة الجغرافية أم هو تأسيس للنهضة الذاتية التي تحافظ على شروط الانتماء وضوابط الخصوصية؟
1.5 ـ مقومات الخصوصية الوطنية: إن سؤال الهوية يجد جوابه في التئام كل دلالات ومعاني وجود الإنسان المغربي، أي في البعد التاريخي والجغرافي والحضاري والديني والعرقي . والوعي بهذه الخصوصية انطلق في الخطاب العلالي من وعي نقيض للطرح الاستعماري القائم على النظرة الدونية الازدرائية للإنسان المغربي والشك في قدراته الذهنية والتدبيرية للشأن الوطني . فقد فرضت ظروف الحماية على المنظر الفاسي الاحتماء بالعديد من مقومات الذات التي يمكنها الانتصار في معركة التحرير. وهذا انطلاقا من فكرة إثبات القدرة الوجودية في مقابل المهانة التي فرضها المحتل. يقول في ختام مشروعه الضخم “النقد الذاتي”: ”وكانت بعض الأحزاب الأجنبية تغرغر دائما كلمات التثبيط زاعمة أننا لا نعرف ما نفعله في المغرب لو أن هذا الوطن أصبح في أيدنا وبعيدا كل استعباد غربي أحببت أن أشرك معي في هذا الشعور كافة المخلصين من أبناء قومي… وأن أعطي أمثلة عملية من مقدرتنا على التفكير المستقل عن كل مقياس غير وطني …”68. بهذه القناعة أسس الفاسي دفاعه عن الذات الوطنية عبر تحديد مقوماته التمييزية في أصول ثلاثة: جغرافي يتمثل في طبيعة الأرض وذاتي يتمثل في النموذج النفسي وسوسيولوجي في الحاجة إلى التطور. وقد أخذت هذه الأصول شرعيتها التنفيذية عبر الضوابط التالية:
أ ـ الخصوصية الجغرافية وبناء النموذج النفسي: يرتبط النموذج النفسي المغربي بطبيعة الأرض وهندسة الجغرافيا. يقول علال: ”إذا نحن نظرنا للبلاد المغربية نجدها لا تتصل برا إلا عن طريق الصحراء الواسعة التي تربطها بالشرق الأوسط وبمهابط الوحي الإلهي في الأراضي المقدسة، ونجد سلسلة الجبال الأطلسية تحيط بها في شكل منطقة محكمة فتقويها على الثبات في كيانها المنعزل عما وراء البحار ، ولكتها في الوقت نفسه تمنحها المناعة المتينة التي تحبب إلى روحها الحرية والكفاح ضد كل معتد عليها بينما تعطيها البحار المحدقة بها عمق المحيط وسذاجة المتوسط ، وتصل بها الأرض إلى الصحارى الكبرى التي تعكس عن باطنها أشعة الوحي وسعة القلب وقوة الإيمان “69. فالارتباط بالأرض يزداد عمقا من خلال التأثير الذي تمارسه التضاريس على نفسية الإنسان المغربي . حيث يمنحه المحيط عمقا فكريا يميزها عن كل الشعوب العربية ، والسلسلة الجبلية انكفاء على الذات واعتزازا بها، والصحراء امتدادا للتلاقي مع المشرق . وهذه الإشارات التي تضمنها الخطاب العلالي تبرز فهما سوسيولوجيا للعلاقة الجدلية بين الإنسان ومحيطه الجغرافي . لكن الاعتداد المراهن عليه هنا هو إثبات الارتباط الروحي بين النموذج المشرقي والنموذج المغربي والرفض الدائم للنموذج الغربي اللاتيني للفاصل البحري بينهما. في حين أن الارتباط مع الآخر الشرقي كان بريا وممكنا. وقد استند الفاسي في ذلك على معطيات التاريخ :” هذه الطبيعة الأرضية المغربية لم تستطع أن تجد النموذج الذي يمكن أن تتحد معه إلا في المثل العليا التي وردت عليها عن طريق البر تستطيع أن تتأكد ذلك بنفسك كلما رجعت التاريخ القديم وما بعده في هذه البلاد “70. فالدولة الوحيدة التي استطاعت الاندماج في التربة المغربية هي القرطاجية -لأصولها المتوسطية اللبنانية- التي استطاعت أن تغرس في المغاربة ثقافتها الفينيقية . في حين أن كل الواردين من وراء البحار لم يستطيعوا أن يندمجوا في الذات المغربية التي لفظتهم عند أول فرصة. بل الأكثر من ذلك، إن الديانة المسيحية أتت |إلى المغرب من الشرق ، لكن بمجرد أن اعتمدها الرومانيون رفضت من قبل المغاربة .”