فرنسا حبيبة الإسلام! وصديقة العرب! إنها لكذلك! من ينكر هذا؟! الشواهد كثيرة..
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تقديم
نقدم للقراء هذا الموضوع الذي كتبه المجاهد الحاج أحمد معنينو بالعدد الممتاز الذي أصدرته جريدة الوحدة المغربية عدد110/بتاريخ 6/10/1939 بمناسبة ذكرى الجهاد الوطني.
النص
من كان في شك أو ريب من صداقة فرنسا ومحبتها للإسلام والعرب، وبالأخص مسلمي الشمال الإفريقي وسوريا فليقرأ هذا البيان الموجز عن أعمال هذه الدولة الديموقراطية! الإنسانية! فإنه لا محالة يتحقق بأن دعواها كذب في كذب، وأن المسلمين قاطبة يتبرءون من محبتها وصداقتها لأن أعمالها الفظيعة ومنكراتها المتكررة، وما تسجله في صفحاتها السود كل صباح ومساء وكل شهر وسنة، من تعذيب وسجن وتشريد ونفي.. يناقض دعواها.
وإلى القارئ الكريم بيان شيء من أعمالها في المغرب… مختصرة:
ففي المغرب بختم هذا الشهر الجاري شهر شعبان عام 1358هـ تتم سنتان كاملتان على أحكامها العادلة وإنسانيتها العالية! تلك الأحكام التي أصدرتها على المغاربة بمختلف المدن والقرى على الشيوخ والشباب بل على نخبة الشخصيات الممتازة البارزة من قادة المغرب وذوي الرأي فيه من علماء وصحفيين، ومديرين للمدارس الحرة، وكبار التجار والمفكرين ونخبة الشباب المثقف من كلية القرويين والمدارس العالية.
أجل بختمه تنتهي سنتان على نفي الزعماء إلى الصحاري القاحلة والفيافي السحيقة، وإبعادهم عن وطنهم ظلما وعدوانا في وقت هو أشد الأوقات احتياجا لهم ولأفكارهم الصائبة، ولا ندري متى ترجع فرنسا إلى رشدها فتطلق سراحهم وتمكنهم إجرامهم من حقوق أمتهم وبلادهم؟؟
نعم في هذا الشهر تنتهي مدة السجن المحكوم بها على فوج من قادة الوطنية، ومجددي الحركة القومية، بعد أن قضوا سنتين كاملتين في قعر السجون المظلمة والمنافي النائية قائمين بالأعمال الشاقة خاضعين للمعاملة القاسية جزاء إجرامهم..
نعم إنهم مجرمون! أليس من الإجرام في نظر فرنسا العادلة ومن على شاكلتها من الدول الديموقراطية! وأنصار الإنسانية المعذبة؟ والدفاع عن حقوق الإنسان؟ أن يقوم سكان أرض بمطالبة الحكومة الحامية لهم؟ والمحمية بهم! فيطالبونها بإصلاح بلادهم، ويقدمون لها برنامجا معتدلا مشتملا على الداء والدواء ومجردا من كل غلو أو تهور؟ !إنها لأكبر جريمة يستحق القائمون بها كل قساوة وشدة، وذلك ما فعلته فرنسا الديموقراطية؟ ففي متم شعبان من سنة 1356 هجرية أصدرت حكومة فرنسا بواسطة أذنابها وبرادينها حكمها على طائفة من أبناء المغرب الممتازين بسنتين سجنا ونفيا إلى الصحراء، وتعذيبا بأنواع الضرب والإهانة والأعمال الشاقة المضنية دون هوادة أو شفقة أو رحمة ولله در أمير الشعراء المرحوم، إذ يقول:
وللمستعمرين وإن ألانوا***قلوب كالحجارة لا ترق
مرت السنتان بما فيها من ظلم وإرهاق، وتحمل المغاربة الأحرار من أنواع الضغط والإجحاف ما تنوء بحمله الجبال، فضربوا الرقم القياسي في التضحية والتفاني في خدمة الصالح العام، واعترافا بالجميل لهذه الشخصيات الممتازة، وتسجيلا لفظائع الاستعمار الفرنسي الغاشم نسجل بمداد الفخر وبمزيد من الإعجاب والتقدير أسماء البعض منهم، حيث لا يمكننا تسجيل الكل، فمن علماء القرويين العلماء الذين تخرجوا بطريق الاستحقاق حيث أجريت لهم الامتحانات النظامية فكانوا في الطليعة وأظهروا مقدرة علمية وأخلاقا سامية واشتغلوا ببث روح العلم والمعرفة في الأوساط الشعبية وزهدوا في الوظائف الحكومية ومظاهرها المغرية الزائفة، وأسسوا المدارس المثمرة وقاموا بدروس التطوع العامة والخاصة، ومحاربة الجهل والخرافات والأمية، وحرروا في الصحف الوطنية عدة مقالات في مختلف المواضيع الهامة أقامت المستعمرين وأقعدتهم، ونفخوا روح الوحدة والتآخي والحرية والتقدم بين طبقات الشعب المختلفة، ونتج عن أثر جهادهم المتواصل ما يبشر بتحقيق الأماني ونيل الرغبات.
وإلى القارئ الكريم أسماء نخبة من هؤلاء الرجال الذين تحملوا ما تحملوا دون ضجر أو ملل ممن تنتهي مدة الحكم عليهم في هذا الشهر:
1- الأستاذ السيد رشيد الدرقاوي مدرس بالكلية القروية ورئيس جمعية طلبتها وأحد أركان الحركة القومية.
