فضل الإنفاق والتعفف عن السؤال التضامن والتكافل الاجتماعي زمن الوباء
هوية بريس – د. يوسف الحزيمري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أيها الإخوة والأخوات هذه رسالة وعظية في ظل هذا الوضع الوبائي نتناول فيها معكم موضوعا راهنيا-وهو فضل الإنفاق والتعفف عن السؤال وضرورة التضامن والتكافل الاجتماعي زمن الوباء – فرضته أوضاع الحجر الصحي الذي امتثل له جميع المغاربة، حيث دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فانقطعت بذلك أسباب رزقهم التي كانوا يتمولون منها ويعيلون بها أسرهم ومن أجل ذلك أعلنت لجنة اليقظة الاقتصادية عن تدابير لدعم القطاع غير المهيكل المتأثر مباشرة بالحجر الصحي، وعن تدابير لفائدة الأجراء المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لا شك أن الحكومة مشكورة تأخذ الأمر على محمل الجد خصوصا أنها أعلنت عن أنه في هذه الفترة من التضامن والتي تعرف تعبئة كبيرة فإن أي تصريح تلقائي لا أساس له من الصحة سيتعرض صاحبه لمتابعات قضائية، كما أنه سيتم افتحاص جميع العمليات التي يقوم بها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من طرف المفتشية العامة للمالية وستتم معاقبة أية مخالفة.
هذا عن عمل الحكومة وتدابيرها في خلق بدائل اقتصادية وتجارية لتخفيف أثر “كورونا” على اقتصاد المغرب والمتخذة لإنجاح الحجر الصحي والخروج بالبلاد من هذه الجائحة بأقل الخسائر في الأرواح والأموال.
فماذا عن عمل الشعب المغربي المعروف بالتضامن والتآزر في مثل هذه المحن والشدائد؟
منذ أن أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تعليماته السامية للحكومة، قصد الإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، والذي ساهم فيه جلالته بملياري درهم والذي كان فيه سباقا إلى المساهمة كراع لشعبه، تقاطرت بعد ذلك المساهمات من مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية العمومية والشبه العمومية، وتواصلت مساهمة المؤسسات والأفراد لفائدة الصندوق.
وهذه المبادرة الملكية تستحق التنويه والتثمين، وفيها دلالة قوية على ارتباط العرش العلوي المجيد مع شعبه في السراء والضراء، والرخاء والشدة، والصحة والمرض، ومن هذا المنطلق وجب التأكيد على ضرورة التضامن والتكافل الاجتماعي في هذه الظرفية الصعبة التي تمر بها بلادنا في مواجهة وباء كورونا المستجد، وبيان ما ينبغي فعله وفق القواعد القرآنية والتوجيهات النبوية في مثل هذه الأوضاع انطلاقا من الأسرة الصغيرة إلى العائلة الكبيرة، إلى المجتمع الأكبر، ذلك أنه لما كانت روابط الأسرة- القريبة والبعيدة- روابط فطرية حقيقية لم يصطنعها جيل من الأجيال ولم تصطنعها جميع الأجيال بطبيعة الحال!… لما كان الأمر كذلك جعل الإسلام التكافل في محيط الأسرة هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام[1].
ومن ثم فعلى رب الأسرة أن يبدأ بمن يعول من زوجته وأولاده لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة مَا كَانَ على ظهر غنى وَمن يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله”[2]
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: “ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا فَإِن فضل شَيْء فلأهلك فَإِن فضل شَيْء عَن أهلك فلذي قرابتك فَإِن فضل عَن ذِي قرابتك شَيْء فَهَكَذَا وَهَكَذَا”[3]
وروى مسلم والترمذيُّ عن أبي أُمَامة، قال: «يا ابن آدَمَ، إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلْ الفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ تُمْسك شَرٌّ لَكَ، وَلاَ تُلاَمُ على كَفَافٍ، وابدأ بِمَنْ تَعُولُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ من اليد السّفلى»[4].