والعلة في ذلك على ما نرى هو أن نموذجهم النفسي وطبيعة الأرض التي جاءوا منها لم تكن متفقة مع ما اختاره المغاربة من نموذج مشرقي ومع الطبيعة التي لأرض المغرب”71. والقصد الأصلي هو التأسيس للعلاقة التاريخية بين المغرب الأقصى والمشرق اعتمادا على دعامات جغرافية ونفسية ورفض للنموذج الغربي بكل تفاصيله الحضارية والثقافية التي انبنت عليه أطروحته. فهل هو تأسيس لوعي نقيض للظاهرة الاستعمارية؟ الجواب: نعم. يقول علال: ”لقد طال أمد الاستعمار الروماني والبيزنطي والوندالي في البلاد ولكنه لم يستطع أن ينال من معنوياتها أو يقضي على شخصياتها ، وها هو ذا الاستعمار الفرنسي والإسباني يزداد طغيانا علينا اليوم ويحسب أنه بالإرهاب والعسف والكيد للعروبة وللقومية سيقضي على وجودنا كأمة عربية مستقلة، ولكن التاريخ سيعيد نفسه وسينتهي من هذا الاستعمار كما انتهى من قبله ، ولن يبقى من أثره إلا ما يسجله من صفحات للكفاح المغربي ومن ضعف معنوي للطغيان الأوربي”72.
ب- القومية المغربية أو الروح الاستقلالية: إن الوعي العلالي مرتبط في جوهره باللحظة الاستعمارية، لكنه لا يعني الذوبان في الذات المشرقية بحيث يلح على وجود مزايلة فكرية وذهنية .”على أن المغرب بالرغم من ارتضائه الإسلام دينا والعربية لغة ظل دائما معتدا بوجوده الخاص ناشدا مكانه تحت شمس العروبة ، غير راض أن يكون في مؤخرة القافلة العربية أو بعيدا عن مركز القيادة منها” 73. ولا يمكن فصل هذا الوعي التأسيسي للخصوصية عن الفكرة التي قامت عليها الدعوة النهضوية في المغرب التي آمنت بضرورة البحث عن مقومات التميز المغربي في شتى المجالات العلمية والفكرية والسياسية، وهذا ما أثمر كتاب “النبوغ المغربي” لعبد الله كنون الذي قال في مقدمته: “لما بحثت ونقبت وجدت كنوزًا عظيمة من أدب لا يقصر في مادته عن أدب أي قطر من الأقطار العربية الأخرى، ووجدت شخصيات علمية وأدبية لها في مجال الإنتاج والتفكير مقام رفيع، ولكن الإهمال قد عفا على ذلك كله…، فاحتاج إلى من يبعثه”. وفي هذا المعنى يقول العلامة ابن حزم الظاهري منذ قرون طويلة دلالة على نفس المعنى:
أنا الشمسُ في جوّ العلوم منيرةٌ لكن عيْبي أن مطلـــعيَ الغربُ
ولو أنّني من جانب الشرق طالعٌ لجدّ على ما ضاع من ذكريَ النهبُ
وهذه القومية ليست وليدة الإسلام ودخول العرب إلى المغرب بل تجد جذورها في المرحلة ما قبل الإسلام لأنها مؤسسة على مقومات الجغرافيا :” فالقومية موجودة منذ القديم فيما قبل الإسلام وبعده مبثوتة في كل الآثار المغربية التي سلمت من عوادي الدهر وإنك لتجد في كتب ابن جبير وابن خلدون وفي شعر ابن هانئ متنبي المغرب وغيرهم من الأدلة الواضحة على تمسك المغربي بوطنه وحبه لبلاده وتفضيله لها حتى على الأوطان الشقيقة ما لا تجده في آثار أدباء الأمم المعاصرة لهم “74. وهذه الذاتية هي التي نمت روح الاستقلالية في الإنسان المغربي وعدم قبوله الانصياع حتى لأقاربه المشارقة.
