فاضلي يكتب: لماذا عودة بنكيران لقيادة حزب العدالة والتنمية!؟
هوية بريس- علي فاضلي *
يمر حزب العدالة والتنمية من محطة مفصلية وتاريخية في مساره، وهي محطة قد تشكل إما فرصة لإنقاذ الحزب أو محطة لاندثار الحزب وتحوله لحزب صغير وبدون تأثير، ولأن الرهان بعد الله تبارك وتعالى ثم مناضلي الحزب هو اختيار قيادة قادرة على القيام بمتطلبات المرحلة المقبلة، وهي مرحلة صعبة على مستويات عدة، الدولة والمجتمع والحزب، فإن عبد الإله بنكيران يعتبر المؤهل التاريخي للقيام بهذه المهام والوظائف.
– العلاقة مع الدولة:
قد يكون دافع الكثير من أبناء العدالة والتنمية لدعم عودة بنكيران لقيادة الحزب هو انقاذ الحزب، وإعادته للموقع الذي يستحقه، والوهج الذي كان يعرفه خلال فترة بنكيران، وهذا بالفعل هدف أساس ورئيس من عودة بنكيران، غير أن الأكثر أهمية من ذلك والذي يتحقق طبعا بوجود حزب قوي وفاعل، هو التفكير في الفراغ المهول الذي يشهده المشهد السياسي المغربي نتيجة محاربة كل الأحزاب المستقلة وإضعافها، وهو فراغ ستملأه وبدون شك القوى الراديكالية، خصوصا مع حكومة عزيز أخنوش الضعيفة جدا والمفتقدة لكل الشروط الضرورية لممارسة السياسة ومواجهة الخطابات الراديكالية.
ويعتبر بنكيران مؤهلا أكثر من غيره للقيام بوظيفة المعارضة القوية للحكومة الحالية من داخل النسق السياسي المغربي القائم، وقيادة تيار مجتمعي واسع للإسهام في استقرار الدولة وتحقيق اختراقات نوعية في مسيرة الانتقال الديمقراطي.
كما أن بنكيران هو مهندس العلاقة بين تيار من الحركة الإسلامية والدولة، وهو الملم أكثر من غيره من قيادات هذا التيار بطبيعة هذه العلاقة، وهي علاقة متشعبة وليست بالسهولة التي يتصورها البعض، نظرا لطبيعة الدولة المغربية، وطبيعة القوى المؤثرة داخلها وتناقضاتها، وهو أمر تعلمه بطبيعة الحال جهات في الدولة، وتعلم أن أي فراغ في الأحزاب الوطنية الإصلاحية هو مؤشر مقلق وفي غير صالح الدولة والمجتمع.
لقد استطاع بنكيران الموازنة بين معادلة صعبة، وهي الدفاع عن الدولة والإسهام في الدفاع عن استقرارها وفي الدفاع عن مؤسساتها الصلبة وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وبين الحفاظ على استقلالية الحزب والدفاع عن الديمقراطية ومواجهة التحكم والدفاع الفئات الاجتماعية المسحوقة. فما يعتبره البعض ازدواجية في خطاب بنكيران هو في الحقيقة تعبير عن طبيعة الواقع المغربي، وطبيعة التناقض الموجود في المجتمع. فبنكيران ربما يكاد القيادي الوحيد بالحزب الذي يدرك التناقض الحقيقي بالمجتمع والدولة.
– العلاقة مع المجتمع:
بالإضافة لوظيفة العلاقة مع الدولة، تحتل العلاقة مع المجتمع -تأثرا وتأثيرا- أهمية قصوى بالنسبة للعدالة والتنمية، فالمجتمع هو صاحب شرعية الحزب، وهو المجال الرئيس لتواجد الحزب، فهو تواجد سابق على التواجد في الدولة، فهو البنية التحية لأي مشروع إصلاحي ديمقراطي.
وهنا يعتبر بنكيران المؤهل أكثر من غيره للقيام بمهام إصلاح العلاقة بين الحزب والمجتمع، وإعادة الوهج للحزب بين فئات عريضة بالمجتمع، فمكانة الحزب داخل المجتمع مع تجربة بنكيران ليست هي تجربة غيره من القيادات السابقة أو اللاحقة له.