وأخرج أبو يعلى، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت، فإن أعطيت خيرًا فلير عليك، وابدأ بمن تعول، وارضخ[5] من الفضل، ولا تلام على الكفاف”[6].
والشاهد عندنا في هذه الأحاديث ثلاث فوائد وأوامر نبوية وهي: الحض على الإنفاق وفق الأولويات، والاستعفاف عن السؤال، وتحقيق الكفاف والقناعة به.
الحظ على الإنفاق: لقد مدح الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في السراء والضراء فوصفهم بالمتقين والمحسنين قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134] ومعنى الآية: “أنهم رغبوا في معاملة الله، فلم يبطرهم الرخاء فينسيهم، ولم تمنعهم الضراء فيبخلوا”[7].
ووعد المنفقين بالأجر المضاعف، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] قال ابن كثير رحمه الله: “هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَضْعِيفِ الثَّوَابِ لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ، وَأَنَّ الْحَسَنَةَ تُضَاعَفُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْف”[8] ونحن اليوم نعيش فترة ضراء بسبب الوباء المتفشي، فتأكد في حقنا الإنفاق في سبيل الله وطاعته، وأن لا نبخل بفضل أموالنا على المحتاجين من الفقراء والمساكين، فالمال مال الله ونحن مستخلفين فيه، فيعطي الله منفقا خلفا وممسكا تلفا كما جاء في الحديث، وهذا الإنفاق ينبغي أن يكون وفق الأولويات فيبدأ الإنسان بنفسه “أَي قدّم نَفسك بِمَا تحتاجه من مُؤنَة وَغَيرهَا فتصدّق عَلَيْهَا لِأَنَّك الْمَخْصُوص بِالنعْمَةِ الْمُنعم عَلَيْك بهَا فَإِن فضل شَيْء بَعْدَمَا تحتاجه لنَفسك فلأهلك أَي هُوَ لزوجك للُزُوم نَفَقَتهَا لَك وَعدم سُقُوطهَا بمضيّ الزَّمَان فَإِن فضل عَن أهلك شَيْء فلذى قرابتك لأَنهم فِي الْحَقِيقَة مِنْك فَإِن حمل على التَّطَوُّع شَمل كل قريب أَو على الْوَاجِب اخْتصَّ بِمن تجب نَفَقَته مِنْهُم على اخْتِلَاف الْمذَاهب فَإِن فضل عَن ذِي قرابتك شَيْء فَهَكَذَا وَهَكَذَا أَي بَين يَديك وَعَن يَمِينك وشمالك كِنَايَة عَن تَكْثِير الصَّدَقَة وتنويع جهاتها[9] كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام النووي رحمه الله “فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ فِي النَّفَقَةِ بِالْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَمِنْهَا أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْفَضَائِلَ إِذَا تَزَاحَمَتْ قُدِّمُ الْأَوْكَدُ فَالْأَوْكَدُ”[10].
وهنا ينبغي أن نستحضر قيمة الإيثار والإيخاء في المجتمع النبوي في المدينة المنورة حيث كان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم يؤثرون بعضهم بعضا ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه إلا سعى في إزالتها وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بذلك فقال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]
– الاستعفاف عن السؤال: ورد في الأحاديث التي ذكرناها آنفا قوله صلى الله عليه وسلم: “وَمن يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله” وقوله: “ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت” وقال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]
وقد روي أن عمر بن الخطاب شبه الوالي على المسلمين بالوصي على اليتيم، قال: (ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت)[11]
وعن حكيم بن حزام – رضي الله عنه – قال: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر – رضي الله عنه – يدعو حكيما ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر – رضي الله عنه – دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى توفي. متفق عليه[12].