ج ـ حب الحرية: تقوم الذات المغربية على حب الحرية والانعتاق”؛ إن المغربي منذ كان يحب الحرية ويعشقها ، وهو لذلك يدافع عنها ويبذله كل مجهوداته للتمتع بها ، وقد وصل حبه للحرية إلى أن نبذ كثيرا من الأنظمة ورفض الاتصال بالعالم الخارجي وانزوى على نفسه “75. فهل صحيح أن الإنسان المغربي يتميز عن غيره بهذه الصفة؟ يبقى الخطاب العلالي مشروطا بواقع الحماية الذي يحرك كل معطياته . حيث راح الفاسي يبحث في ثنايا الذات عن مقومات تثبت تميزها في إطار التضاد مع الآخر المستعمر. لذا قدم تفسيرا تعليليا لصراع التحرير والاستقلال فاعتبر نضال المغاربة ، ليس وليد اللحظة الاستعمارية، بل هو جزء من التركيبة البنيوية للذات المغربية. ولذا فالبحث عن الحرية يجد أصوله في طبيعة الأرض وجغرافية المكان التي جعلت الإنسان المغربي غير قابل للانصياع لأية سلطة خارجية. ”فلم تقف أمة من الأمم ولا شعب من الشعوب في وجه الدولة الفاتحة أو العناصر الأجنبية المهاجرة كمثل ما وقفته أمة المغرب العربي في جميع عصورها”76 .
د- قبول المبدأ دون السلطة: عرف المغرب ديانات وتيارات فكرية قادمة من خارج حدوده، لكنه لم يخضع لسلطتها الروحية. ”فقد اعتنق المسيحية ولكنه رفض أن يخضع للكنيسة الرسمية، واعتنق الإسلام ولكنه رفض أن يتبع الخلافة العباسية، بل حتى الأموية التي كانت بجانبه في الأندلس “77. وهذا يعني أن الفكر المغربي يقبل الأفكار الواردة عليه لكن دون أن تمارس عليه سلطة من أصحابها . وهذا يعني أن هذه الأفكار توطن بشكل تندمج في نسيج المجتمع المغربي وتأخذ طابعه الخاص . ويستشهد في سبيل تأكيد هذه الفكرة بتاريخ الزوايا في المغرب التي أثبتت استقلاليتها الروحية والتنظيمية عن المشرق، حيث تكون المشيخة في جل الأحوال بأيد مغربية وإن كان الولاء القلبي والسلالي يعود إلى خارج الحدود.
هـ- الوطنية: تعني في الخطاب العلالي اجتماع ثلاث مفردات تأسيسية: الأرض والفكرة والمثل العالي. فكيفما كانت الحدود الجغرافية التي تأرجحت بين الاتساع والضيق حسب العصور والدول بقي المغربي مؤمنا بالمكان ومعتزا بوجوده فيه ومدافعا عنه. لذا فإن “الوطنية بمعنى الدفاع عن النفس والذب عن الكيان والميل للحرية الفردية والاجتماعية صفة من أظهر الصفات التي امتاز بها المغاربة في مراحل حياتهم وتجاربهم التاريخية“78.