2- الأستاذ عبد الهادي الشرايبي مدرس بالكلية ومحرر جريدة الدفاع لسان الحركة القومية وأحد الكتاب والشعراء المبرزين.
3- الأستاذ عبد العزيز بن ادريس مدرس بالكلية ومدير مدرسة قرآنية وأحد أركان الحزب الوطني.
4- الأستاذ محمد بن عبد الله مدرس بالكلية ومدير أول مدرسة قرآنية بفاس ومن أساطين الحركة الوطنية العامة ورئيس مؤتمر طلبة الشمال الإفريقي الذي منعته فرنسا الديمقراطية.
5- الأستاذ إبراهيم الكتاني مدرس بالكلية وأحد رجال الوعظ والإرشاد فيها وركن من أركان الحركة القومية.
6- الأستاذ أبو الشتاء الجامعي مدرس ومدير المدرسة القرآنية بمدينة القنيطرة وقد قضت عليها الحكومة الديموقراطية وأقفلتها وشتت تلامذتها وأساتذتها وهو أحد أركان الحزب الوطني.
7- الأستاذ علي العراقي مدرس وكاتب صحافي وأحد أركان الحركة القومية.
8- الأستاذ محمد الهاشمي الفيلالي مدرس ومدير المدرسة القرآنية برحبة القيس من مدينة فاس وهو أحد عُمد الحزب الوطني وأحد المحررين بجريدة الأطلس لسان الحزب الوطني.
9- الأستاذ عبد السلام الوزاني مدرس ومدير المدرسة القرآنية بمدينة وجدة وقد قضت عليها الحكومة الفرنسية وأقفلتها وسلطت جيش جواسيسها على التلاميذ بالضرب والسب بعدما مزقوا المصاحف وكسروا الألواح وهو أحد أركان الحزب الوطني.
10- الأستاذ الجيلالي اليدري مدرس ومدير المدرسة القرآنية بمدينة سطات وقد أقفلتها الحكومة الفرنسية الديموقراطية أيضا، فعلت بتلامذتها وأساتذتها وبمديرها مثلما فعلت بسابقاتها وهو أحد أركان الحركة القومية.
11- الأستاذ عبد القادر الرمضاني وأخوه وكلاهما له نفوذ أدبي بمدينة وجدة ونواحيها وتحت إشرافهما عدة مدارس قرآنية كلها اعتدت عليها حكومة فرنسا الديموقراطية وكلاهما من رجال الحركة القومية.
هذه نماذج من علماء الإسلام المضطهدين من حكومة فرنسا حبيبة الإسلام وصديقة العرب (زيادة على التجار والحرفيين) والشباب المثقف منهم.
الأديب المكي العمراني، والأديب علي الإدريسي، والأديب محمد الدرقاوي، والأديب محمد البلغيتي، والأديب محمد بن الحاج، وغيره بالمئات من سائر مدن المغرب وقراه وقبائله.
كل هذا نذكره ونسجله للتاريخ بمناسبة انتهاء سنتين كاملتين على نفي زعماء المغرب المشهورين أولهم السياسي الكبير خريج مدرسة العلوم السياسية بباريز الزعيم محمد بن الحسن الوزاني رئيس الحركة القومية ومدير جريدة عمل الشعب ومحررها ومحرر جريدة الدفاع، والأديب الشهير الزعيم محمد علال الفاسي رئيس الحزب الوطني وصاحب الدروس العالية بالكلية القروية والأغاريد والأناشيد الوطنية، والأستاذ الأديب والعالم الشهير السيد محمد المختار الإلغي السوسي زعيم النهضة العلمية ورسولها بمدينة مراكش الحمراء، والأستاذ الأديب الصحفي القدير محمد اليزيدي مدير جريدة الأطلس، والأستاذ المقتدر المتخرج في كلية الفلاحة بفرنسا السيد عمر بن عبد الجليل الركن القوي للحزب الوطني وكاتبه الممتاز، والمثري الشهير الوطني الغيور السيد أحمد مكوار أمين لجنة الحزب الوطني، رد الله غربتهم جميعا وحقق أمل الأمة المغربية فيهم.
هذه نبذة يسيرة من أعمال فرنسا التمدينية (أجرتها على محبي وطنهم والمطالبين بإصلاح أحواله ومواطنيه) لأن فرنسا تؤيد حقوق الإنسان وتكافح من أجل الإنسانية المعذبة، وتشهر الحرب العوان ضد المعتدين على الدول الضعيفة، هكذا هي فرنسا بالمغرب، وهكذا تجدها في الجزائر، أعمالها الإنسانية سائرة بخطى واسعة وزينة وأعمال تمدينية خالدة!
فإلى الأمام يا فرنسا، حبيبة الإسلام وصديقة العرب، فالطريق وعر، والمسلك ضيق، والموقف رهيب، والحساب عسير، وما هي من الظالمين ببعيد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
تعليق:
عندما نقول إن الفقهاء طوروا المغرب وحدثوه، ودافعوا عن استقلاله وحرية مواطنيه، لم نكن مبالغين ولا مدعين، فهذا المقال الذي كُتب في زمانه، خير دليل على ذلك، وشهد شاهد من أهلها.