وانطلاقا من هذه النصوص القرآنية والحديثية نرى النهي عن المبادرة بالسؤال، وتفضيل اليد المنفقة على اليد السفلى التي تتكفف الناس العطاء من غير حاجة ولا ضرورة، ومن حديث حكيم بن حزام يُسْتَفَاد: أن سُؤال السُّلْطَان الْأَكْبَر لَيْسَ بِعَارٍ. وأَن السَّائِل إِذا ألحف لَا بَأْس برده وموعظته وَأمره بالتعفف وَترك الْحِرْص. وَفِيه: أَن الْإِنْسَان لَا يسْأَل إِلَّا عِنْد الْحَاجة والضرورة لِأَنَّهُ إِذا كَانَت يَده السُّفْلى مَعَ إِبَاحَة الْمَسْأَلَة فَهُوَ أَحْرَى أَن يمْتَنع من ذَلِك عِنْد غير الْحَاجة[13]
وعليه فإن التعفف عن المسألة بالنسبة للأغنياء في ظل ما تعيشه البلاد من تبعات إقتصادية بسبب انتشار الوباء واجب، وعليهم أن يتحلوا بصفة الغنى لأن الغنى ليس عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس، قال تعالى لرسوله الكريم: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] قال ابن جزي رحمه الله: “وغناؤه صلى الله عليه وآله وسلم هو أن أعطاه الله الكفاف، وقيل: هو رضاه بما أعطاه الله، وقيل: المعنى وجدك فقيرا إليه فأغناك به”[14]
فإن سألوا وهم أغنياء فقد سألوا إلحافا فعن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا”[15] والملحف هو الذي يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنْ السُّؤَالِ.
قال الإمام النووي رحمه الله: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق[16]
– القناعة بالكفاف:
الكفاف: (بفتح الكاف)، هو من الرزق على قدر حاجة المرء، لا يفضل منه شيء، وإذا لم يكن عند المرء فضل عن قوته، لم يلمه الله تعالى ذكره، على أن لا يعطي أحدا.[17]
والكفاف: هو من الرزق القوت، وهو ما كف عن الناس وأغنى عنهم، وقيل: الكفاف ما كف عن الحاجة إلى الناس[18]
وهذا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش عيشة الكفاف مطعماً وملبساً ومسكناً، واختار لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف، لا عجزا عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض، وكثرت غنائمها، وعم فيؤها، واغتنى من لم يكن له من قبل مال ولا زاد! ومع هذا فقد كان الشهر يمضي ولا توقد في بيوته نار. مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا. ولكن ذلك كان اختيارا للاستعلاء على متاع الحياة الدنيا ورغبة خالصة فيما عند الله[19] رغم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مَكَّةَ ذَهَباً، قُلْتُ: لاَ، يَا رَبِّ، ولكن أَشْبَعُ يَوْماً وَأَجُوعُ يَوْماً، أَوْ قَالَ: ثَلاَثاً أَوْ نَحْوَ هذا، فَإذَا جُعْتُ، تَضَرَّعْتُ إلَيْكَ، وَإذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ». قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ[20] وكان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) وفي رواية كفافا. يعني: ما يكفيهم في يومهم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه)) [رواه مسلم].
((ورزق كفافاً)) يعني في الدنيا، كفافاً من غير زيادة ولا نقصان، لا يزيد في أموال تشغله، ولا ينقص رزقه عن قدر الحاجة، بحيث يحتاج إلى ما في أيدي الناس، إذا رزق الكفاف الذي يكفي[21] وفي الحديث فضل القناعة بالكفاف “(ورزق كفافاً) والكفاف هو: القدر الكافي، فلا زيادة فيه ولا نقصان، ومع هذا الرزق إذا أعطاك الله عز وجل أعظم الغنى وهو القناعة (وقنعه الله بما آتاه) فقد أفلحت عند الله سبحانه، ومن كان هذا حاله فهو من المفلحين؛ لأنه راضٍ عن الله سبحانه وتعالى، فرضي بالإسلام ديناً، ورضي برزق الله سبحانه الكفاف، ولا يريد أكثر مما أعطاه الله سبحانه وتعالى، ولا يطمع في أموال الناس، و (قنع) بمعنى: رضي، و (القانع) هو: الإنسان الراضي بالشيء الذي أعطاه الله[22].