وـ الخصوصية الفكرية المغربية: تتميز الذهنية المغربية بالعديد من السمات التي تعد بحق قيمة مضافة في التراث العربي . ويمكن الإشارة إلى أهمها وجودا في الخطاب العلالي:
ـ العقلانية :يعتقد العديد من الباحثين ـ خاصة في المشرق ـ أن الدكتور الجابري كان أول من أشار إلى عقلانية علماء المغرب وفلاسفته . والواقع أننا نجد عند علال الفاسي ما يفيد ذلك وإن بدا على شكل إشارات . يقول الفاسي : ” وقد استخرج صديقنا الدكتور عمر فروخ في رسالته عن ابن باجة بعض المعطيات التي قدمها المفكرون المغاربة للثقافة العربية وفي مقدمتها سيطرة العقل عند المغاربة وحسن الإنتاج والابتكار إلى جودة التنسيق والاختصار . ونضيف إلى ذلك أن المغاربة عملوا على توحيد مجتمعهم لا من جهة العقائد و لامن جهة الفروع فتخلصوا من الطائفيات وانصرفوا لدراسة الإنسان وعلاقته بالطبيعة متجنبين بقدر الإمكان كل الأبحاث الميتافزيقية التي لا يمكن للإنسان إدراكها إلا عن طريق النقل “79. وقد منحهم هذا النزوع العقلاني إمكانية تقبل المذاهب المعتمدة على المنطق والتفكير السليم ومحاربة الأهواء والنماذج الأسطورية . ولذلك قبلت التربة المراكشية الدعوة الوهابية السلفية لقيامها على إحياء عقلانية الإسلام والرجوع إلى منبعه الأصلي . يقول :” يظهر أن مراكش مهيأة أكثر من كل بلد إسلامي لقبول الحركات التي تطالب بالعودة للدين الصحيح والعقيدة السنية ويبدو أن بساطة هذه الدعوة ووضوح طابعها يتفق إلى بعيد مع سذاجة الصوفية المغربية وحب الطيعة القومية للتأكد من الأشياء”80.
ـ مقومات المذهبية: لعل اختيار المغاربة المذهب المالكي في التشريع الفقهي لم يكن صدفة تاريخية ولكن له في ثنايا الخطاب العلالي تفسيرا منطقيا يعود به إلى “روح النضالية الموجودة في الإمام مالك والمتفقة مع روح الكفاح الذي هو من أعظم أوصاف البربر”81. ففي محاضرته “نضالية الإمام مالك ومذهبه” يؤسس الفاسي لما يمكن تسميته بالمقومات المذهبية للذات المغربية من خلال ثلاثية: المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي. يقول: ”وفد على المغرب في عهد الأغالبة دعاة الأشعرية فوجدوا من المالكية تقبلا حسنا وأخذت عناصر الوحدة التشريعية في التبلور في الوقت الذي كان يمهد تصوف الفقهاء لبلورة وحدة صوفية على طريقة الجنيد”82.
والآن هل صحيح ما ذهب إليه الفاسي بخصوص مقومات الذات المغربية ؟ وهل ما ذكر هو من باب الدرس أم التمجيد الاعتدادي بالذات؟… نعتقد أن قراءة الحديث العلالي عن الهوية يبقى مشروطا بواقعه الإنتاجي متمثلا في اللحظة الاستعمارية بما تمثله من استيلاب للذات واحتقار لها، وبالزعامة المشرقية الغافلة عن الأخ الأصغر المغربي الذي يبقى دوما في موقع التبعية الثقافية لا الإبداعية. لذا يبقى ما قدمه علال محتاجا إلى إعادة نظر دون أن نغفل حقيقة وجود نموذج نفسي خاص مرتبط بالبيئة الجغرافية والعلاقات التاريخية.