فمن “مصادر قوة بنكيران هو إسهامه الكبير في إجراء “مصالحة نفسية” بين جزء من المغاربة ونخبهم مع الحركة الإسلامية، فقبل بنكيران كان الكثيرون من المغاربة ونخبهم ينظرون لأبناء الحركة الإسلامية نظرة تخوف أو احتراز بسبب النظرة السلبية التي يحملها هؤلاء تجاه الاسلاميين، ومما يعبر عن هذه النظرة هو انتشار المقولات المحذرة من “اللحايا” ومن مشروعهم، لكن بنكيران بأسلوبه أسقط الكثير من الأوهام التي لصقت بأبناء الحركة الإسلامية، ف”زعيم الإسلاميين” يستمع لأم كلثوم ويرقص مع حفيده ويتغزل في زوجته ويحكي النكت “الحامضة” ويصافح النساء و”كيشد فيهم بالضحك ” ويستعمل قاموس المغاربة اليومي في خطاباته وحواراته، وينتقد ويهاجم إخوانه أمام المغاربة. وهكذا تمكن بنكيران من تحطيم الحواجز النفسية التي كانت تفصل بين جزء من المغاربة وأبناء الحركة الإسلامية، عبر إظهار الاسلاميين بأنهم مثلهم مثل بقية المغاربة، وهو ما أكدته نتائج انتخابات 2015 و2016″ (تدوينة سابقة).
وواهم من يعتقد أن ما قام به بنكيران في العلاقة مع المجتمع أمر سهل ومتاح للجميع، فبنكيران يكاد يكون الزعيم الوحيد القادم من الحركة الإسلامية في العالم العربي الذي تمكن من تحقيق اختراق معتبر في المجتمع، ودفع بفئات واسعة ومن قوى مجتمعية مناقضة للحزب أيديولوجيا –من يساريين وعلمانيين وليبراليين- لدعم تجربة العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة، وهو الأمر الذي فقده الحزب مع تجربة العثماني.
– العلاقات الحزبية الداخلية:
ثالث وظيفة يعتبر بنكيران المؤهل الرئيس للقيام بها خلال المرحلة المقبلة هي انقاذ الحزب، وهي مهمة تحتاج لبث نفس النضال والحماس داخل الصف الداخلي، وتحميس المنسحبين منهم للعودة للعمل من داخل الحزب.
وتاريخ الحزب يعلمنا أن أكثر شخصية قيادية كانت مجمعة ومحتضنة لمختلف الأصوات داخل الحزب هو عبد الإله بنكيران، فبالرغم من اختلافه مع طروحات العديد من قياديي الحزب إلا أنه عمل على ضمهم لقيادة الحزب، ولم يمنعهم من البوح بأفكارهم وآرائهم التي يختلف معها بنكيران، ومنها الموقف من الملكية البرلمانية.
وتاريخ الحزب يعلمنا أن بنكيران كان أكثر القياديين دفاعا عن حرية الأعضاء في الكلام، ولم يسجل عليه أن قام بطرد مناضلين بسبب آرائهم والتي خلقت له مشاكل عديدة خلال رئاسته للحكومة، كما أنه أكثر القياديين دفاعا عن مناضلي الحزب حينما يتعرضون للاستهداف من قبل خصوم الحزب.
لأن الحزب مقبل يوم السبت بإذن الله على محطة مفصلية وتاريخية في مساره، ولأن الحزب إما أن يكون بعد تاريخ 30 أكتوبر أو لا يكون، وإما يستعيد عافيته وقوته أو يتحول لحزب صغير بدون تأثير في المجتمع، فإن مناضلي الحزب والمؤتمرون مطالبون برفض تحديد المدة الفاصلة بين المؤتمر الاستثنائي والمؤتمر العادي في مدة سنة، وهو المدخل الرئيس لعودة بنكيران لقيادة الحزب بإذن الله للقيام بوظائفه وأدواره التاريخية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
* دكتور في القانون العام والعلاقات الدولية