قال الرازي في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الِاكْتِفَاءُ مِنَ الدُّنْيَا بِقَدْرِ الْكَفَافِ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَسُّعُ فِي طَلَبِهَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْ لَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا[23]
واعلم أخي أن كل زائد على الكفاف فتنة قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}.والزيادة على الكفاف من النعم السائدة انقطاع عن آثار النبوة، وتضييق على ذوي الحاجة،وعدول عن سنة الخلفاء، وترك لشعار الصالحين[24]
وقال تعالى:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي } [طه: 81] قال الحرالي المراكشي في تفسير الآية: ويقال «لا تَطْغَوْا فِيهِ» : بالزيادة على الكفاف، وما لا بدّ منه مما زاد على سدّ الرمق[25]
فعليكم أيها الإخوة والأخوات بالقناعة مع الكفاف والعزلة مع العفاف والاجتناب عن الخلطة والائتلاف والاتصاف بالإنصاف وبترك الأوصاف.
جعلنا الله وإياكم من المقتفين لآثار سنة سيد المرسلين وحقق آمالنا من الوصول إلى مقام التوكل واليقين إنه لا يخيب رجاء سائله وداعيه ولا يقطع أجر عبده فى كل مساعيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
- في ظلال القرآن، لسيد قطب (1/ 587)
- رواه البخاري (1469) ، ومسلم (1053)
- أخرجه مسلم في صحيحه، ح 997 باب ( فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ وَالْمَمْلُوكِ، وَإِثْمِ مَنْ ضَيَّعَهُمْ أَوْ حَبَسَ نَفَقَتَهُمْ عَنْهُمْ) انظر: صحيح مسلم (2/ 691)
- أخرجه مسلم (97/ 1036) ، والترمذي (4/ 495) في الزهد، باب (32) برقم (2343) ، وأحمد (5/ 262) ، والبيهقي (4/ 182) عنه مرفوعا وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- ارضخ: أَعْطِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْغَرِيبِ
- هذا الحديث ذكره السيوطي 1: 254، قال: “أخرج أبو يعلى، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت، فإن أعطيت خيرًا فلير عليك، وابدأ بمن تعول، وارضخ من الفضل، ولا تلام على الكفاف”.
وكذلك ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 2: 10، وقال: “رواه أبو يعلى، والغالب على روايته التوثيق. ورواه الحاكم، وصحح إسناده”.
وأخرجه أحمد 1/446 (4261) قال عبد اللهِ بن أحمد: قرأتُ على أبي: حدثكم القاسم بن مالك. وابن خزيمة (2435) قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، أَخْبَرنا جرير (ح) وحدَّثنا بُنْدَار، حدَّثنا محمد، حدَّثنا شعبة.
ثلاثتهم (القاسم، وجرير، وشعبة) عن إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي الأحوص، فذكره
- زاد المسير في علم التفسير (1/ 326)
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 691)
- التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 15)
- شرح النووي على مسلم (7/ 83)
- تفسير القرطبي (5/ 42)
- أخرجه البخاري باب الاستعفاف عن المسألة ح 1472 ومسلم في الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى ح رقم 1035
- عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9/ 53)
- تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 491)
- أخرجه أبو داود في الزكاة، باب من يعطى من الصدقة: 2 / 228-229، والنسائي في الزكاة، باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها: 5 / 98-99
- شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (3/ 61)
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (14/ 513)
- مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 286)
- في ظلال القرآن (5/ 2853)
- أخرجه الترمذيّ (4/ 575) كتاب الزهد: باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه. وقال: هذا حديث حسن
- شرح جوامع الأخبار – عبد الكريم الخضير (8/ 32)
- شرح الترغيب والترهيب للمنذرى – حطيبة (19/ 7)
- تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (24/ 525)
- تراث أبي الحسن الحرالي المراكشي (ص: 64)
- لطائف الإشارات = تفسير القشيري (2/ 468)