“فراقشية الحقوق”.. عندما يتحوّل الدفاع عن الحقوق إلى تجارة مربحة!

“فراقشية الحقوق”.. عندما يتحوّل الدفاع عن الحقوق إلى تجارة مربحة!
هوية بريس – متابعات
في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة مقلقة داخل جزء من الجسم الجمعوي، حيث تحوّلت بعض الجمعيات إلى منصات للاتجار بالقضايا الاجتماعية، مستغلة الشعارات الحقوقية والإنسانية لاستدرار الدعم الأجنبي، بدل الالتزام بأدوارها الأصيلة في خدمة المجتمع والدفاع عن القيم المشتركة. هذه الممارسات لم تعد سرّا، بل أصبحت حديث الرأي العام، خصوصا بعد تواتر الشهادات التي تفضح طرق اشتغال ما يُعرف بـ”فراقشية الحقوق”، وهي تسمية شعبية تلخص منطق الانتقاء، والظهور المناسباتي، والارتماء في أحضان أجندات غامضة لا تمت بصلة للحاجات الحقيقية للمواطنين المغاربة.
عدد من الفاعلين، ومنهم عبد اللطيف سودو، رئيس جمعية مهندسي حزب العدالة والتنمية ونائب عمدة سلا سابقا، وجّهوا انتقادات مباشرة لهذا النموذج المنفلت، معتبرين أن هناك حملة شرسة دولية على المجتمعات المحافظة، تقودها وجوه معروفة بانتماءاتها الأيديولوجية تلعب دور الوسيط بين ممولين خارجيين وبين أجندات تستهدف البنية الأسرية والقيم الجامعة للمغاربة. ويشير سودو إلى أن بعض هذه الكيانات لا تتردد في تسييل كل شيء: العلاقات الرضائية/الزنا، والدفاع الانتقائي عن مظاهر شاذة، أو قضايا مستوردة لا علاقة لها بسياق البلد. والنتيجة، حسب قوله، “تهديم المجتمع من الداخل مقابل ريع خارجي مغلف بعبارات حقوقية جذابة”.
وتزداد خطورة الظاهرة حين يتضح أنّ عددا من الشخصيات المعروفة في المشهد الحقوقي أو الإعلامي أصبحت قطبا دائرا حوله هذا النوع من النشاط الانتقائي، حيث تتكرر نفس الوجوه في كل الملفات التي تخدم خطا فكريا واحدا، بينما يتم تجاهل قضايا اجتماعية جسيمة موثقة بالصوت والصورة، كملف الهداوي مع لجنة الأخلاقيات بالمجلس الوطني للصحافة، وحرمان تلميذات من حق المتدرس بسبب الحجاب الشرعي، واستغلال مالي وإداري داخل بعض الجمعيات، وانتهاكات تطال النساء والأطفال في مناطق مهمشة. ورغم خطورة هذه الملفات، فإنها لا تجد نفس الحماس لدى “فراقشية الحقوق”، ما يطرح سؤال: هل نحن أمام نضال حقوقي حقيقي أم أمام أشخاص ومقاولات صغيرة تقتات من الريع والتمويلات؟
في تصريح له؛ كشف محمد الحجوي، الأمين العام للحكومة، أنّ 308 جمعيات صرّحت خلال السنة الماضية بتلقي مساعدات أجنبية، منها 32 جمعية تُصنَّف ضمن المنفعة العامة، بإجمالي 1271 تصريحاً يهم أكثر من 3193 منحة خارجية. كما قفزت قيمة هذه التمويلات من 567 مليون درهم سنة 2023 إلى نحو 800 مليون درهم في 2024، أي بزيادة غير مسبوقة بلغت 233 مليون درهم.
ورغم أن جزء من هذا الارتفاع مرتبط بتضامن دولي عقب زلزال الحوز، إلا أن الملف يطرح سؤالا جوهريا، من يراقب فعليا مسارات صرف هذه الملايين؟ وهل توجه حقا إلى الفئات الهشة أم تُحوَّل إلى حملات إعلامية ومنابر تشتغل على قضايا انتقائية دون أثر اجتماعي ملموس؟
وتزداد علامات الاستفهام عندما نرى أن عشرات الجمعيات، المصرّحة بتلقي الدعم الخارجي، تنشط في قضايا جاهزة تتكرر في كل تقارير المنظمات الدولية، بينما تغيب بشكل فاضح عن الملفات الوطنية الحارقة التي توثَّق تجاوزاتها بالصوت والصورة.
ويؤكد مراقبون أن غياب آليات صارمة للمراقبة والتتبع، سواء في منح صفة المنفعة العامة أو في مراقبة التمويلات الأجنبية، فتح الباب أمام فوضى غير مسبوقة، جعلت المجتمع المدني حقلا مفتوحا أمام كل من يرغب في الاستثمار في الحقوق باعتبارها فرصة مالية. بل إن بعض التقارير الدولية أصبحت تعتمد على هذه الجمعيات لتكوين صورة مشوهة عن المغرب، انطلاقا من شهادات أحادية، محمولة بنزعة تصادمية مع الثوابت الوطنية والدينية.
إنّ الأخطر في هذه الظاهرة ليس فقط إفساد العمل الجمعوي، بل محاولة اختراق المجتمع المغربي عبر خلق نقاشات وهمية، وضرب الاستقرار الأسري، وتطبيع مفاهيم مستوردة تتعارض مع المرجعية الدستورية للمملكة. وهذا ما يدفع إلى طرح الحاجة الملّحة لإعادة تنظيم المجال عبر تقوية أجهزة المراقبة، وفرض الشفافية في التمويلات، وربط الدعم العمومي بمشاريع ذات أثر قابل للقياس، ووضع حد لتحويل الجمعيات إلى أدوات ضغط أو ممرات لأجندات خارجية.
إن المجتمع المدني الوطني هو الذي يدافع عن حقوق المستضعفين والفقراء قبل المؤتمرات الغربية ومخرجاتها، وعن الأسرة قبل الشعارات، وعن كرامة المواطن قبل التقارير المموّلة. أمّا “فراقشية الحقوق”، فسيظلّون مجرد واجهات براقة تخفي مشاريع لا علاقة لها بكرامة المغاربة ولا بحقوقهم الأصيلة.