2.5 ـ الإنسية المغربية: يأخذ الخطاب العلالي في محاضرة “الإنسية المغربية” صورة خطاب واقعي معاصر يستفيد من الجهاز المفاهيمي للحداثة الغربية والرهان على توطينه . فهو يختزل مدلول الإنسية في قوله: ”تعبر الإنسية عن نزعتنا التي تجعل نشاطنا يحقق الشخصية المثالية للإنسان“83. حيث يأخذ منها كونها نظرية كونية تعتبر الإنسان مكرما مفضلا على سائر المخلوقات بتداخل عناصر الجسم والروح . لذا يمكن تطبيقها على الإسلام فنتحدث آنئذ عن الإنسية الإسلامية التي تتجلى: ”في تصور الإسلام للحياة ومكانتها من هذه الدنيا والعلاقة التي للإنسان بها والغاية التي ترمي إليها حياة الإنسان الدنيوية والعقائد والمبادئ والأفكار التي هي قوام المنهج الحضاري الذي يسير عليه الإنسان في علاقته بربه وبنفسه وبأسرته وبالناس وبالكون أجمع “84. وما عرفه المجتمع الإسلامي من إبداعات فنية وعلمية وفكرية يثبت احتواءه على تراث متعدد يمكن معه الحديث عن إنسيات متعددة ومنها الإنسية المغربية. لكن ألا يذهب الفاسي بعيدا في توطين الإنسية المرتبطة في جوهرها بردة فعل على الوضع الذي كانت تفرضه الكنيسة في أوربا من ظلم وسحق الإنسان وسلبه الإرادة وتجميد عقله وإغلاق جميع منافذ الفكر؟. ولما كانت ردة الفعل -غالباً- في عالم الأفكار لا تؤدي إلا إلى فعلٍ عكسي غير معتدل ولا منضبط؛ كذلك ردة فعل الإنسية الأوربية، لم تكن انفصالاً عن الواقع الذي كان سبباً في سحق كرامتها فحسب؛ وإنما انفصالاً عن كل ما يمت إلى الدين بصلة. فأمنت الإنسية الحداثية بتأليه الإنسان وجعله محور الدرس والتبجيل. لكن الخطاب العلالي المشبع بالأصالة والمحاول دوما الانفتاح على أطروحات الغرب يقرر فهما نوعيا للاصطلاح: “أما كون الإنسان في الإنسية الغاية النهائية لكل شيء فهو ادعاء يجعل من البشر المخلوق الفاني صنما ماديا وهو ما يقلب المعنى الذي يجب أن يكون للإنسية كأداة لرفع مقام الإنسان وتكريمه وإعداده لخلافة الله في الأرض”85 . انطلاقا من هذا الفهم يقرر علال أن للمغرب إنسيته الخاصة: ”والمغرب كأمة مسلمة لها في جاهليتها ما يعطيها الحق بأن تطالب بإنسيتها قبل الإسلام التي تجلت في كفاح ملوكها للحفاظ على الجنس والقومية ونضالها الدائم للذين يحاولون احتلالها للذين يحاول احتلالها، وفي هذا التعشق الكامل للحرية الذي جعل من شعبنا شعب الأمازيغ، وفي حسن تقبلها للتعاون مع فينيقية والامتزاج بها، وفي بوكاس ويوجورثا وحنبل، وفي القديس أوغستان والكاهنة، ما مهد السبيل لطارق وأمثاله من أبطاله المغرب المسلمين“86.
وخلال هذا المسار التاريخي تشكلت الإنسية المغربية في ارتباط بين الهوية الوطنية والتعدد الإثني فخرج من رحمها الإنسان المغربي المشبع بقيم الحضارة الإسلامية. فكانت النماذج النيرة في شتى صنوف المعرفة والتصوف والإبداع. وهذه الإشارة التاريخية تثبت أن الفاسي، بالرغم من نزوعه الوحدوي يؤمن بالتعدد الهوياتي داخل إطار الوحدة. ولا يقف عند حدود الإثبات النظري، بل يبرز وجهه الإصلاحي التربوي من خلال الدعوة إلى إدراجها في مقررات التربية والتعليم بمختلف المدارس الوطنية حتى تحل مكان الإنسية الأجنبية التي وطئت فكرنا وثقافتنا: “لذلك أصبح واجبا علينا أن نكافح بكل الوسائل الممكنة لإحلال الإنسية المغربية مقام الإنسية الأجنبية في مدارسنا العامة حتى يتسنى لأبنائنا أن يتعرفوا إلى بلادهم وحضاراتهم وتاريخهم الأدبي والفلسفي والديني“87.
بارك الله فيك ..