فضيحة «مول الكانيطة» أو مصوريه!!..
هوية بريس – وداد أزداد
قامت الدنيا ولم تقعد هذه الأيام بعد انتشار مقطعي فيديو، كان الأول من تصوير متدربتين في معهد خاص للتمريض وهما تتبادلان العبارات النابية مع مريض في وضعية مخلة بالحياء والثاني في قاعة جراحية يظهر عورة مريض وتهكم الطاقم الطبي منه أثناء إخراج علبة صودا من دبره وهو ما أثار موجة من الشجب والتنديد نتفهمها بل ونضم أصواتنا لها..
فكلا المقطعين يشكلان خرقا لأخلاقيات المهنتين الطبية والتمريضية وأبجديات القوانين المؤطرة لهما، ولا أجد أي حرج في التعبير عن ذلك، فاحترامنا للمهنة وللمبادئ يجب أن يفوق أي تعصب أو تضامن غير مشروط باسم الزمالة، خاصة وأنه لاتزر وازرة وزر أخرى وأن كل شخص لا يمثل إلا نفسه، فلسنا مسؤولين سوى عن أخطائنا الشخصية.. أما عن الجسدين الطبي والتمريضي فهما يتبراَن من هؤلاء الأشخاص الذين أجرموا في حق أنفسهم أولا.
ولكن المشكل بالنسبة لي أعمق بكثير من حادثين معزولين وإن كانا متعاقبين، وهو ما أبانت عنه بعض التعليقات، حيث ذهب البعض بما فيهم عاملون بالقطاع الصحي (ربما لحداثة سنهم) إلى كون “مول الكانيط” يستحق ما وقع له مما يدل على جهل كبير بالسر الطبي وتداعياته، وهي الخلاصة التي كنت قد استنتجتها من قبل، حيث لطالما انتقد البعض نشري لقصص طبية أبطالها مرضى حقيقيون بدعوى عدم احترام السر الطبي في الوقت الذي لا أفصح فيه عن أي دليل قد يسمح بالكشف عن هويتهم أو الإضرار بهم، خلافا للضرر الذي لحق بالمريض ولو لم نتعرف عليه.
لنتطرق أولا لخرق السر الطبي الذي وقع قبل الحديث عن المبررين له: من المفروغ منه أنه يُمنع تصوير عورة شخص ما ولو كان مخفي الوجه ومجهول الهوية إلا لو تعلق الأمر بفيديوهات تعليمية يتناقلها الأطباء أو الممرضون على نطاق محدود، بشرط أن يتم أخذ الإذن من المريض والتركيز على المنطقة المدروسة (ولادة، جراحة شرجية، فحص مهبلي، إلخ) بحيث لا توجد علامات قد تجعل من السهل التعرف على من يتم فحصه (في الفيديو تم تصوير النصف السفلي للمريض كاملا قصد التفكه والمزاح).
من جهة أخرى فالفيديوهات التعليمية تطبعها الجدية والتركيز على التشخيص أو العلاج ولا يتخللها أي تهكم كما حدث من طرف الطاقم الصحي، وهو الأمر الذي أشعل فتيل الغضب، خاصة وأن سبب التدخل الطبي والمنطقة التي تم تصويرها حساسان مما زاد من حدة الفضيحة.. وهناك من يدعي أن هوية المريض قد كُشفت وأنه أوشك على الانتحار ولكن هذا الأمر غير مؤكد، وسواء كان ذلك حقيقيا أم لا، فلا يمكن نفي وقوع تجاوز فادح وفعل بغيض يستحق العقاب.. إلا أننا نتمنى وجود ظروف مخففة كسرقة المقطع من المصور ولو أن هذا لا ينفي وقوعه في خطأ صبياني، حيث لم يكن ينبغي التصوير من الأساس.
فيما يخص التبرير للأمر، فقد انبرى البعض لقول أن الشخص يستحق فضحه وكشفه، وهذا معقل الجمل.. الطبيب أو الممرض ليسا قاضيين لكي يحاكما مريضا ما أو ينتقما منه جزاء أفعاله أو يهيناه ويفشيا سره ويكشفا عورته وهذا ليس دورهما بتاتا مهما كان جرمه أو خطأه، بل يجب على مهنيي الصحة الاحتفاظ بأحكامهم لنفسهم.. فكما كان يفترض بالمسلمين أن يحسنوا للأسرى ولو أنهم أعداء، فالطبيب أو الممرض يتوجب عليه علاج المريض سواء كان عدوا أو كان ينتمي لطائفة أخرى أو يدين بدين مغاير، وحتى لو كان مجرما أو مختلا في حدود علاقة يسودها الاحترام المتبادل..
وفي هذا الإطار، كم فحصنا من مسجون مصفد بالأغلال ومن إرهابي محاط برجال الشرطة، بل وقد لا أجد حرجا في علاج محكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ حكمه، فأنا أعتبر الصحة حقا من حقوق الإنسان وأن تحقيق العدالة ليس من اختصاصي.. وكل تجاوز لهذه المبادئ التي أقسمنا على احترامها قبل حصولنا على الدكتوراه، يمهد لحصول خروقات كهاته نتمنى ألا نراها مجددا ولا أن نصادف من يشجعها.
الله المستعان على ما يجرحون…